السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / الأدب المنتفض / الشاعر المهندس الفلسطيني الفرماوي: أوثّق تجاربي الحياتية وأزماتي شعرا

الشاعر المهندس الفلسطيني الفرماوي: أوثّق تجاربي الحياتية وأزماتي شعرا

حاوره أ. د. أنور الموسى

شاعر لاجئ من مخيمات لبنان، موهبته منذ الطفولة الرسم والتخطيط، فكان له ما أراد، إذ أضحى مهندسا وشاعرا يهندس قصيدته من قلب إبداعه.. وهو طموح متواضع يقبل النقد وملتزم بالهم الذاتي والعام.

أثرت فيه فاجعة موت طفلته مظلومة، كما أثرت فيه مرارة اللجوء وإعدام المخيم… دخل ميادين التكريم في المجموعات الأدبية فكرم مرارا، وأشيد بنصوصه، ووجد في نشر نصوصه متنفسا وتساميا عن الواقع المهترئ وانقلاب المعايير والقيم…

إنه الشاعر المهندس مصطفى إسماعيل الفرماوي الذي كانت لمجلة إشكاليات فكرية معه هذا الحوار..

١_ما الوصف الذي تطلقه على نفسك؟ وما بواعث نظمك الشعر؟

أنا شاعر التجربة أوثّق تجاربي الحياتية وأزماتي شعرا …هناك أحداث وابتلاءات عظيمة مرت في حياتي (مثلا موت طفلتي اسراء في حادث سير والمتاجرة بدمها، ظلم مدير الهندسة الفاسد لي في وكالة الانروا حيث استطاع أن يبعدني ويتسبب في قطع رزقي وكذلك تبني فكرة تعدد النساء والمعاناة التي واجهتها من المجتمع وكذلك معاناتي من البطالة والحرمان في الوقت الحالي) كل هذا يدعوني الى كتابة الشعر لأنه المتنفس الوحيد والسلاح ضد من ظلمني…اذن السؤال الذي يطرح نفسه هنا:

هل هناك من أحداث جسام مرت في حياتك تدعوك دائما الى كتابة الشعر؟

٢-ما قاعدة تجربتك الشعرية؟

الشاعر اذا أُحسن له كان مدّاحا، واذا أُسيء اليه كان هجّاءً.

٣-ما الاغراض الشعرية التي كتبت فيها؟

كتبت في الغزل والشعر الوطني وشعر الحكمة والشعر الديني (الشعر الذي هو بمنزلة فرض كفاية في الجرح والتعديل) والشعر في الزهد والتوبة والتقرب الى الله وفي المدح والهجاء والشعر القصصي وشعر الاحجية …وهناك شعر في المدح خاص في العمل للخروج من مأزق ما أتقرب فيه الى المدير لمصالح مفيدة منطقية!

4—من أثر فيك من الشعراء؟

أنا متأثر جدا جدا بالشاعر أحمد شوقي، وهو في نظري ليس أميراً للشعراء فحسب، بل لم يأت قبله مثله ولن يأتي بعده مثله..

ومن شعراء الجاهلية متأثر بشعر عنترة بن شداد.

ومن شعراء العصر العباسي تأثرت بالشاعر المتنبي الذي أعشق شعره كثيرا.

٥—ما مراجعك في الشعر؟

المراجع التي أستفيد منها:

أولا القرآن الكريم، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم… ومنها أقتبس في الشعر، وأستفيد من علم المعاني وفصاحة الكلمة والكلام والنحو أيضا..

ثانيا قاموس علم المعاني…..

ثالثا كتب النحو والعروض

كل هذا من طريق السيد الباحث جوجل.

٧-ما مواهبك؟ وما أول قصيدة لك؟ وهل الشعر موهبة؟

أنا نشأت عندي موهبة الرسم والتخطيط…وأول قصيدة كتبتها كنت في سن السادسة عشرة هي قصيدة (همّت الى الفرار).

-قال الله تعالى:

وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ.

تفسير الآية أنّ الله سبحانه وتعالى ما علّم الشّعر حبيبهُ النّبيّ محمّدا وما ينبغي له أن يكون شاعراً.

ونستشفّ من هذه الآية حقيقة أنّ الشّعر علم من العلوم، وفنّ من الفنون له أدواته، ويُعلّم للنّاس فلا تكفي الموهبة فقط.

٨-ما أثر اللجوء في شعرك؟

عندما ارتحلت إلى مخيم نهر البارد، والتقيت بالشعراء هناك، وأسسنا الملتقى الأدبي الثقافي الفلسطيني برئاسة الشاعر مروان الخطيب…تأثرت بنكبة نهر البارد فكتبت شعرا عن هذه النكبة، أذكر قصيدة (من صميم القلب) ثم ظهر أثر هذه النكبة في كتاباتي الشعرية، فكنت أذكر نهر البارد في معظم قصائدي، مثل قصيدة (نزيف اليراع)…اخترتها اسما لديواني الأول هو (نزيف اليراع).

٩-ما قصيدتك الأولى؟ وما ظروفها؟

قصيدة “هَمّتْ إلى الفِرار”

(هي أوّل ما نظمتُ حيث كنت أبلغ من العمر آنذاك ستّ عشرة سنة وكانت قصيدة غزليّة على البحر الكامل وقد جاريتُ في مطلعها سياقا قصيدة عنترة.)

أَفَهَلْ سَلَبْتِ العَقْلَ بِالنَّظَرِ؟!

أمْ هَلْ جَذَبْتِ القلْبَ بِالخَفَرِ؟!

هَلّا سَأَلْتِ العَيْنَ يا أُذُنِي

إنْ كُنْتِ عاجِزَةً عَنِ البَصَرِ؟!

تُخْبِرْكِ عَمّا باتَ يُسْهِدُها

لَحَديثُ عَيْنٍ لَمَّا تَنْكَسِرِ!

حَسْناءُ كُلُّ النّاسِ يَعرِفُها

كَالشَّمْسِ فَوقَ أَعيُنِ البَشَرِ!

شَقْراءُ كُلُّ العُرْبِ تَعشَقُها

حُورِيَّةٌ نَزَلَتْ مَعَ المَطَرِ!

رَمَشَتْ عُيُوني فَهْيَ عاشِقَةٌ

كَاللَّيلِ يَعشَقُ نُورَ ذَا القَمَرِ!

اخْتَرتُها مِنْ جَنَّةِ الزَّهَرَا

تِ وَرَأْسُها في مَوْضِعِ الفَخَرِ

اللهُ يا (أزْهارُ) ما جَفَلَتْ!

أفَلَمْ تَخافي عاشِقَ الزَّهَرِ؟!

عَيْني كَخَطفِ البَرقِ قَد غَمَزَتْ!

وَعُيُونُها هَمَّتْ إلى الفِرَرِ!

الخَفَر: الحياء الّذي ينتاب المرأة بشكل خاص.

الفرر: يعني الفرار

١٠-من هي إسراء في شعرك؟

ابنتي…!

اسراء: هي ابنتي الطّفلة الصّغيرة الّتي توفّيت مع جدّتها دهساً في حادث سير على أتوستراد المنية في طرابلس والّتي تاجر الماكرون والمخادعون والخائنون بدمها جهاراً نهاراً وأكلوا حَقّ أهلِها بلا رحمة ولا شفقة ولا حتّى ذرة حياء من الله أو من النّاس؛ لهم من الله ما يستحقّون.

قصيدةُ “إسراءُ”

“انْ كُنْتُ حَصَلْتُ عَلَى حَقِّي //

فَلِأَنَّ رِجَالَ النَّخْوَةِ في

مَطْعَمِ “الصِّدِّيقِ” قَدِ اجْتَمَعوا //

بِالقَوْلِ وَبِالفِعْلِ كَانوا رِجَالاً بِحَقٍّ، مَا ضَيَّعوا حَقِّي!!!!!!!!!!!!!

وا أسفا!!!!

………………………………………………….

قالوا بِأَنِّي مُرغَمٌ فَعَزَلتُكَ…

وأَنا لَعَمرُكَ مُغرَمٌ فَعَذَلتُكَ

“إسراءُ قومي واشهَدي بِشَهادَتي…

إنِّي نَدِمتُ لِأَنَّني وَكَّلتُكَ!

في مَطعَمِ “الصِّدِّيقِ” كانَ لِقاؤُنا…

فَتَخَلَّفَ “الفَيَّاضُ” وا “كَسَّارُكَ”!

حَضَرَ اجتِماعَ غَدائِنا “البَدرانُ” مِنْ…

“بِبنِينَ” وَهْوَ ابنُ “المُخَيَّمِ” جارُكَ!

أَنا قُلتُ: دِيَّةُ طِفلَتي مَأْوىً لِإخـْ..

وَتِها؛ فقامَ يَلومُني وَيَلومُكَ!

ذِي دِيَّةٌ واذا أَضَفتَ الهاءَ تِلـْ..

كَ هَدِيَّةٌ ؛واللّهُ يَرحَمُ بِنتَكَ!

هِيَ “صُرَّةُ العُربانِ” أَعظَمُ فِديَةٍ…

فَارضى بِها؛ واللّهُ يُعظِمُ أَجرَكَ!

هِيَ “صُرَّةُ العُربانِ” و”البَدرانِ” بَلْ…

قُلْ: صُرَّةُ “الكَسَّارِ”؛ وَيحَكَ ما بِكَ؟

هِيَ صُرَّةُ الخُذلانِ والمُكرانِ بَلْ

قُلْ: صُرَّةُ الخُريانِ؛ هَلْ أَضحكتُكَ؟َ!

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

والمُخاطب في القصيدة هو مَن وكّلت من المشايخ في مخيّم نهر البارد ليكون مسؤولاً في لجنة إسراء الّتي أنشأتها في التَّوّ يومئذ وهو الشّيخ هيثم السّعيد الّذي أخبروه أنّني عزلته حيث كانت خدعة ومؤامرة ليتخلّى ويهرب من مسؤوليّته ودفاعه عن الحقّ وقد شُبّه له كما وأنّني عزلته من منصب رئاسة الدّولة للأسف الشّديد.

الفيّاض: هو أبو جهاد فيّاض مسؤول حركة فتح في منظمة التّحرير الفلسطينيّة في طرابلس شمال لبنان وهو الّذي وكّل نفسه في هذا الأمر ليكون وسيطاً ويعمل على تحقيق المصالحة ودفع الحقوق حسب ما اتّفق عليه وهذا ما لم يحصل للأسف الشّديد.

البدران: هو جمال بدران فلسطيني يسكن في بلدة “ببنين”،وهي بلدة مرتكب الحادث؛ أصله من مخيّم نهر البارد له علاقات واسعة وأملاك ومصالح خاصّة مع مسؤول البلديّة وغيره من الشّخصيّات اللّبنانيّة.

الكسّار: هو الدّكتور كفاح الكسّار مسؤول بلدية بلدة “بِبْنين”؛ والكسّار هو الّذي تاجر بدم طفلتي مع مساعده البدران حيث أبكى الحجر والشّجر والبشر واستجلب أموال من أميرة كويتيّة لبناء مستشفى إسراء على الجوار اللبناني الفلسطيني كما ادّعى ووعد، لكنّه وعد وعوداً كاذبة بل نكث العهد والاتّفاق ولم يدفع لا ديّة ولا هديّة بل كانت صُرّة مكر وخداع وخيانة للأسف الشديد.

مطعم الصّدّيق: هو مطعم على اوتوستراد المنية تمّ فيه عقد الإجتماع من أجل المصالحة والتنازل والاتّفاق على قيمة الديّة ودفعها.

صُرّة العرب: عادة عند العرب في بعض القرى وهي عبارة عن مبلغ يُجمع من أهالي مرتكب الحادث يوضع في صُرّة ويُقدّم كهديّة بدل الدّيّة لأهالي القتيل أثناء المصالحة حيث توضع تحت الوسادة اذا دخلوا المنزل.

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

١٢-ماذا تهدي قراءك؟

قَصيدَةُ “لَبَّيْكِ يَا قُدسَنا”

هَذَا دُعا المُصطَفَى فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ:

فِي شَامِنا بَارِكِ اللَّهُمَّ وَاليَمَنِ

مِصرٌ وَنَجْدٌ دُعاةَ الدِّينِ آمَنَتَا

فَاللهُ آمَنَهُمْ مِنْ أَعظَمِ الفِتَنِ

مِنَ العِراقِ بِلادِ الشَّرقِ قَدْ خَرَجَتْ

هَذا حَديثُ رَسُولِ اللهِ في المِحَنِ

دارُ السَّلامِ تُناديكُمْ لِنُصرَتِها

القُدسُ عَانِيَةٌ، فَالعُرْبُ فِي وَهَنِ

بِالفِعلِ لَا القَوْلِ يا إخْوانُ، نَجْدَتَكُمْ:

لَبَّيْكِ يَا قُدسَنا يَا زَهْرَةَ المُدُنِ

أَمَّا دِمَشْقُ، عَرُوسُ الشَّامِ، كَمْ نَزَفَتْ!

وَالنَّازِحُونَ بِلَا مَأْوىً وَلا سَكَنِ!

مِنْ “نَهْرِ بَارِدِنا” المَنْكُوبِ أُنْشِدُكُمْ

شِعري، أَنَا اللّاجِئُ المَنْفِيُّ مِنْ وَطَنِي

تُوبُوا الَى اللهِ تَوْباً مِنْ ذُنُوبِكُمو

وَادعُوهُ لَيْسَ كَمَنْ فِي غَابِرِ الزَّمَنِ

لَمَّا دَعَوْا رَبَّهُمْ نَجَّاهُمُو، فَنَسُوا

مِنْ بَعدُ، كَمْ غَرِقَتْ نَاسٌ عَلى السُّفُنِ!

(ما كُلُّ ما يَتَمَنَّى المَرءُ يُدرِكُهُ)

فَكُلُّ ما لَمْ يَشَأْ ذُو الكَوْنِ لَمْ يَكُنِ

النَّصرُ لا بُدَّ آتٍ فِي تَوَحُدِّنَا

وَبِالتَّمَسُّكِ بِالقُرآنِ وَالسُّنَنِ

١٣-ما هي نصيحتك للمبتدئين في الشعر؟

نصيحتي للمبتدئين في نظم الشعر :

“الله يكون بعون الشّاعر”

انّ صناعة الشعر العمودي الفصيح ليس بالأمر السهل كما يتخيّل البعض لأن هناك عدّة أمور يجب مراعاتها:

١. النحو والصرف.

٢. علم المعاني وفصاحة الكلمة والكلام والمتكلم.

٣. علم البلاغة: علم البديع وعلم البيان.

٤. علم العروض: البحور والقوافي والجوازات والضوابط العروضيّة والضرائر الشعريّة.

٥. مراعاة الأفكار الّتي تتناسب مع الدّين والشّرع والأعراف.

٦. الصدق والعاطفة.

لذلك قلت:

قِطعة شِعريَّة بِعنوان “انّي لَأَنصِح”

انِّي لَأَنصِحُ مَنْ ذا يَسمَعُ اللَّغوَا

لا تَنظِمِ الشِّعرَ انْ لَمْ تُتقِنِ النَّحوَا

عِلمُ المَعاني يَلِيهِ والبَلاغَةُ بَلْ

يَأْتي العَروضُ يُذِيقُ المُرَّ والحُلوَا!

اركَبْ بُحُورَ القَوافي وَاقْصِدَنْ غَزَلاً

بِذاكَ آدَمُ أَغرى زَوْجَهُ حَوّا!

يَحلُو القَصيدُ بِهِ مَعنىً وعاطِفَةً

طَعماً ورائِحَةً كَالمَنِّ والسَّلوى!

وكذلك أرى من الأمور المهمّة التّفريق بين السّرقات الأدبية والشّعريّة والإقتباس والتّضمين او ما يُعرف بالتّناصّ. فالاقتباس من القرآن الكريم أو حديث الرسول والتضمين من مَثل سائر او حكمة أو شعر نادر او قصة مشهورة كإشارة وتلميح ليعدّ من أنواع البلاغة والمحسنّات البديعيّة لقوّة تأثيره على المتلقّي، ولا يُعدّ من السّرقات الأدبية والشعريّة.

كما أنّ هناك عبارات مشهورة استخدمها معظم الشّعراء مثل: (لعمرك)، و(يا ليت شعري)، و(مَن عذيري مِن..) ، و(يا ابن أُمَّ) وغيرها هي عبارات قديمة لكن لا بدّ من احيائها من جديد في أشعارنا وأيضاً احياء بعض البحور المهملة مثل البحر المستطيل والبحر المتّئد وغيره.

أما بالنسبة إلى ااسرقات الأدبية والشعريّة فأقول: لا بُدّ للسارق أن ينكشف عاجلاً أم آجلاً لا محالة، لأنّ ما سرقه ليس من بنات أفكاره والمبدع مبدع، أينما حلّ فاحت مواهبه. لكن الأدهى من ذلك والأمرّ والّذي لا يمكن كشفه هو سرقة فكرة أو صورة جماليّة وردت الى ذهنك وأفصحت عنها لكن لم تدوّنها، فسبقك اليها غيرك من الشّعراء فأقول: يمكن لأي أحد أن يسرق فكرة أو صورة جماليّة لكن لا يمكن له بحال من الأحوال أن يسرق عاطفة أو أسلوباً.