في حوار مع مجلة أشكاليات فكرية
محمد عمرو :التغيير سيحصل ولو طال
لكن من دون الوعي سيتحول إلى هدم !
حاوره : الدكتور أنور موسى
ليس من السهولة أن تقنع الأستاذ محمد عمرو بمقابلة تعبر عن واقع ثقافي وإعلامي حالي، ليس لأنه يتسم بالفوقية أو التردد؛ بل لأنه يحمل رسالة إعلامية تنتمي إلى أخلاقيات مهنة الإعلام والنشر والقيم… فهو دائما متحرك لا يرضى السكون، يتجلى ذلك في نشاطاته الإعلامية والثقافية…
دائما، كالنحلة المحلقة، يتحفنا صباح مساء بغزارة النشاطات والأخبار في الميادين الأدبية والثقافية… ومع ذلك، فإن التواضع والعمل في الظل، يوجهان سلوكه…
يشدد عمرو على ضرورة وجود حس أخلاقي في المهنة الإعلامية والصحفية التي تعاني من أزمات حقيقية؛ كالمصالح والولاءات والفوضى والتمويل…
يرفض عمرو التنظير، وينتقد مدرسة الخيانة والنفاق التي ينتمي إليها كثر، ويأبى هدم المعايير والقيم، وينصح بقراءة «بروتوكولات صهيون» لفهم ما يجري حولنا…
سلوكه يتسم بالعطاء، يقول: من حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه، ويرى أن واقع القراءة والنشر مزدهر…
يؤمن بالعمل الجماعي، ويشعر بالسعادة حين ينشر الثقافة والأدب في صفحة أخبار ونشاطات… ومن أمنياته تأسيس مكتبة عامة، وإنشاء معرض دائم للكتاب…
فمن هو محمد عمرو الإعلامي والناشط الثقافي اللامع في لبنان؟ وما موقفه من الواقع الإعلامي والنشر محليا وعربيا؟، وما رسالته؟ وما موقفه من المعارض والأمسيات والنشر؟ وما أسباب تردي الواقع الإعلامي في نظره؟ وما دوره في الحقل الثقافي والأدبي؟ وما مشروعه الثقافي…؟
هذه الاسئلة وغيرها، قدمها السيد عمرو لمجلة إشكاليات فكرية بقالب من حس ملتزم، وصريح، مغلف بالتواضع والنشاط…
* س1: من هو الأستاذ محمد عمرو الإنسان والإعلامي والمسؤول في ميدان النشر؟
ج : محمد عمرو من قرية المعيصرة في فتوح كسروان، درس الحقوق والعلوم الاجتماعية، وتخصص في الإعلام، حيث عملت في الصحافة المكتوبة والمسموعة في عدة مؤسسات صحفية، وأسست مع شركاء شركة (الناشرون) لتوزيع الكتب والصحف والمطبوعات في لبنان والخارج.
*س 2: يقال: «إن من خصائص الإعلام الموضوعية والأمانة…»، هل تجد تلك السمات متوافرة حاليا…؟
ج: يقال في العامية: «لو خليت خربت»…الصحافة هي رسالة قبل أن تكون مهنة؛ فمنذ وجدت الصحافة وهي أداة مهمة في بناء القيم المجتمعية السليمة؛ لذا يجب أن تكون مرآة صادقة في طرحها موضوعاتها وتناولها…، ما قاد إلى منحها تسمية (السلطة الرابعة)؛ نظرا إلى ما لها من دور مؤثر في بلورة الرأي العام، وتوجيه اتجاهات المجتمعات وخياراتها.
*س3 : متى يخون الإعلامي أو المثقف الأمانة الموكلة إليه؟
ج: الخائن موجود في كل المجالات، والخيانة مدرسة ينتهجها بعض الأشخاص، ظنا منهم أنهم يصلون أسرع إلى تحقيق مكتسباتهم؛ ولكن التاريخ الماضي والحاضر أثبت أن الخائن مصيره السقوط مهما طال به الزمن.
*س4: ما رأيك في انقلاب المعايير والقيم والنفاق المتفشي في مجتمعاتنا؟
ج: لعل أسوأ ما يواجهنا اليوم، هو مدرسة النفاق، لا تستغرب حين أقول: إنها مدرسة ينتسب إليها أشخاص كثر؛ خصوصا في هذه الأيام؛ لأن المنافق لا يردعه رادع من استخدام أية وسيلة لتحقيق غايته، وللأسف، فإن المنافقين موجودون في كل القطاعات من دون استثناء، وصفاتهم معروفة، يلخصها الحديث الشريف حين أكد أن المنافق: «إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
*س5 : ما رأيك في انقلاب المعايير والقيم والنفاق المتفشي في مجتمعاتنا؟
ج : قبل أن نتحدث عن الانقلاب، نسأل: هل تلك المعايير والقيم قائمة على أساس أنها صالحة لمجتمعنا، أو أن بعضها مفروض والمطلوب تطبيقه من دون نقاش؟… ثم لنحدد ما هي تلك المعايير والقيم المطلوب الانقلاب عليها، لأن فعل التغيير يختلف كليا عن فعل الهدم؛ لذا، نحن اليوم أمام جماعة تريد هدم المعايير والقيم، وليس تغيرها… وعليه، فالمطلوب إعادة النقاش في موضوع التغيير، والأكثر أهمية، من هي الجهة الصالحة لطرح فكرة التغيير؛ لأننا إن لم نحدد المسؤوليات، فسندخل في جدال عقيم لن نخرج منه إلا بالمزيد من الاختلاف والتشرذم.
*س 6: هناك ربط ما بين المذابح والتدمير للوطن العربي، وانحلال القيم والأخلاق…؟
ج : عندما تكون في حالة حرب، في رأيك، هل سيستخدم عدوك معك الحنان والعطف؟!
كل ما نشهده في أمتنا مسؤوليتنا أولا وأخيرا ، وحتى لا أفلسف المواضيع وأحلل كثيرا، أنصح بقراءة بروتوكولات «حكماء صهيون»، حتى يدرك تماما ما هو مخطط لهذه الأمة وغيرها من الأمم!
*س 7: ما دور الإعلامي أو المثقف في التغيير وزرع القيم الفاضلة؟
ج: لو مارست كل مؤسسة دورها المطلوب منها، لكانت حالة أمتنا أفضل، ومن قال إن الإعلامي دوره التربية أو الطب أو الهندسة أو الدين؟!… للإعلامي دور مهم يتمثل في الإضاءة على الموضوع، والمعالجة تعود إلى أصحاب الاختصاص، ولكن للأسف، اليوم ينظر الناس إلى الإعلامي وكأنه يعرف أكثر من الطبيب أو المهندس أو المرشد الاجتماعي أو الديني…
لهذا، لا بد من وجود أساس أخلاقي لممارسة المهنة الإعلامية والصحفية؛ نظرا إلى تحملها المسؤولية تجاه تحقيق الكثير من أهداف المجتمع؛ ولاسيما في تشكيل الرأي العام، ودعم منظومة الأخلاق والقيم، ونشر الثقافة والوعي، ورصد الأخطاء وتصحيحها.
*س8 : من خلال نشاطاتك الثقافية والأدبية الغزيرة واللافتة… ما رأيك في ما ينشر من شعر وأدب وفكر؟
ج : بوصفي إعلاميا، أشجع كل من يريد نشر كتاب أو ديوان أو فكر ؛ لأن فهمي للحرية يقول: من حق كل أنسان أن يعبر عن رأيه، أما مسألة تقيم ما ينشر، فتعود إلى أصحاب الاختصاص؛ لأن واجب الإعلامي أعتماد رأيه أو مقاله على أصحاب الكفاءة الأدبية والفكرية، حتى يقدم مادة للقارئ؛ مادة موثقة بمرجع علمي؛ مع الأحتفاظ برأيه الخاص ونقله مباشرة لصاحب الكتاب أو الفكر، وأظن أن أعتماده على المراجع في مقاله، سيؤدي إلى جعل رسالته تصل إلى الجهة المعنية.
*س 9: ما سبب قلة القراءة في الوطن العربي؟
ج : غير دقيق هذا الكلام ، القراء كثر وأكثر مما تتصور ، ولكن ما هي المواضيع التي تهم القارئ وعليها أقبال؟ هنا الموضوع يختلف، وندخل في مجال تقيم الموضوعات، ولماذا هذا العنوان عليه اقبال والأخر لم يجد الاهتمام …والدليل على ما أقوله هو استمرار النشر والاصدارات والمعارض التي تنظم في معظم الدول العربية، وتلقى اهتمام الجمهور ، حتى إن قوائم المبيعات تسجل أرقاما لا بأس بها أمام الادعاء بأن نسبة القراءة قليلة.
س 10: ما سبل تعزيز الوعي والثقافة في الوطن العربي ؟
ج : عندما نتحرر من الاستعمار فعليا، بالأمكان التحدث لاحقا عن السبل لتعزيز الوعي، ما دامت ثقافتنا نستمدها من المستعمر وعدو أمتنا، عن أي وعي ثقافي تتحدث؟!
لنحدد ثقافتنا التي ننتمي اليها ولنبتعد عن أدخال الثقافة في بزار السياسة والدين، ستجد أننا سنلتقي ثقافيا في كل المواضيع الثقافية، لأن الثقافة تجمع والسياسة تفرق…
س11 : ما موقفك من المثقف اللاهث وراء المصالح وذوي السلطة؟
ج : هذه النماذج طبيعية، وللأسف من يشجعها هم أصحاب المصالح وذوو السلطة، لأنهم هم بحاجة لهذا المثقف وليس العكس، ولكن للأسف الظروف التي يمر بها المثقف تفرض عليه تطبيق القول المأثور: «اللي بدو ياكل من مال السلطان بدو يحارب بسيفه »…
*س12 : يلاحظ غزارة موضوعاتك الاعلامية والمقابلات مع الأدباء العرب والمفكرين… ما دافع ذلك؟
ج : أولا هذا جزء من عملي الإعلامي، والشخصيات التي ألتقي بها، من حقها أن تقول ما لديها من معطيات أدبية وثقافية، ومنبرنا مفتوح لكل صاحب خبرة أدبية أو فنية، ولكل مبدع يستحق أن تكون لديه فرصة التعبير عن رأيه..
*س13 : وهل لديك مشروع لإنشاء تجمع فكري للمثقفين والأدباء؟
ج : الفكرة موجودة، ونعمل على أساسها مع مجموعة من المثقفين والفنانيين والأدباء
*س14 : ما رأيك في الامسيات والتكريم بصورة عامة؟
ج : الأمسيات الشعرية التي تقام في المنتديات الثقافية، مهمة جدا جدا ، على المستويات الفكرية والأدبية والفنية كافة، فهذه المجموعات التي تلتقي كي تسمع قصيدة أو تشاهد لوحة فنية أو تستمع إلى معزوفة موسيقية، بعيدا عن الأجواء السياسية والظروف المعيشية، تترك أثرا إيجابيا في النفوس وتساعد على مواصلة العمل لخلق ظروف أفضل لمجتمعنا…
*س15 : كيف تقيم الحالة الأدبية بلبنان والوطن العربي؟
ج : مع كل الظروف التي يمر بها لبنان والوطن العربي، ما زالت الأوضاع جيدة ، والدليل أننا بوصفنا شعوبا ما زلنا نلتقي ونتحاور في كل إنتاج أدبي وفكري، المهم أن نبتعد عن تسيس النشاطات الأدبية.
*س : هل تقبل النقد؟ ومن يحق له نقدك؟
ج : من يرفض النقد البناء؟، المهم أن يكون النقد لتصحيح المسار ، وليس للهدم ، ولكل ناقد موقعه ومن حق كل صاحب أختصاص توجيه النقد البناء …
*س16 : ما دور الإعلامي والمثقف في الصراع ضد اسرائيل وضد التناحر الداخلي المجاني؟
ج : أن يكون صادقا في اداء دوره ، لا سيما في عملية تقديم الوقائع الى الجمهور حتى لا يفقد مصداقيته ، لأن صراعنا مع العدو الأسرائيلي يحتاج على المستوى الإعلامي الى امكانات أحيانا لا تتوافر، وأحيانا أخرى استطعنا أن ننتصر عليه، والدليل حرب تموز 2006 ، فقد أستطاع إعلام المقاومة تحقيق انتصارات عليه بكشف حجم الخسائر التي تكبدها، ما فرض عليه الخضوع لوقف إطلاق النار والأنسحاب من كل المواقع التي أحتلها
*س17 : -ما رأيك في النشر في وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل هددت الأخيرة الصحف والورق؟
ج : كل ما يبعث على الخير جيد وكل محاولة للنشر وفي أية وسيلة، الهدف منها تقديم الحلول لمشاكلنا مباركة ، ولن تهدد وسائل التواصل الاجتماعي لا الصحف ولا الورق، فالصحف ستستمر بالصدور مهما واجهت صعوبات، ومهما تراجعت نسبة المبيعات ، وللعلم فإن معظم ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي مستمد من الصحف والكتب الورقية…
*س18 : ما رأيك في أوضاع النشر والتوزيع في الدول العربية؟ ولم يبقى الكاتب الحلقة الأضعف؟
ج : هنا الموضوع تجاري بحت ، ويخضع لسياسة العرض والطلب ، فكلما زاد العرض زاد الطلب ، فالنشر مستمر وشركات التوزيع ما زالت تؤدي دورها ، أما الكاتب فلديه إشكالية، فإن حقق نسبة مبيعات قال إن كتابي جيد ، وإن تراجعت المبيعات قال شركة التوزيع لم تهتم… هنا أود أن أكون صريحا ، مسؤولية النشر والتوزيع والمبيعات مسؤولية مشتركة، وكل في حدود نشاطه ، فعلى الناشر أن يختار الموضيع التي تهم القارئ ، وعلى شركة التوزيع متابعة المواضيع التي يهتم لها القارئ ، حتى لا يقع القارئ ضحية الكاتب أو الموزع …
*س19 : ما تقييمك لمعرض الكتاب العربي في البيال ؟
ج : ظاهرة ثقافية مهمة ، والتمني أن يقام معرض دائم للكتاب لا أن يقتصر المعرض على مرة واحدة في السنة .
*س20 : لم تلجأ بشكل لافت الى الوسائل الإلكترونية بدل الورقية لتنشر موضوعاتك؟
ج : أولا ما اقوم به في صفحة أخبار ونشاطات ثقافية مع مجموعة من الأساتذة هو عمل تطوعي بحت ، في حين أن المؤسسات الإعلامية الأخرى لها مهام وظيفية محددة تلزمها بنشر موادها الخاصة ، مع الإشارة الى اننا نتعاون مع بعض المؤسسات، حيث يتم نشر موضوعاتنا في صفحاتهم الورقية …
*س21 : ما مشاريعك المستقبلية في حقل الثقافة… أو أحلامك في هذا المضمار؟
ج : افتتاح مكتبة عامة ، يتضمنها معرض دائم للكتاب ، وصالة لعرض اللوحات الفنية،ومسرح لعرض الأعمال الموسيقية والمسرحية ، وقاعة للمحاضرات والندوات الفكرية والأدبية والشعرية .
س22 : ما هي دعوتك الأخيرة إلى المجتمع الذي تنقلب قيمه ؟
ج : لا تصدق كل ما يقال ، ولا تتخذ موقفا مسبقا ، تأكد بنفسك من المعلومات والأخبار … والتغيير سيحصل لكن من دون الوعي سيتحول الى هدم وسنكون اول الضحايا … «ويا ريت ما بتعمر بيت…»