في قلق الموت!
2019-01-21
مقالات, نقد وفلسفات
377 زيارة
كتب د. إبراهيم سمسماني
في قلق الموت:
ياموت يا رب المخاوف والدياميس الصغيرة
الآن تأتي ، من دعاك؟ من ارادك ان تزوره؟!
( السياب)
ليعذرني الأصدقاء أني أقارب موضوعا غير محبب الى القلوب، بل قد يقابل بشيء من النفور؛ فتذكر الموت أو ذكره لا يبعث على الطمأنينة.
لكن لا بد أن نعترف أن الإنسان ان وحده يدرك حتمية موته، ولذلك لا بد أن يلازمه قلق الموت وإن بدرجات متفاوتة بين انسان وآخر.
لكن انكاره هو القاعدة الاساسية السائدة، نسيان الموت جزء من الطبيعة البشرية. نتجاهله، نحاذر مقاربته، ندرك موت الآخر ويؤلمنا ذلك؛ لكننا لانتخيل موتنا. لاتجربة لنا مع الموت، ننكره بصورة لاواعية. بل إن اللاوعي البشري مسكون بهوام الخلود ولا يختزن اي صورة عن الموت.
الموت لغز غامض ، لاحيلة لنا فيه، ولانملك الى دفعه سبيلا. يقهرنا ، يجبرنا على مغادرة حياة الفناها،مغادرة توجع القلب دائما.
هو يرمز الى الخسارة الكبرى ، نهاية كل شي ؛ تهديد بالزوال والفناء.
تعرفت الى قلق الموت بأقسى صوره في الحالات المرضية، حيث يتحول الى كابوس مرعب يهاجم بلا رحمة.يردد المريض:” لاتمضي ليلةلايهاجمني فيها هلع الموت، يجافيني النوم ولا اصدق اني سأبقى حيا حتى الصباح، ولا يمضي نهار لايتملكني تفكير اجتراري قهري باني على وشك مغادرة هذا العالم. تتوالى نوبات الهلع، والقلق يستنفد قدراتي النفسية والجسدية، وتتحول حياتي الى جحيم!!!.”
تفاقم هذا القلق مرتبط بمشاعر الذنب الطفلية المكبوتة في اللاوعي، الناجمة عن رغبات طفلية لاواعية في موت من نحب(الاهل).
وهاهو قلق الموت يهاجم بقوة في مواقع ضعفنا، مرض السرطان يقض المضاجع، انه صنو الموت. نحاذر ذكر اسمه، هو مالايسمى. تابو ذكر اسمه هو تابو الموت،نخاف مباغته على حين غرة؛ لايمهل ولا يرحم.
نتذكر الموت حين يغادرنا احبة، اصدقاء واقارب؛ نتألم لفقدهم، نودعهم بدمعة قائلين في سرنا : لن نلبث بعدكم الا قليلا.
اما حين نقترب من النهاية المحتومة، حين ندخل في خريف العمر وتبدأ اوراقنا بالاصفرار، فلن يخدعنا لونها الذهبي ، لانها آيلة الى السقوط في مهب الريح.
لقد واجهت البشرية قلق الموت منذ بداياتها ودأبت في البحث عن حلول.كان للفلسفة محاولاتها:فالفيلسوف ابيقور يرى الانشغال بالموت عبثا لاطائل تحته:” حين اكون حيا لايكون الموت موجودا، وحين يأتي الموت لن اكون موجودا.”
اما سقراط فهو يرى ” ان الموت ليس شرا، انه رحلة الى عالم اجمل وانقى..”
اما هايدجر فيقول:” اذا قبلت الموت في حياتي واعترفت به وواجهته مباشرة، ساحرر نفسي من قلق الموت وحقارة الحياة. وحينها فقط سأكون حرا في ان اكون نفسي.”
ادراك الموت كحقيقة كونية كامنة في اصل الحياة، يجعل الانسان اكثر حكمة وانسانية. ولعل ذلك يسهم في ان نعيش حياة اصيلة، نعطي للاشياء قيمتها الاصلية، بعيدا عن صغائر امور الحياة اليومية.
والروائي مارسيل بروست يقول:”ليس في الموت اي شي من العمق، ولا اي شي من الرومانسية،انه حدث شديد الابتذال.”
وقد واجهت الأديان قلق الموت وعملت على ازالة رهبته من قلوب الناس لبلوغ قدر من الطمأنينة.
في الدين الاسلامي الموت ليس نهاية ، بل هو ولادة جديدة. هو نهاية لحياةباطلة وبداية لحياة صادقة. فالحياة هي الغفلة والموت هو اليقظة. ” الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا.”
الحياة امتحان والموت معبر، امتحان :” ليبلوكم احسن عملا” مع وعد بجنات تجري تحتها الانهار، وذلك لمن آمن وعمل صالحا.
والنبي يدعو الى الاكثار من ذكر هادم اللذات(طبعا الموت) لادراك عبث التعلق بملذات آثمة في حياة زائلة، وللتزود بالعمل الصالح للحياة الآخرة الابدية.
واخيرا هل يمكننا التصالح مع الموت،نواجهه بلا خوف ولا هلع وبقلوب مطمئنة؟؟!تلك رغبتنا جميعا ، آمل ان نستطيع ذلك.