أنور الموسى،جريدة السفير
كلف الصحافي أنور الموسى بهذا التحقيق في العام ٢٠٠٥ في أثناء التدريب على كتابة التحقيق.. فهل تغير واقع المكتبات في لبنان؟
السفير – أنور الموسى
<<جامعتنا عربية… ما بدنا ثقافة أميركية>>، <<هي ويلا أميركا اطلعي برة>>، <<جامعتنا حرة حرة…>>، <<ويا سفير الأمريكان، لا تتدخل في لبنان>>… وسط هذه الشعارات والهتافات التي تؤشر إلى <<تمسكنا بالأصالة والتراث والاستقلال>>، سجّل طلاب الفرع الخامس لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية (صيدا)، <<انتصاراً>> فريدا من نوعه على أميركا، إثر <<طردهم>> عشرات الكتب الأجنبية (المقدمة من السفارة)، التي كادت تغزو <<قن>> مكتبتهم المظلم، في توقيت، قيل: إنه <<مثير للشكوك>>.
يفتح ذاك <<الإشكال>>، الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جمة تتعلق ب<<قلب الجامعة اللبنانية>>؛ (المكتبات في الجامعة الوطنية عموماً، وفي الفروع الخامسة خصوصاً)…: تُرى، ما الذي دفع صاحبة <<الهبة>> المزعومة، مديرة الشؤون الإعلامية والثقافية في السفارة ومساعدها كنسي جون والوفد المرافق، إلى الإقدام على هذه الخطوة؟!، وهل كانت لتجرؤ… لو أن المكتبة محصّنة؟!، وما بواعث اعتراض الطلاب على <<الهبة>>، في وقت هم وزملاؤهم في الدراسات العليا <<بأَمَسّ>> الحاجة إلى <<كُتَيِّب>>؟ وقبل هذا وذاك، هل توجد في الفرع 5، أو الفروع الأخرى <<مكتبة؟!>>، وما حقيقة <<الفيتو>> الذي تفرضه مكتبات الجامعات الخاصة على طلاب <<اللبنانية>>، <<الفارين>> من غبار مكتبتهم؟!
بواعث الاعتراض
تبدأ <<الرواية>> حين <<حطّت>> قافلة أميركية، قبل نحو شهر تقريباً، قرب مدخل الكلية. وما إن شاع نبأ الزيارة، حتى علا الهتاف.. وغادر الوفد.. تقول الطالبة نور الشّلاح تعليقاً: <<تناول اللقاء مع قسم اللغة الانكليزية الذي استمر 20 دقيقة وأوقفته الاحتجاجات عزم الوفد تقديم منح لطلاب اللغة الانكليزية المتفوقين، تحت سن 27 عاماً، لتكملة الدراسات العليا في أميركا، وتقديم فرصه لهم لتدريس اللغة العربية هناك…>>، وتوافقها زميلتها غوى بشروش (المُشَارِكة أيضا)، لافتة إلى <<أننا ناقشنا أيضا موضوع التعاون بين مكتباتنا ومكتبة أميركية… وأَخْبَرَنا الدكتور (…) بأنهم يصطحبون في سياراتهم 6 <<كراتين>> مليئة بكتب قيمة تخصّ منهجنا واللغة الإنكليزية>>… وتصرّ زميلتهما سهير مصرية (رابعة انكليزي) على <<أن مكتبتنا شحيحة بالكتب المهمة… وتختلط في رفوفها المراجع العربية بالفرنسية والانكليزية…>>. كلام الطالبات المشاركات في اللقاء، ينفي ما تردّد عن دخول الوفد المكتبة: <<لم أره على الإطلاق>>، يقول أمين مكتبة الآداب 5 علي دمج… فيما يشدّد رئيس الهيئة الطالبية في الكلية حسين سليمان على أنه: <<لو كانت القضية <<هبة كتب>>، فلِمَ لم يدخلوها معهم؟!، ولِمَ الدخول من دونها؟!، لافتاً إلى أن الزيارة كانت استفزازية في توقيتها وغاياتها…
<<فيتو>> جديد!
إشكال <<الآداب 5>> يسلط الضوء على أوجه معاناة فروع الجامعة <<المحرومة>> التي تفتقد إلى مكتبة رئيسة (أو مركزية) تخدم الجامعة بكلياتها وأقسامها وبرامجها وأهدافها كافة… إنما يقتصر الأمر على مجموعة من المكتبات التابعة للكليات والمعاهد والأقسام. <<هذا يجعلنا نُهان أمام مكتبات الجامعات الخاصة..، في ظل موازنة غير كافية تخصص للمكتبات>>، تقول ماهرة مروة (دراسات عليا تاريخ).
كلام مروة، تعززه القناعة لدى الطلاب أن عدم وجود مكتبة غنية بالمراجع، ومظلمة عادة، ومجهولة…، يتنافى وروحية البحث ولوازمه، وترى غالبيتهم أن قلة المصادر والمراجع وانعدام الدوريات… ترهق الطالب وتدفعه إلى الملل. <<…أستغرب أن توجد جامعة بلا مكتبة مهيأة… فماذا لو كان الأمر مرتبطاً بالدبلوم؟، أليس ذلك مخزيا؟…>>، يقول الطالب خالد الحسين (دبلوم علم نفس) مقشعراً.
ويوافق الحسين الرأي، الطالب سليم الحاج (ثالثة علم اجتماع 5)، شارحاً أسباب ذلك من وجهة نظره: <<السرقة هي مكمن الداء… وهي تترسخ في وصل التسجيل الذي يخصص جزء منه للمكتبات…>>، ويتساءل: <<أين المكتبات؟، ولِمَ لا تُجهز من أموالنا التي ندفعها سنوياً؟، أليس ذلك سرقة مكشوفة؟!>>.
والواقع أن تجربة طلاب <<اللبنانية>> مع الجامعات الخاصة مريرة، بفعل <<الفيتو>> المفروض عليهم، <<فمكتبة الجامعة الأميركية لا تستقبلنا إلا بعد دفع مئات الدولارات…، مبررة ذلك بأن جامعتنا لا تدفع لها رسم مكتبات…، والجامعة اليسوعية التي كانت تسمح في وقت سابق بدخول طلبة الدكتوراه فقط، تطالبنا حالياً جميعاً بدفع رسوم مكتبات… وجامعة بيروت العربية التي كانت تحدد أياماً معينة لدخولنا، قبل الإشكال الأخير مع النائب وليد عيدو، ترفض حالياً إدخالنا جميعاً…>>، يقول الطالب باسم ع. متأففاً…، ويتابع: <<ما يزيد الطين بلة، أن مكتبة الفرع 5 فقيرة جداً بالمراجع الأجنبية، وهي مبعثرة، شبيهة بقن الدجاج…>>. الوصف الأخير، يتواتر لدى عدد كبير من الطلاب؛ فالطالبة رغدة عطية (إنكليزي) التي تصرّ على أن توقيت الزيارة مشبوه… فوجئت <<مؤخراً>> بوجود مكتبة في الكلية، وصدمت أكثر حينما وجدتها <<تحت الأرض>>… فيما أجابت زميلتها منال شحادة لدى <<سماعها بوجود مكتبة>> في الكلية: <<أين المكتبة؟!… بحثت عنها ولم أجدها>>!، أما عفاف عبد الرازق، فكثيراً ما يُخبرها أصدقاؤها أن المكتبة <<غير مصنّفة وهزيلة>>…
من جهته، علي ياسين (ثالثة حقوق 5)، الذي شارك، بفعالية، في طرد الوفد الذي، بنظره، يمهّد لتدخّل أكبر، طبقاً لمبدأ <<طعمي التّمّ، تستحي العين>>، يرى أن مكتبة كليته <<غير كافية أيضاً للأبحاث الكبيرة>>.. فنُضطر إلى زيارة الفرع 1 البعيد في الصنايع… ويتدخّل زميله عمران حسن (حقوق 5) الذي يعتبر أن الوفد ليس جمعية خيرية، بالقول <<عدم السماح لنا بدخول الجامعات الخاصة كارثة>>. فيما يشير مصباح عرابي (ثانية حقوق) إلى أن خطوة الطلاب متسرعة، إذ يفترض، بداية، معرفة مضمون الكتب وغايتها.
أمناء وشكاوى!
يؤكد أمناء مكتبات الفروع 5 على <<أن ميزانية المكتبة مهمة لتطوير مقتنياتها إلا أنها غير كافية>>، منتقدين <<عجز المعنيين عن إعداد خطط من شأنها رفع مستوى المكتبات وتطويرها>>.
ويشدد أمناء المكتبات على أن الميزانية غير الكافية (نحو 10 ملايين ليرة) هي المصدر الأساسي لتمويل المكتبات، يُضاف إليها أحياناً التبرعات القليلة. <<ما يؤثر تأثيراً سلباً على مقتنيات المكتبات التي تغيب عنها: الوسائل السمعية والبصرية، والحاسوب، والانترنت، والميكروفيلم، والتصوير…>>.
وفي موازاة حديثهم عن الموازنة، ترتفع شكوى أمناء المكتبات أيضاً من غياب التوظيف (العادل) منذ نحو 10 سنوات، وقلة عدد الكادر البشري المؤهل إدارياً ومهنياً، وندرة المتخصصين في مجالات التوثيق والمعلومات. <<أنا الوحيد المتخصص في مجال علم المكتبات، وتقع على عاتقي مهمة اختيار الكتب والفهرسة، والتصنيف، والتوجيه… ويقتصر عمل الزميل الآخر على الإعارة والمراقبة>>، يقول دمج آسفاً، فيما يؤكد مدير كلية الحقوق 5 د. محمد عبد الله الذي يطالب مديري الصحف بإدخال <<أعداد منها بأسعار مخفضة إلى كليته>>، <<أن إشكالية موظف واحد وأمينة مكتبة فقط في كليتنا تشكل أزمة…>>، مطالباً بربط المكتبة بشبكة الإنترنت، حرصا على الإفادة…
من جهتها، تقول أمينة مكتبة كلية الآداب العمادة مارلين حجيج، إن مكتبتها حديثة العهد نسبياً، وتقع جميع الأعمال على عاتق موظفتين فقط، متسائلة <<أي خدمة سنقدّمها لطلبة الدراسات العليا في ظل غياب الكادر البشري؟>>، مشيرة إلى أن شكوى الطلاب مبررة <<ولكننا نسعى إلى فتح أبواب المكتبة بعد الظهر يومياً، لأن معظم المحاضرات مسائية>>.
إلى ذلك، يجمع أمناء المكتبات على غياب حلقات التدريب المكثفة والمحاضرات المستمرة لموظفي المكتبات التي من شأنها تطوير أداء الكادر البشري <<وهذا ما نتمناه>>، كما يقول أمين مكتبة معهد العلوم الاجتماعية 5 رفيق البزري.
والواقع أن التجهيزات التي أشار إليها البزري لا تقتصر على الهاتف إنما تمتدّ لتشمل غياب التدفئة، والتبريد، وتطوير الأجهزة والطاولات، والستائر ودهان الجدران، والمبنى غير اللائق للجامعة ككل.. فمكتبة كلية الآداب في العمادة ضيقة، برغم أنها تحتوي على (أكثر من ألف رسالة وأطروحة)، ومكتبة معهد العلوم الاجتماعية <<بحاجة إلى برادٍ تقي الطلاب أشعة الشمس…>>، كما يؤكد أمينها، فيما يعلن دمج أن: <<مكتبتنا في الآداب غير صحية بسبب الرطوبة، لأنها في طابق سفلي، ومحرومة من التهوئة…>>!!
خليفة: الشكوى مبررة
من ناحيته، يشدد عضو الهيئة التنفيذية في رابطة الأساتذة د. عصام خليفة، ومشرفون آخرون على رسائل الدبلوم وأطروحات الدكتوراه، على أن المكتبة الجامعية هي <<العمود الفقري>> للدراسات العليا، وبالتالي، فإن شكوى الطلاب والأمناء مبررة؛ <<إذ يفترض أن تخصص مبالغ كافية لسد متطلبات التخصصات الأكاديمية في سياق تطور المناهج والمفاهيم…>>. (التي هي في الأساس غربية وأجنبية)، مؤكداً ضرورة تعزيز المكتبات اللامركزية في الفروع إلى جانب مكتبة مركزية تأخذ على عاتقها مهام التمويل والتنسيق والمراقبة؛ وهو توجه يدعمه تقرير الاونسكو في التعليم العالي…>>، ملقياً باللائمة على الإدارة المركزية والسياسيين، والأنظمة المالية المجحفة…>>، حاثاً الطلاب على التحرك لإنقاذ <<مكتبتهم>>.
ويلفت خليفة إلى أن <<موازنة المكتبات لا تتجاوز 0,15 في المئة من موازنة الجامعة، علماً أن اليونسكو تحدّد هذه النسبة بثمانية في المئة، مشدداً على أن قانون الجامعة ينص على أن رسوم التسجيل يجب أن تخصص للجامعة، في حين تقتطع وزارة المالية نسبة كبيرة منها>>… متسائلا <<هل المطلوب خنق جامعتنا وهدمها إفساحا في المجال أمام خصخصتها أو تشجيع الجامعات الخاصة؟! وكيف سنحافظ على جودة التعليم في ظل غياب العناية بالمكتبة؟، منتقداً غياب تأهيل موظفي المكتبات البالغ عددهم نحو 165 موظفاً، 17 منهم فقط من حملة الإجازات في تخصص إدارة المكتبات والتوثيق!>>.
والحلول التي يقترحها خليفة والدكاترة المشرفون تكمن في الاستجابة للمطالب التي يرفعها الامناء، وربط نمط التعليم والمناهج بالمكتبات، ونشر التوعية الإعلامية حول أهمية المكتبة، وإعادة النظر في مبدأ التوظيف ونظامه…