السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / مقالات / العائلة العربية بين تحديات الحاضر والصمود في المستقبل

العائلة العربية بين تحديات الحاضر والصمود في المستقبل

بقلم علي سليم – لبنان

لقد تغير شكل العائلة تاريخيا بين سعي الأب لجمع القوت واطعام عائلته, حيث تنتظر سيدة المنزل واولادها قدوم الاب من بعيد حاملا لهم الامل في الاستمرار بالحياة , فكانت الام بابتعاد الاب هي الركيزة الاساسية للعائلة، يحمل الاولاد اسمها لاهمية دورها الأول في غرس القيم . تبدلت الأحوال وسعى الانسان الى تملك البيت والأرض , وهذا يعني ان يسعى الاب الى اعطاء اسمه للورثة من ابنائه , فانتقلت السيطرة اليه , فهو صاحب الاملاك الذي يريد الحفاظ على مصالحه , والتزمت الام منزلها تعمل باجتهاد وبجد لتربية ابنائها وغرس القيم بداخلهم .
تتبدل الادوار والهدف واحد , ان تكون العائلة متماسكة يحافظ كل منهم على كيانها وتماسكها . فصاحب المال والاملاك هو الآمر الناهي في مصير تلك النواة والتي منها يتشكل المجتمع .
ومضت الايام وتطورت المجتمعات لنصل الى يومنا هذا , أب وأم يعملان ويكدان من أجل مستقبل اولادهم في ظل ظروف متطلبة , تحولت فيها الكماليات الى ضروريات , وكثرت زينة الحياة , مما رفع الطلب وازدادت الحاجة الى المال .
خرجت الام بكل قوتها لتمد يد العون الى الاب , يعملان جنبا الى جنب , ويضعان دخلهما في تصرف العائلة , فاصبح للمنزل قوتان عظيمتان تديره , فمن يدفع له الاحقية باتخاذ القرار , فانقسمت الاراء واصبح كل منهما لديه رؤيته الخاصة حول شكل العائلة الذي يريد . هو تحدي الحاضر بكل اشكاله . فالسؤال الذي يطرح هنا , هل يمتلك الطرفان مقومات المشاركة والحوار الراقي للحفاظ على مساحة الاحترام لكل منهما . في تلك اللحظة وفي داخل البيئة العربية تبدل حال المرأة الداخلي ولكنه لم يتبدل في الخارج كثيرا , فالمجتمع الذكوري ما زال يراها ضعيفة لا قدرة لها على خوض الصعاب . في تلك اللحظة التاريخية ارتفعت حدة الصراع بين السلطتين داخل المنزل , وارتفعت حالات الطلاق , فالاب مازال ابن الماضي بذكوريته المطلقة , والام تبحث لها عن سبيل في ان تقول بانها نصف المجتمع الحيوي .
المشهد الصارخ يعكس حالة الاضطراب التي تعيشه تلك العائلات في بيئة لم تعتد على صناعة المساحة المشتركة , وهذا تحد يدفعنا الى البحث عن مفهوم جديد لدور الرجل والانثى داخل ذلك الكيان . فضحية الصراع هم الاولاد اللذان يتعلمان قيم التسامح والحوار واحترام الاخر من خلال نظرتهم الى العالم الاول , وهي العائلة .
ستدخل المرأة الآن وغدا الى معترك الحياة مما سيرفع سقف التحديات الى اقصى درجة ليضع السلطات على المحك , فكيف السبيل للحفاظ على الاحساس بالرجولة من ناحية , وبان يحفظ للام حقها في التقدير وقيادة السفينة في وقت ازدادت فيه الاعباء عليها , فهي العاملة المكدة وهي ربة المنزل في آن واحد . حالات الطلاق في المحاكم تشهد على معاناة التحول الاجتماعي , هو التفكك الاسري القادم ان لم نعيد صياغة المشهد من جديد , لنعطي كل ذي حق حقه , فالامرأة أثبتت في مواضع كثيرة قدرتها على ان تكون رقما صعبا في التربية والتعليم والانتاج بشكل عام .
المستقبل ينذر بالكثير من التحرر والبحث عن الاستقلالية , وهو ما يشير الى علاقة عكسية بين ارتفاع مدخول الأم المالي وبين استقرار العائلة واستمرار الزواج . حالة من الطوارئ سيعلنها مجتمعنا قريبا لبحث سبل الخروج من الازمة , فالرجل بموروثاته من عصور التملك والسيطرة سيحمي سلطته , والمرأة بواقعها الجديد ستسعى الى توسيع سلطاتها , وبناء كيان مؤثر وقوي داخل العائلة .
اما الاولاد هم مركز الدراسة , ففي اي بيئة سينشؤون , وأي قيم ستزرع في نفوسهم في ظل تداخل عوامل التربية وادواتها بين الاب والام ووسائل الاعلام والمدرسة وغيرها …
فالحكمة تقتضي ان تقام طاولة حوار مبنية على تقاسم الادوار وتوزيعها توزيعا يليق بمقام كل منهما ويعيد تجديد مصنع البشرية الأول من جديد …