السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / الشللية والمنابر الثقافية!

الشللية والمنابر الثقافية!

بقلم الأستاذ علي أ.دهيني

رئيس تحرير موقع مدارك ثقافية

الشللية والمنابر الثقافية
برز في السنوات الأخيرة على الأقل منذ أكثر من خمس سنوات، ما بات يعرف ب الشللية، حيث أن مجموعة ممن يتبوأون منابر إعلامية ثقافية بالتحديد، وفي مختلف مجالات النشاط الثقافي، يبادرون إلى تشخيص المنبر الثقافي وإقصاره على الأصدقاء، أو بأحسن الأحوال على من يجدون توافقاً مع رؤيتهم الثقافية. ناهيك عن سياسة المنابر المقروءة والمسموعة والمشاهدة، التي لا تخلو واحدة منها من توجه سياسي معين بحيث تقدم نفسها أنها تملك الصواب وحدها وغيرها هباء وعبث، فتطبّل وتزمر إلى فئة شِلّة هي بالأصل أوجدتها لتعميم رؤيتها وتوجهها.
هذا الشذوذ الإرادي في توجيه المنبر الثقافي انتشر بعد كثافة صفحات التواصل الاجتماعي، التي باتت تحمل آلاف الأسماء لمثقفين نادرا، أو مستثقفين غالباً. ومن تجليات هذا النحو لتلويث الثقافة أو تدجين العقل الثقافي، يبادر العديد ممن يتواجدون في حلقات ثقافية، إلى تشويه صورة حلقات ثقافية أخرى لا يجدون سبيلاً إلى التفوّق عليها في حلقتهم، فيبادرون إلى تشويه ما عداهم، ولا يهمهم إذا اعتمدوا في هذا التشويه سمعة وصورة الأشخاص القيمين على هذه الحلقات افتراء، بل إلى تشويه سمعة واسم من يرتاد حلقاتهم إذا كان يعمل في النشاط الثقافي. وهذا في عالم الثقافة بمعناها الحقيقي، اقل ما يقال فيه ، عدا دناءته، أنه جهل مدقع وليس ثقافة.

ففي الإذاعات مثلا، كل يغني على مشروعه السياسي، فيستضيف فقط من يؤيدون وجهته الخاصة، بل أن هؤلاء الضيوف يصلون إلى حد المزايدة على بعضهم في ذات المنبر. وهكذا نجد هذا الأمر في بعض أعمدة الصحف وعلى شاشات التلفزة وفي المنتديات والحلقات الأدبية.
هذا الأمر الواقع يلوّث في الحقيقة العقل المتلقي ولا يرفده بما يرقّيه ويرفعه إلى المستوى الذي من المفترض أن يكون صفحة أو كتاباً يحوي الكثير من التضادات المعرفية ليصبح في ما بعد قوة نتاج فكري وليس بوقا ببغائياً يردد ما تلقّنه من هذا المنبر أو ذاك دون سواه.
لا نريد في هذه العجالة أن نسترسل في توصيف واقع ثقافي بات العديد من المثقفين العاملين فعلا على رفع مستوى العمل الثقافي إلى المراتب التي يستحق، يعرفونه ويدركونه جيداً، والحقيقة المرّة أن هؤلاء مغيبون تماماً عن الضوء ونادرا ما يتاح لهم التواصل مع متلقين.
من المؤسف حقيقة أن أهم القضايا التي تهم أمتنا العربية عموماً، تم تغييبها قصداً ليكون الباب مفتوحاً على تنميط مجتمعنا بما لا يمت لثقافته بصلة، بل على العكس، إن بعض المثقفين باتوا يحملون رايات الثقافات المستوردة لأنها، بصورة من الصور، ملأت جيوبهم، وحين تمتلىء الجيب يصبح العقل في عالم الغيب. لست ضد الانفتاح الثقافي على كل الثقافات بمختلف مشاربها الفكرية والأيديولوجية، بل على العكس يهمني هذا، ويجب أن يهم كل متلق أو مثقف لأنه يعني أننا نملك ثقافة قادرة على محاورة الثقافات الأخرى، أيضاً، أننا منفتحون لتقبُّل الآخر بما هو وبما يمثله، ولسنا منغلقون على قاعدة عنزة ولو طارت.
إن تعملون في حقل الثقافة فعلا، أثبتوا أنكم مثقفون..