بقلم صباح العلي
المعابر كلّها موصودة؟!
هي إرث الأجداد ، يسلم للأبناء، ليرعاها الأحفاد ، حتّى يتم التحرير ، و يكون الفتح المبين…
ناداني والدي: هيّا اعبر يا محمد و احضر لي الدواء فجراحي لمّا تزل تنزف. أبي: كيف سأعبر و قد أغلقوا المعابر كلّها! عندها نظر إليَّ و قال قبل أن يستشهد دفاعاً عن قدسنا: يجب أن تشب دون تأخير، نحن نحتاجك أيها الطفل الكبير. دع الطفولة لأشقائك العرب، و امنحهم كلَّ اللُعب .. خُذ إرثك بني ، و احمل بندقيتك فما عدت صغيراً. فهي أرضك و عرضك . لا تجعل العدو يزهو مختالاً ، فولله لن يحميها غيرك…
في شريط ذاكرتي مرّت صورة ذاك الطفل محمد الدرة و الحجارة بكلتا يديه ، يحاول جاهداً أن يحارب عدوّاً تترسن بالحديد، و اليوم لا حجارة ولا أخ أو حتى قريب يهب لمساعدة القدس و أهلها. قال أبي: أريدك رجلاً.. وماهي الرجولة؟ شجاعة شًهْامة
، و حِمل مروءة، و لُزم مبادئ، أريد منك رجلاً يضاهي كتيبة جنود ، ليكون النصر قريب..
أبي كيف سأعبر ومنذ لحظات رأيت بطلاً بمائة رجل نعم إنه –ابراهيم أبو ثريا- من قطاع غزة و الذي أصرّ على مقاومة الجنود و الاحتلال وهو على كرسيه النقال ، ووجه مليء بالحياة و الجرأة و التحدي لكنهم قتلوا فيه حب الإصرار برصاصة قناص وجّهت من بندقية صهيوني جعلته يفارق الحياة و نحن نلزم الصمت…
أباه.. لقد نخر السوس عظمي ، لا أخوال و لا أعمام.. وكيف سيحل السلام! و الأيدي كلّها مشدودة ممدودة لا للدفاع عن أرض السلام بل للتصفيق لمن سيفوز بحربنا ..
تُرى ماذا سأقول لدلال المغربية، التي كانت في طريقها إلى عرسها، فقالت: قضيتي الأهم، و تضمخت محترقة بنار القنابل ..بدل تضمخها بعطور عرسها..
و أمي التي تبكي بقطرات دمع ساخنة.. هي تشعر بالموت أيضاً.. من هذا الموت، لا بدّ أن تقوم الحياة، لأننا نبحث عنها بين الحجارة ، و تحت الأشجار، وسنبقى نبحث إلى أن يشاء الله ، ويعم السلام قدسنا المكلومة…
كيف سأعبر على الضفة المقابلة؟ أنا الفتى الصغير.. كيف سأعبر؟ و العرب جميعهم نائمون، يقولون ولا يفعلون ، وفي طغيانهم يعمهون!!
لقد قتل العدو ربيع حياتنا بقنابله العنقودية، و دباباته المصفّحة، و طائراته التي ثقب صوتها غشاء طبل أذني..
تُرى من المُحتل نحن أم فلسطين؟ عقولنا، ضمائرنا ، أم كرامتنا؟
لا بُدّ من العبور . لا بُدّ للنسر الذي يقبع داخل صدري أن يستفيق كطائر الفينيق ، ومن غيرنا سيحرر القدس و يعبر.؟ هي الإرادة وحب الحياة من سينتصران..
نعم يا أبي سأعبر و أتذرع بقول أبي القاسم الشابي التونسي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة… فلا بُدّ أن يستجيب القدر..
سأعبر دفاعاً عن قدسي…