بقلم أ. د. أنور الموسى
سؤال أضحى ملحا في هذا الزمن الافتراضي الذي تغيرت فيه كل مسارات التقاليد والسلوك القرائي والقيم والأولويات…!
فصحيح أن الحركة النقدية العالمية قديما توقفت عند سؤال: لمن يكتب الأديب؟ أللعامة أم للخاصة؟! بيد أن إعادة طرح هكذا سؤال، ستلقى حتما إجابات جديدة، تغني مسارات النقد والمناهج النقدية…!
والواقع أن هكذا سؤال، يبدو إشكاليا بامتياز، ويفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات أكثر دقة: هل الأديب المقصود هنا ملتزم؟ وهل يكتب فقط إرضاء لنفسه، ويعد بالتالي من أنصار الفن للفن أو أدب البرج العاجي؟!
يشار بداية إلى اضمحلال عدد قراء الكتب الأدبية في العالم العربي، وتعلق القراء في المقابل بوسائل التواصل الاجتماعي كالفايسبوك…
وغني عن البيان، أن الأديب أحيانا يجد في هذا العالم الافتراضي وسيلة لنشر نصوصه… وبالتالي، يحقق الغايتين معا؛ إرضاء نفسه، والنشر للعامة أو القراء الأصدقاء…!
فهو يرضي نفسه، محققا لذة النشر والكتابة وتأكيد الذات، وهذا يفسر تفاعله مع التعليقات أو عد “اللايكات”، والحرص على كثرتها أحيانا من خلال مجاملة الآخرين في كتاباتهم حتى التافهة…! والامتعاض عند التعليق السلبي على نصوصه الأدبية، وردة فعله الغاضبة بحذف التعليق أو ردّ الإساءة…!
والأديب أيضا يرضي الآخرين، كونه يسعى إلى توسيع جمهوره، وإرضائه وجعله متفاعلا مع أدبه…
وحين يكون الأديب ملتزما يتبنى هموم الجمهور الكادح الفقير المظلوم، يسعى إلى جعل أدبه موجها للعامة، لأنه يعتقد نفسه ذائبا في هم القراء ومشاغلهم…
وفي الحالتين، أي سواء أكتب الأديب للعامة أم للخاصة، فإن نصه وأسلوبه وفكرته وصوره وأخيلته… تعد عوامل حاسمة في تحديد غاية أدبه وجمهوره… فهو قد يلجأ إلى الشعر الغامض المبهم المكبل بالرمز… ليقول مثلا إنني أتوجه للنخبة…
وقد يلجأ إلى البساطة ليقول إني متوجه للعامة والشرائح كافة، ولا سيما البسطاء أو غير المثقفين ثقافة واسعة…!
والواقع أن التعليقات التي يحصدها الأديب في كلا الوضعين، تعكس غايته أكثر فأكثر، لكن الوقائع تشير إلى أن القارئ كثيرا ما لا يقرأ النص، قبل التعليق أو اللايك، وقد يليك بلا قراءة، للمجاملة أو القرابة أو لغايات جمة!
صفوة القول: إن غالبية أدباء الفايسبوك تكتب إرضاء لنفسها، وربما إرضاء للنزعة النرجسية عندها، وتفريغ المكبوتات والحصارات والدوافع وربما العقد… من دون إغفال عامل إرضاء الآخر الذي هو بدوره إرضاء الذات…! والأسئلة المطروحة هنا: لم يهرب غالبية أدباء الفايسبوك عن الدفاع عن هموم الناس؟ ولم يسود التكرار والتقليد نصوصهم؟ ولم يترفعون عن النقد؟!
بقلم الأستاذ الدكتور أنور عبد الحميد الموسى
نشر هذا المقال في جريدة الأنوار اللبنانية الخميس ٢٨ كانون الأول ٢٠١٧
وفي هذا الموقع أيضا