أكد د. أنور الموسى أن رواية صواب للروائي د. سالم المعوش، مفعمة بالرموز والقيم، وتؤرخ لتاريخ برجا منذ مئة عام بدءا بحقبة الحكم التركي… حتى الاستقلال، مشيرا إلى أن الرواية تصلح لدراسات نفسية واجتماعية وسيميولوجية وبنيوية، وقال: سالم معوش بار لبرحا… وهو وفي كشخصياته…
كلام أ.د. أنور الموسى جاء خلال حفل توقيع رواية صواب للأستاذ الدكتور المعوش في مركز المطالعة ببلدية برجا، حضره حشد كبير من الشخصيات والاكاديميين والهيئات التربوية والثقافية والاجتماعية والدينية والطلاب.
واقيم الحفل في مركز المطالعة والتنشيط الثقافي التابع لبلدية برجا “Clac – Barja”، برعايةِ “بلدية برجا”، وبالإشتراك مع الأمانة العامة لإتحاد الكُتَّاب اللبنانيين، اليوم الأحد، في قاعة النادي الثقافي الإجتماعي – برجا.
بداية، كلمة ترحيبية، أكَّدت فيها مديرة المركز الأستاذة جميلة مالك الجنون أنَّ البلدية تتشرف بتكريم أبنائها كالمعوش…
من جهته، ألقى ممثل الأمانة العامة لإتحاد الكُتَّاب اللبنانيين الشاعر وجدي عبد الصمد، كلمةً قال فيها: “إنَّ برجا القضية، التي تعطي ولا تأخذ، وهي الأهم في بال الدكتور سالم المعوش. هذا ما آمن به وقاله صديقي سالم المعوش في روايته صواب”.
وأضاف: “هذه الرواية التي تشكل قطعةً ولوحةً رائعة من الإبداع والأدب والتراث. لقد اتسعت عند صديقي سالم الرؤية، محافظاً على القيم، وكسر كل الحواجز ليصبحَ واحداً من أعرق الكُتَّاب والأدباء والمفكرين”.
وبعدها، كانت كلمةٌ للباحث والأستاذ الجامعي الدكتور أنور الموسى الذي تحدَّث عن الرواية والعديد من تفاصيلها، وتسلسلها التاريخي.
ثم لخص محطاتها ودلالاتها وغناها…
كذلك، فقد كانتَ قصيدةٌ للشاعر رامز الدقدوقي، حيَّا بها الدكتور المعوش على فكرهِ وعطاءاته”.
وفي الختام، كانتَ كلمة لصاحب الرواية (الدكتور سالم المعوش)، متحدثاً عن خصائص “صواب”، وعن حقبتها الزمنية، مشيراً إلى أنَّها “تناولت أسماءً حقيقية لبرجاويين كان لهم دورٌ كبير في المعارك ضد الإنتداب البريطاني والإحتلال الإسرائيلي في فلسطين إلى جانب كتائب عزِّ الدين القسَّام، كما كان هناك العديد من أبناء برجا من التفَّ حول القائد العسكري التاريخي السوري يوسف العظمة، عندما أتى إلى إقليم الخروب عام 1920، وشاركوا معه في معارك ضد الفرنسيين”.
وفي نهايةِ الحفل، قدَّم رئيس بلدية برجا المهندس نشأت حمية، درعاً تقديرياً للدكتور المعوش.
نص كلمة الدكتور أنور الموسى:
“قراءة في رواية “صواب” لـ سالم المعوش.. رواية صواب للبروفيسور د. سالم المعوش، الصادرة عن دار الفارابي 2017، ليست مجرد رواية عادية، إنما تختصر سجلا كاملا من الحياة البرجاوية، في شتى معالمها وتغيراتها وناسها ونضالها، وتراثها وأعلامها، وقيمها وواقعها، وتسميتها ومحطاتها…
ثلاثمئة وإحدى عشرة صفحة عدد صفحات الرواية، تدخلك فعلا إلى عوالم برجا، فتشعر بأنك تعيش فيها، بكل تفاصيلها وهمومها وأفراحها وأتراحها، وقصص أبنائها ورواياتها، وعاداتها وتقاليدها، والصراعات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها، بدءا بحقبة الحكم التركي، مرورا بالانتداب الفرنسي، وعهد الاستقلال فالاجتياح الاسرائيلي للبنان، والحرب الداخلية…!
… لكن السؤال البديهي الآن: من هو صواب؟
ولم سميت الرواية باسمه؟ وما قصته؟ وما
دلالات الرواية؟ وما الإشكالية التي يمكن النفاذ منها إليها؟!
براعة التشويق
لعل الانطباع الأول الذي يلاحق قارئ الرواية، هو أنها سلسة مشوّقة، تأسر قارئها لمتابعة تفاصيلها حتى النهاية…! فتاريخ برجا وتفاصيل سكانها، وعاداتها وتقاليدها، لم يقحمها أ. د. سالم المعوش إقحاما، بل جاءت بقوالب شائقة يشد أزرها سيرة البطل/ الشخصية الرئيسة صواب أبو علي!
ف صواب قصته مؤثرة جدا، تبدأ من التسمية وعلاقته بأبيه الحقيقي والبديل، وأمه، ومراحل حياته كلها…
توفي والد صواب قبل ولادته. تزوجت أمه من رجل كريه الصيت، انتهازي، اسمه فواز، تعرف إلى صواب المتنفذ لدى الأتراك، فأعانه على جمع الضرائب واستغلال الناس.. فسمى ابن زوجته ب صواب، تيمنا بصديقه..!
حين شب صواب، حاول عمه تزويجه بفتاة والدها ثري، أبى كونه يحب نورا… ترك منزله، ثم اتجه صوب دمشق. تعرّف إلى ثوار ضد الاستعمار الفرنسي، ووصل إلى يوسف العظم. تعرف إلى ابنة أحد الثوار راغدة، أحبها وهو يعاني من صراع حقيقي كونه يحب نورا… وجد أن الأخيرة تزوجت، فتزوج راغدة… مرتاح الضمير!
شارك في القتال ضد الاستعمار بعد تدريب، وحين قمع الاستعمار ثورة العظمة، وفي أثناء المعارك، ظنت راغدة أنه استشهد، فعاد ولم يجدها. بحث عنها.. بلا جدوى… وكان والدها قد استشهد أيضا.
عاد صواب إلى برجا بعد أن نجا من الموت.. تزوج، أنجب عليا. وشاهد أحفاده، أبرزهم سليمان، الذي سمع بقصة جده مع أصحابه، بشغف…
لم يجد سليمان عملا، فوجهه جده إلى دمشق، طالبا منه البحث عن راغدة.. عمل سليمان بتجارة القماش، وافادته سيرة جده ومعارفه… بحث وبحث… حتى وصل إلى عمه الذي سمي باسم جده، حكى له القصة… وعاد مع جدته راغدة وعمه إلى برجا… فكانت الدموع، وحنين اللقاء! ولا سيما أن راغدة بقيت وفية له…!
الفردوس المفقود
اتخذ البطل صواب، من حفيده سليمان وأصحابه، وسيلة رائعة لزرع القيم والحديث عن الفردوس المفقود الذي عايشه في الماضي، منذ عهد الأتراك مرورا بمراحل نضاله كافة. ومن خلال الجلسات الطويلة التي سرد فيها صواب سيرته أمام حفيده واصحابه، بقي مشدودا إلى الماضي، فبدا حكيما عركته التجارب… فنقلها لجيل جديد عزته الحضارة الزائفة… يخاطب علي أباه صوابا في حكاية الاضواء ص9، قائلا: أنت رجل مغموس بالأمس ولا تستطيع أن تنجو من لله!
فكأني بالأمس هو الرحم الذي يحن إليه صواب حنينه إلى حياة الأمان والقيم والطفولة…
وهنا تفتح الرواية الباب أمام جدلية الماضي والحاضر، الأول أي الماضي، هو المرغوب المنهوب، فيما الثاني هو البائس… حتى الأرض لم تعد هي الأرض، أصبح لها اسم آخر شديد الاختصار: قرية، هي غير القرى التي نعرفها… حتى النظرة إلى الدين التي كانت تغمر أرواحنا بتلقائيتها… وصدقها.. لم تعد كما هي- ص9.
ويدافع صوابط عن أمسه أي فردوسه بقوة: لا سبيل إلى إلغاء الدم… الأمس هو الدم الذي يجري في العروق… كيف نحيا بلا دم؟ص10. إنه الأمس.. هو ذاك الذي يعيد صوابا إلى عادات جميلة.. كالشريط الاخضر الذي يرد الأذى، وسنديانة أم شراطيط، والنذور، وزيارة الضريح، ص11، وعادات الأعياد والزواج والبناء والسكن، والعلاقات الاجتماعية،…
ويتغنى صواب بالشخصيات الثائرة؛ كعمر المختار وعبد القادر الجزائري ص15 ويوسف العظمة وغيرهم… وهو ينتقد الدين الزائف، وكذلك الصوفية الزائفة، التي أدت إلى التناحر واراقة الدماء… يقول صواب مخاطبا الشيخ سعيد: ان هذه الدماء بدل أن تسفك في مقاتلة العدو الأجنبي… سفكت في سبيل قطبية هذا أو ذاك وتزعمه ص15. فصواب يبعد من الرياء، لكنه يبحث عن الله من جديد ص16، وكذلك يبحث عن الفردوس والأصالة والنخوة والطبيعة التي تؤثر في طيبة الفرد… ولذا، كان للمكان دور مهم في الرواية… كطرق الجية وترابها وحجارتها والبحر والموج…
ف صواب هو صواب في تدينه ونقده المظاهر والعادات الزائفة… التصوف الصحيح عنده يتمثل في مرافقة الناس في همومهم… ووصف صواب أيضا عادات الحجاج كالوداع والاستقبال والتهاني…ص 19. ولم ينس ذكر الألعاب القديمة، وهو يجيب عن أسئلة الشبان: نعم، كانت لدينا ألعاب كثيرة موروثة ومستجدة… ص42، كالغميضة، ويا طالعة ويا نازلة… والمراجيح… ولا ينسى الحديث عن علاقة برجا بالجوار كشحيم، والإقليم، وصيدا وبيروت… وسبب تسميتها ببرجا، تلك التسمية المأخوذة من الرجاء أو بيت الرجاء… أو مقتبسة من بواعث أخرى…
والنزعة الانسانية بادية في تصرف صواب ص52 في مساعدة الفقراء… ورفض سلوك عمه، ورفض نصائح الانتهازيين له، وتوجيهات عمه غير الإنسانية، كمصاحبة الأغنياء بدافع المصلحة، وزواج المصلحة…
السيرة والتراث
في الرواية إشعاعات السيرة الغيرية، وكنز تراث… من خصائص الرواية…
صحيح أن صوابا يثور على اسمه ويفضل عليه اسم ابو علي، كون اسم صواب يذكره بعمه وصديقه الانتهازي صواب… بيد أن صوابا لم يظهر سوء أدب تجاه عمه وظلمه لأمه، وعدم احترامه له، عملا بتعالم الدين وقيم أمه… فحين أتى أبو علي وقدّم له حفيده سليمان الكرسي، وعرفه إلى صحبته، ظهر صواب في مظهر المكبوت… فوجد ضالته في من سيصغي إليه، ففجر مكبوتاته… ليفاجأ سليمان وصحبته بغزارة المعلومات عند الجد، ونضاله وتذكره التاريخ البرجاوي والعربي بالتفصيل، مقرونا بالتطبيق…
وكأني بالتداعي الحر لأفكار صواب ترسخ في ذهن النشء… فبدا ملهما ثائرا أبا حكيما قدوة مخططا موجها محرضا…
وكأني بصواب يشكل رمزا للتراث والتاريخ… التراث المشرق الذي يحن إليه البشر حنينهم إلى الفردوس المنهوب!
في خصائص الرواية
تتسم الرواية بخصائص جمة، منها:
السهولة والسلاسة والتسلسل الرشيق. تعد سجلا حافلا بتاريخ برجا وناسها وأعلامها. تضمنها مقارنات بين الأمس الجميل واليوم. وجود النقد السياسي فيها، ولا سيما في إشارة الروائي إلى أن المناضلين يركنون جانبا بعد التحرير ويكرم اللصوص. نقد للتدين الزائف والنفاق. اظهار عراقة برجا ونضالها. اظهار قيمة النضال والمقاومة، حيث كان صواب ملهم ثوار ضد المحتلين، وكان مخططا لعمليات. التوقف عند محطات بارزة من تاريخ لبنان والدول العربية كسوريا وفلسطين. إظهار العلاقات الاجتماعية القوية بين الدول العربية والعائلات. اظهار أن الأمل موجود، ف صواب لم يفقد الأمل بالعثور على زوجته وابنه، حيث طلب من حفيدة سليمان تكملة المشوار، فبحث ووجد ما بحث عنه جده سابقا. الوفاء والتضحية والحب. مفردات الحياة في الرواية. الرواية واقعية تنبض بالحياة. وقد تحاشى الروائي تسمية الميليشيات المتقاتلة في الرواية…
خاتمة وتوصيات
الرواية مفتاح معرفة برجا، بكل تفاصيلها، ففيها العادات والتقاليد والنضال والحرب والبيئة البرجاوية، وشخصية البرجاوي ومحطات الحروب والصراعات والتغيرات والاجتماعية…. وكأني بالروائي أ. د. المعوش، قد تماهى بصواب، وكأني به يسقط عليه أفكاره وايديولوجيته، متماهيا به، صارخا في وجه الظلم والنفاق والاستبداد والاحتلال، داعيا إلى الحرية والأمل…!
لذا، ننصح بالآتي: دراسة الرواية من جوانب نفسية واجتماعية متعددة. دراسة الرؤية الكونية في الرواية. التحليل النفسي لشخصياتها، ولا سيما شخصية صواب، وعلاقته بأبيه البديل فواز بدران، وأمه وأبناء بلدته والسلطة. دراسة تقنيات السرد والبنى في الرواية. ودراسة القيم، والمظاهر الانتروبولوجية وسيميولوجيا المكان والزمان!
وفي كلمة أخيرة أقول: ذرفت عيني بالدموع حين اجتمع صواب بزوجته الضائعة راغدة… وفي
الوقت نفسه، عشت لساعات مع برجا، وتمنيت أن أحضن أمس صواب… فهو كالدم الذي جرى في عروقي”.