السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / تحقيق في لغة النت… الهجينة الغريبة…!

تحقيق في لغة النت… الهجينة الغريبة…!

بقلم الأستاذة خديجة حيدورة

هي لغة لا تشبه الضّاد في شيء سوى لفظها، اخترعها شبّان يافعون يعزون الأسباب إلى كثير من الذّرائع والحجج، بعضها يقنعك والبعض الآخر لا يمتّ إلى العقلانيّة بصلة!
تستخدم هذه اللّغة للتّواصل عبر الأنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي كلّها ، حتّى البريد الإلكترونيّ لم يسلم من شرورها…
ما نسمّيه نحن “بلغة النّت” ، تطلق عليه تسميات أخرى كالعربيزيّ أو اللّغة العربيزيّة ، وهي تجمع بين العربيّة والإنكليزيّة ، وتشير إلى كتابة الكلمات المنطوقة باللغة العربيّة المحكيّة بحروف وأرقامٍ لاتينيّة . وفي مكان آخر ، يطلِقُ بعضهم ” على هذه الكتابة الفرانكو _ آراب ، وهي تسمية غير دقيقة لانّها تشير إلى اجتماع اللّغة العربيّة مع اللّغة الفرنسيّة لا مع الإنكليزيّة ، وهو ما لا يحدث في الواقع “.

قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الحروف اللاتينيّة بسبب صعوبة الانتقال من الإنكليزيّة إلى العربيّة ، أو لضعف همّة . ومنهم من يستسيغ الكتابة بها لميوله للّغة الأجنبيّة ، وبحجّة أنّه يقوى من تعلّمه بها! وهذا أمر خاطئ، فاللّغة الاجنبيّة لا تكتب صحيحة في هذا المجال !
ونحن كثيرًا ما نعاني من بُعدنا في المناهج التربويّة عن ترسيخ اللغة العربيّة ، حيث أنّها تتشعّب موادها باللّغات الاجنبيّة من علوم ورياضيّات وغيرها … حيث تُعطى الموادّ باللّغات الأجنبيّة ، يجاريها إهمال واضح للّغة الأمّ .
وقد طرحنا المشكلة على مجموعة متنوّعة من النّاس ، كلّ طرح فكرته من وجهة نظره ، وكثر كانوا مستائين ممّا تؤول إليه الأمور . أوّل من حادثناه البروفيسور الدكتور أنور الموسى المتخصّص في اللّغة العربيّة والمحاضر في الجامعة اللبنانيّة في صيدا، حيث أجاب عن سؤالِنا حول أسباب انتشار هذه اللّغة خصوصًا بين طلاّب الجامعة المتخصّصين في اللّغة العربيّة، فقال:
“يبدو أن هناك أسبابا جمة وراء هذه الظاهرة، كالعامل التكنولوجي والنفسي والاقتصادي والثقافي والحضاري، والاستلاب والتمغرب وعدم الثقة بالذات، والانبهار بالغرب، وكي الهوية، والتشتت والاستسهال وعصر السرعة…!
وأضاف: «إذا كانت شريحة كبيرة من كتاب الحرف العربيزي تنجر في هذا التيار من دون قصد… فإنها تتجاهل جمالية الحرف العربي، وتنوعه ورفعة تعبيره…!»
وكثيرا ما نجد محبي الضاد يضجرون من رسائل هذه الحروف، والأرقام، فينخذش ذوقهم، وتنزعج عيونهم وعقولهم! ” .
ولقد عبّر عن استيائه ممّا يطال المجتمع ككلّ ، وحمّل المسؤوليّة للشعوب العربيّة وضعفها أمام عصر العولمة بحجّة الانفتاح الحضاري والفكري. وقال: “صحيح أن الساحة النقدية تشهد رأيين متعارضين في هذه القضية، بيد أن المنطق السليم يحتم اللجوء إلى الحرف العربي، ما دام هو الأصل، وما دام الأجنبي ولد للأجنبي…
فصحيح أن تكلفة بعض الرسائل في الهواتف المحمولة المكتوية باللاتيني أرخص من الحرف العربي، وصحيح أن الإنكليزية لغة العصر والتكنولوجيا، بيد أن ذلك لا يجوز أن ينسحب على التضحية بالحرف العربي الأصيل… وتشويهه برموز ساذجة!” .
وتابع: “كم من شعوب أخرى حافظت على حرفها أمام إعصار العولمة! وكم من دول أبت الانجرار إلى مستنقع الأمركة… محافظة على تراثها في الحرف… مع الانفتاح الحضاري الشامل!
والغريب أن من يدعو إلى تلك اللغة الهجينة، لم يطلع على التراث العربي، حين كان حرفه يدرس في بغداد، ويلهث خلفه المثقف الغربي، ويتفنن في كتابته…! ”
ثمّ ختم بطرح إشكاليّة لا بدّ للقيّمين من الالتفات لها : ” أين حصص الخط العربي في المدارس؟ ومتى تعود ثقتنا بلغتنا وحرفها؟ وهل يجوز تحنيط الحرف العربي… حتى تنتهي الحروب والعبثية؟ وهل ستقر لغة الهجانة في المناهج يوما ما؟!” .
من جانبها أستاذة اللّغة العربيّة المعلّمة حسّانة شبلي ، اعتبرت أنّ هذه اللّغة ما هي إلاّ تركيبة دخيلة على اللغات كلّها ، هي لغة منبوذة غير محبّذة لدينا .. وقد شبّهتها باليهود الّذين لا أرض لهم ولا انتماء! وتابعت: ضعفنا في اللّغة العربيّة دفعنا إلى اللّجوء إلى لغة بديلة .
وقد كانت لها هذه المداخلة القيّمة انطلاقًا من خبرتها التعليميّة الطّويلة ، ومواكبتها للجيل الناشئ على الحداثة، فهي تشدد على “أن اللّغة العربيّة كرّمها اللّه تعالى وجعلّها لغة القرآن الكريم . فأين نحن من بلاغتها ، وما السّرّ المكنون فيها ؟وهل سبرنا أغوار حروفها ، وجزالة معانيها ، وبلاغة كلماتها لا سيّما في عصرنا هذا ؟ عصر اجتاحنا فيه وحش كاسر ابتلع اللّغة وهشّم حروفها وجرّدها من معانيها ، وأغرقها بحروف ورموز غريبة لا نفقه لها جذورًا ولا أصولا ، ولا فروعا وارفة في العراقة ” … وأضافت: “بل هي حروف إلكترونيّة جامدة زجّت إلى لغتنا لتضيِّع هويتها ، وتبعدنا عن أصالتنا وتاريخنا .. لغة الانترنت ضيّعت الحروف والكلمات وشتّتت ذهن المتعلّم العربيّ . فلم يعد قادرًا على تدوين أفكاره الرّائعة الرّاقية بلغته العربية . فقد شوّشت عقله شاشات الهواتف الذّكيّة، فهجر القلم والقرطاس .. وبات لا يميّز القاف من الكاف ، ولا الحاء من الهاء ، فصقحة الإملاء غدت مرتعًا للقلم الأحمر “.
لتختم قولَها بخلاصةٍ يتّفق عليها جماعة الضّاد في عصرنا: ” فتعسًا لقوم ضيّعوا هويّتهم وأزالوا عراقتهم ، ومحَوا تاريخهم ، واستبدلوا أمجادهم بالمذلات والتقليد الأعمى لحضارة مزيّفة مهّد لها شياطين الإنس والجنّ ، وذلك بما كسبت أيديهم !! ” .
الطّالبة الجامعيّة ريم نصر الله ، وهي من خرّيجات مدارس المصطفى “ص” عبّرت كما نحبّ أن يعبّر كلّ طلاّبنا وشبابنا ، فهذا الأنموذج مع ندرته بين النّشء الصّاعد إلاّ أنّه يعوّل عليه الكثير الكثير ، جيل واعٍ متيقّظ يمكنه في مكان ما أن يحول بيننا وبين انحطاط الأمّة على جميع المقاييس …
” لغتي هويتي ، عنوان نبتدئ به كلامنا كلما حلَّ على خريف أيّامنا “يوم اللغة العربية”، ننظم له القوافي ونجعله شعراً على المنابر . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً ، هل معقول أن أتفاخر بلغتي وأكتب بلغة أخرى ؟ أشجع الكتابات الاجنبية مع أنها لا تعبر عن ” هويتي ” ، عن “موطني” ،
شعراً على المنابر . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً ، هل معقول أن أتفاخر بلغتي وأكتب بلغة أخرى ؟ أشجع الكتابات الاجنبية رغم أنها لا تعبر عن ” هويتي ” ، عن “موطني” ، عن تاريخ أجدادي …
وقد تساءلت ريم : ” هل يكتب الغربي بلغتنا العربية؟ هل يتفاخر بها ؟ هذه هي الحرب الناعمة ، الحرب المدروسة بأدق تفاصيلها ، نشارك فيها دون أن ندري ونعمل على استكمالها بإرادتنا الكاملة ، نتواصل دائما عبر “اللغة الأجنبيّة ” معتقدين بأنها اللغة الاجمل إلا أنها ليست سوى شرارة نشعل بها حرباً ليستوطن الغرب في وطننا ” .
وفي الخلاصة ، إنّ مؤامرة تحاك على اللّغة العربيّة بل على الأمّة كلّها ، بثقافتها وتاريخها وأصولها وعراقتها …لا يتوانى الغرب أو المتعرّبون من الاستعانة بأيّ سلاح كان لمحاربة مواطن القوّة وزرع نقاط ضعف أسرع تفشّيًا من أيّ مرضٍ يصيب جسم العالم العربيّ ! ولعلّهم في ذلك أذكياء جدًّا عرفوا بدقّة من أيّ ثغرة سيدخلون إلى مجتمعاتنا . والمسؤوليّة كاملة تقع على عاتقنا ، فإن وقع الضعف فهو بسببنا ، وإن حصل التهاون فهو من إهمالنا ، وإن تراجعت اللغة وقواعدها من خلال التواصل ومواقع التواصل فما هو إلاّ انعكاسٌ لتدهور أوضاعنا ..