أدونيس: نحن العرب هدفنا السلطة وما بعد الحداثة القدامة!
2019-02-25
قضايا مجتمع ومناسبات, مقالات
625 زيارة
بقلم الأستاذ حسام محي الدين
يحضر أدونيس بمحبة في الوجدان الأدبي والفكري كلما دعي الى لقاء حواري أو ندوة شعرية. في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية كانت للرجل الثمانيني كلمات ومواقف عبر بها عن اشكاليات قديمة في الشعر والحداثة، متراجعاً عن بعض كتابه ” الثابت والمتحول ” في ما طرحه من إشكاليات معرفية ، ومعترفاً بأنه لو أعاد كتابته لعدّل وغيّر فيه الكثير، ملمّحاً الى أنّ “الثابت ” ما زال ثابتاً و” المتحول” ما زال متحولاً ، وهو ما يشي بأن هذا المتحول – بعد خمسين عاماً – أصبح ثابتاً أيضاً !
أول الغيث هذا ذهب به ادونيس بعيداً ، فأسرع ممطراً الحضور مواقف و” تجليات ” تناثرت بين الشعر والفكر والسياسة، فنعى الحداثة – عمّا قريب – وما بعد الحداثة مقرّراً أن ” ما بعد الحداثة هو القدامة ، أي العودة إلى الوراء .. إلى القديم ” ! مدافعاً عن المثقف – او قل عن نفسه – ملقياً المسؤولية كاملةً على المجتمع ، معتبراً أنه اذا نبذ المجتمع المثقف ولم يعد له مكان فيه ، فما الذي يمكن أن يفعله هذا الأخير ؟! إذ ” لا يحق لمجتمع لا يقرأ أن يطلب التغيير والتقدم والتطور” ، متجلبباً بعباءة رفض التحكم بالثقافة والمثقفين من قبل الانظمة التي تضع المثقف أمام خيارين : إما أنه موظف وإما أنه منبوذ : أمران أحلاهما مر !
وإذ يتابع أدونيس ليقول ” حتى الآن لم أفعل شيئا” . أنا تلميذ ولم أحقق شيئاً بعد ” !! وإذ يومض – هنيهةً – في خلدنا موقف الرجل المتواضع النبيل ، فإننا ننتبه بثقة الى أرجحية إدراج هذا التواضع في سلسلة التراجعات التي بدأت ترسم الصورة الواضحة للمشهــد ” الأدونيسي” البانورامي الجديد : فمن تحدار الثابت والمتحول إلى الاعلان عن موت الحداثة – في المستقبل القريب على الأقل – إلى انهزام المثقف الى ذلك التلميذ الذي لم يفعل ولم يحقّق شيئاً ، في وتيرة متقهقرة من المواقف الفكرية – الشعرية توازت مع المشهد السياسي الذي استتبعه بالشعر( من ضمن سلسلة المواقف المتراجعة ) فبدأ عامّاً ، ” خفيفاً نظيفاً ” كما يقال ، وتناول طرف الخيط السياسي مقرراً أننا كعرب ” هدفنا كان دائماً الوصول الى السلطة بأي ثمن والمحافظة على السلطة بأي ثمن وهذا تاريخنا العربي منذ السقيفة ” وأن هذا التاريخ لم ينقطع مع بعض المواقف المضيئة خلال هذا التاريخ كإستقالة ” عبد الناصر ” بعد هزيمة 1967 . توقف هنا أدونيس مستعداً لجولة جديدة من المواقف أو فلنقل الإشارات كي لا نجانب الصواب فبدأت إرهاصات التموضع السياسي الجديد ، الذي يناقض فيه ادونيس ذاته منذ سنوات قليلة : فبعد أن كان يؤمن بلا جدوى التغييرفي الانظمة السياسية العربية مفضلاً التغيير في الأسس المجتمعية والاقتصادية والثقافية … الخ ، ها هو يدعونا الى الثورة التي تنبع من داخل كل منا ، لأن الحل الآن – ربما بعد ” ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم – هو في الراديكالية ! فأوشك على ضرب الطاولة أمامه بقبضة يده اليمنى المستبدة ، ليرمي كرة النار قائلاً :
” لن أعود الى سوريا إلا بعد ان يصبح النظام ديمقراطياً ” ! مناقضاً مواقفه السابقة منذ اندلاع الازمة السورية والتي ساوى بها بين القتيل والمقتول وقتذاك ، موحياً أن الموقف من العودة الى سوريا كان متماهياً مع موقفه الثوري الجديد : التغيير راديكالياً .
لم يكن بالامكان في عجالة زمنية استيضاح ما يجري في المحيط الادونيسي : تراجع في كل شيء ، في مواقف الحداثة والثقافة والشعر والسياسة ، إنما أصبح في المتناول ترسيم الملامح الجديدة للتحول العام في ذاتية الشاعر بين ” القبل ” و ” البعد ” . إذ لم يسعف أدونيس غبار ” الفلاشات ” التي نثرها هنا وهناك في ندوته أمامنا بعدعنونة مرحلته اليوم : ” هذا انا أدونيس” ، فلم نقع في الشّده ، بين الحقّ والمشتبه ! بل ساورنا الاهتمام الكبيرباكتناه سمات أدونيس حتى الآن ، فلا نستسيغ أن يغسل يديه من دماء ضحاياه : الشعر والفكر والسياسة ، كالتائب من الذنب الذي لا ذنب له !
حسام محيي الدين / لبنان