د. أنور الموسى
الثقافة النقدية في عالم التواصل الاجتماعي |
||
د. أنور الموسى النقد الهادف المستند إلى منهجية صلبة، يقوّم الأعمال الأدبية، ويساهم في إظهار قصورها أو جماليتها وعناصرها الإبداعية.. فإذا كانت الساحة النقدية الأدبية العربية ورقيا، تتخبط في متاهات الانطباعية والمزاجية والذاتية، والتحيز، وربما التبجيل والنفاق في ميادين النقد… فإن لمنشورات الفايسبوك ونقدها عالما آخر… ما يطرح الأسئلة الآتية: هل يقبل أدباء الفايسبوك عادة النقد السلبي لأعمالهم؟! وكيف يتصرفون إزاء الثناء والاطراء… أو النقد السلبي الهادف…؟ وهل الانتقادات عادة تحمل طابعا منهجيا موضوعيا؟!الواقع أن غالبية الانتقادات الموجهة لنصوص الأدباء، تتسم بالإطراء والمديح والتطبيل والتزمير، وقلما نعثر على نقد موضوعي سليم يظهر الهفوات والثغرات بهدف التوجيه أو التصويب…! فثغرات اللغة والإملاء والنحو والتركيب والدلالة، نادرا ما تستحوذ على عناية النقاد أو المعلقين، وهي هائلة تكاد لا تحصى حتى عند رؤساء المنتديات أو المجموعات التي يتجاوز عدد أعضائها عشرين ألفا…! أما النقد الذي يتناول العناصر المعنوية والفنية والبلاغية والإيقاعية، فهو أيضا يعاني من خلل، فكأني بالنقد هنا، يحيل إلى النقد الانطباعي في العصر الجاهلي، حين كان الناقد/الشاعر ينتقد بلا مسوغ، فيقول مثلا موجها كلامه لنظيره: أنت أشعر الناس، وهذا أجمل بيت، وفلان أشعر من فلان…! التسويغ إذًا، مغيّب، نظرا إلى عدم تعميم ثقافة المناهج الحديثة، كالبنيوية والتحليل النفسي للأدب، والمنهج التكويني والسيميائي… وحتى الأسطوري! فإذا كانت الثقافة المنهجية والنقدية غائبة إجمالا عند الأدباء، فلا غرابة أن نجدها شبه معدمة عند المتلقين عادة، حيث يكتفون بإظهار إعجابهم بما يكتب، بلا تعليل دقيق موضوعي…! ولذا، لا غرابة إن وجدنا الأديب يمتعض من الملاحظات السلبية التي توجه له، فنجده إما يحذف التعليق، أو يبقيه بلا ردّ مع امتعاض شديد، أو يحذف من قائمة أصدقائه في حسابه صاحب النقد، أو قد يرد عليه عبر الماسنجر موبخا متهكما لائما، أو قد يترصده، فيراقب منشوراته ليرد العين بالعين والسن بالسن…! المتلقي يبدو أنه واعٍ بهذه القضايا، فيتجاهل الهفوات، وربما يعجب بالنص وفي قلبه حسرة…! فكم من صفحات كبرى لمنتديات أدبية، اختارت نقادا، سرعان ما هربوا، نتيجة عدم تقبل الطرف الأخر النقد…! وكم من نقاد غير جديرين بهذا اللقب، باتوا كالنجوم، لأنهم يثنون فقط على النصوص، وإن ركيكة…! مجمل القول إننا بأمس الحاجة إلى ثقافة نقدية في عالم التواصل الاجتماعي، تقينا من الدجل والتدهور الأدبي الذي بدأ يختلط فيه الحابل بالنابل، وكأني بالنص الرديء يتساوى والجيد… القضية متشعبة بلا شك، لها علاقة بسيكولوجيا التلقي والإبداع والقيم وثقافة الحرية وحرية التفكير… فمتى نصل إلى ثقافة نقدية تتبنى احترام الرأي الآخر والانفتاح..؟ |
