السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / من قلم تسنيم العابد

من قلم تسنيم العابد

بقلم الجامعية تسنيم العابد

1

الخوف هو أول ما يعترينا عند البدايات ، أول شعور للوهلة الأولى في كل خطوة من خطواتنا منذ البداية حتى نشارف النهايات.

إن أكثر ما يمنعنا من الخوض في التحديات و الفرص وهم كبير يعتري الواحد منا عند مواجهة كل جديد، و النفس تخشى ما تجهله، و تحذر من كل مجهول غير معروف المآل.

منعني الخوف من رؤية الجمال في الأشياء ، و حرمني من لذة اللحظة الآنية.

خوف من كلمة تقال..أو  إنسان عابر.. أو محاولة تبوء بالنجاح ..وربما الفشل.

خوف من صراع مع الذات ومع الناس.

خوف بشتى مقاييسه و أبعاده.

و ما هو إلا داء عضال،  يهوي بأحدنا إلى العجز و الكسل و الإنطواء بالذات عن البشر، فترى كل ما حولك بنظارة سوداء .. أعمت على قلبك رؤية جمال الأشياء.

أقول في نفسي : لو حاربنا هذا الوهم ( الخوف) و سرنا بشغف ، لعل أقل ما يمكن أن نحصل عليه حياة مليئة بالخبرات و الحكمة ، لا يهم إن كانت ناجحة أم فاشلة، فالفشل مع الاستمرار ليس إلا قوة و تحدي أعظم.

أن تقع المرة تلو الأخرى و تصارع نفسك و ما حولك من أفكار معادية لك ،و مكابدتك للمشقات في سيرك مع فشلك و استمرارك هو أعظم نجاح يمكنك أن تحققه.

ما كان تحمله صعبا كان مآله حلوا و ثمره أطيب و أنفع.

يا صديق..هذا الوهم الكبير ، هذه كارثة كبيرة تمنع أحدنا من كثير من الفرص و المنح في حياته. لعل فرصة أتتك ردعك الخوف عنها و أبعدك ما تتصوره في ذهنك عن البدء بها.

يا صديق..  إن أول ما يجب أن نخاف منه في حياتنا هو الخوف.

فيا صديق ..إياك و الخوف .. حاول .. واصل.. أثمر.

و لن أغفل عن ذكر الواقفين على قمة الجبل..

تذكر جيدا يا صديق..

“الواقفون على قمة الجبل لم يهبطوا من السماء”

2
المواقف المحزنة المضحكة و المبكية، اللحظات المربكة، السخافات و الحماقات،ذلك ما يجب أن نتصالح معه و مع ذواتنا كل لحظة.

لحظات التشتت الذهني و الفكري.. لحظة الضياع و التخبط.. تحصل بين الفينة و الأخرى بلا ريب.

ألا و إن هذه الحماقات التي أرتكبها كل يوم تريني كثيرا من الخفايا و الخبايا ، أشكر صبر من أمارس حماقاتي معهم ، أشكر تحملهم و عدم تململهم مما أبدي في أوقات لا أكاد أسيطر بها على نفسي.

لا أخفي عليك يا صديق، كل حماقة تكاد لا تطاق.

حماقة في علاقاتي مع الناس، و أخرى في كلامي، وغيرها من الكثير الكثير بحق نفسي.

أكره نفسي عندما أفعل ذلك، لأني لا أستطيع أن أكون على غير هذا الحال، لا يمكنني أن أكون شخصا آخر لا يرتكب السخافات و يتصف بالمثالية.

أعترف.. أنا لست مثالية، لكني بعد اليوم لن أكره نفسي لأنها بهذا الحال، بل سأحبها بحماقاتها و سخافاتها ، بعظمتها و بأوج حالات غضبها، سأحبها في سعادتها و حزنها.

إن حبي لنفسي السبب الأول في استمراري بالمحاولة بعد الأخرى.

و تقول لي صديقتي: كيف أن الحب يساعدك على الاستمرار؟

أقول يا صديقة: الحب أقوى و أعظم،أقوى من كل المشاعر الأخرى ، مشاعر خوف و قلق و ارتباك يؤرجحك يمينا و شمالا دون أن يأخذك إلى أي مكان، الحب سيساعدك على الاستمرارية، الحب سيجعلك قوية.

حب الأشياء، و حب الحياة،حب الناس و الذات ، حب المعرفة و العلم، حب الاكتشاف و التجربة. الحب سيفعل كل شيء يا صديق.

أكمل.. ذلك أن فضولي يبعدني الكثير من الأحيان عن التفكير بالنتائج المحصودة من فعل أو آخر.

من كلمة تقال أو تصرف عابر.

لا تحكم علي من كلامي ، لا تحكم علي من أفعالي، من نظراتي ، من حماقاتي، من سخافتي ، من حبي و كرهي، من أنت لتحكم أصلا.

لا تحكم أبدا.

أنا ممتنة جدا جدا للحاقدين و المحبين و الحاسدين الكاذبين و المنافقين.. ممتنة للجميع،للعالم برمته.

إن كانت هفوتي تسقطني درجة ، فسخريتك من هفوتي تسقطك ألف درجة.

لم يعد يهمني قدر المحاولات، ولا قدر هذه الدموع المهدورة و الجهد المبذول في النجاح و الرضا.

أصبح يهمني كيف أتصالح مع كل شيء، و مع المحاولات التي عادة ما تبوء بالفشل لجهل أو ربما لعلم مع تجاهل، سأحب نفسي بفشلي الذريع ،بحبي و كرهي ، بسعادتي و حزني، بغضبي و هدوئي، لا لشيء ..فقط  لأنها نفس إنسانية تخطئ و تصيب.

من منا لا يخطئ؟ من نحن لنحكم على بعضنا؟ من أنت لتنقم على فعلي؟ من أنا لأقول لك أنت سيء أو غيرها من الكلمات الهدامة التي لا تأتي بثمر.

 

يا صديق.. تصالح مع سخافاتك.. تصالح مع ذاتك.. حب نفسك بكل حالاتها. و بالأخص عند فشلها. لا تدعها تركن للحزن و الكسل..انهض بها و تصالح معها.

3

هذه المواقف الصغيرة المجتزأة من حياة كل فرد منا، ربما تمر بها مرور الكرام، لكن تذكر جيدا أن ما تقوله لن يهدر هكذا، انتق كلماتك جيدا.

للكلمات قدرة هائلة على البناء و الهدم . احذر أن تهدم شيئا. فالأمر ليس بهذه السهولة، أنت حينما تهدم ستكون عاقبة الأمر مؤلمة لكونك عالم بما تقول،فلا تسمح لنفسك بأن تتفوه بأي أمر كان.

أذكر معلمتي في الثانوية ،في الفصل الأخير من العام الدراسي(لطالما كنت قد  تغيبت عن الحضور لعدة أسباب شخصية) تنظر ساخرة مني و من قدراتي قائلة:( أنت لا تصلحين لهذه المادة و عقلك لن يستوعبها جيدا؛فمستواك يحتاج لوقت و جهد كبير لاستيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات) ،علما أنها لا تعرف كيف توصل لنا معلومة واحدة،ولا تعرف كيف تشرح و تبسط أدنى فكرة مما طلب منا.

و هي بقولها لا تدري أنها سقطت من عيني، بسبب هذه الكلمات التي لربما تظنها عابرة، أو بلا أثر مدمر.

في الحقيقة كانت لحظة مرة ، حين قيلت لي هذه الكلمات في الوقت الذي أحتاج به إلى تشجيع و دعم مكثف في الأيام المعدودات ما قبل الامتحان الذي سيحدد  اتجاه مستقبلي بنجاح أو فشل.

مادة الفلسفة من أصعب المواد التي قررت في منهاجنا،و من الصعب على الطالب أن يدرسها بمفرده.

دون إطالة في الكلام، في نهاية العام نجحنا بعد كد و جهد و عمل أثمر بتوفيق من الله .

الآن أقول: (ماذا لو قالت لي عكس ما ذكرت؟، ماذا لو تجرعت مرارة كلامها قبل أن تتلفظ به؟،ماذا لو تخيلت نفسها مكاني قبل أن تتفلسف ؟).

على أية حال، المعلمة المسؤولة عنا إداريا  لم تكن أفضل حالا منها، أجدها يوما تعزيني بحالتي المزاجية، ويوما توبخني على عدم ارتدائي لباسا كما يروق لها ، أجدها في حالة غريبة، تارة نراها المعلم الحبيب، وتارة الرجل الكبير الذي يريد أن يروع الأطفال الصغار .. من سذاجتها!!

(المعذرة .. لقد كانت تحاول كثيرا أن تبدو  المعلمة الجميلة المثالية والقدوة  الرائعة التي لم و لن يأتي مثلها في هذا الكوكب -اللهم عفوك و عافيتك- لم تعلم ماذا كان يحصل في غيابها)

لكن مع مرور الوقت أصبح الأمر عاديا، اعتدنا على ذلك، و أنا شخصيا لم يعد يهمني ماذا ستقول المعلمة أو غيرها)

فعلمتني (أفعال)معلمتي أن أعد كلماتي و أتذوق طعمها قبل أن أنطقها أمام طلابي في المستقبل.

علمتني (أقوال)معلمتي أن أشجع تلامذتي على أن يفعلوا كل شيء و ألا يستسلموا أمام كافة الظروف الصعبة.

علمتني (نظرات)معلمتي أن أجعل من طلابي كنزا وأزرع فيهم بحرا من الثقة لا يزعزعه أحد مهما كان.

علمني(أسلوب) المسؤولة في مدرستي كيف ألقي التحية على طلابي باحترام، وكيف أحترم آرائهم و أحاورهم بطريقة جميلة تثري كل منا بالعلم و المعرفة.

أترون كيف أنني تعلمت الكثير الكثير بفضل حبي و وصمي و بكمي و عميي عنهم و عما يقولون.

“لست عمياء عن فضلهم و جهدهم و كدهم و تعبهم ،لكن هذا لا يعني أن نغفل عن ذكر هذه الكلمات و أثرها ”

“عرفت الآن كيف يتعلم جيلا بالحب”

لقد كان حافزنا الوحيد للنجاح هو دعمنا لأنفسنا بكلمات معاكسة لما قيل لنا و متناقضة عما سمعنا،كنا نسمع كلاما فنرميه أرضا، نأخذ شهيقا ونخرج زفيرا و معه كل ما طرق على أسماعنا، نتنفس الصعداء و نعيد للأمل أدراجه في نفوسنا.

ولن أنسى ذلك اليوم الذي قال لي فيه معلمي: (سيكون لك شأنا كبيرا في المستقبل).

ماذا تخسر معلمتي السابقة في الثانوية لو قالت لي مثل ذلك؟

ماذا لو بنى أحدنا الآخر و سقاه بالكلمات؟!، نعم بالكلمات و لا عجب.

للكلمات قوة عجيبة و لدي إيمان قوي بها.

كلمة تبني إنسان ، و كلمة أخرى تطيح به أرضا.

كلمة تزرع و أخرى تحصد.

كلمة تسعد و أخرى تحزن.

حدث في ندوة لاستاذي الفاضل، أن طالبا من الحضور،استأذنه ليكمل الشرح عنه فوافق استاذي، قام ليواصل ما بدأ به الاستاذ ،حدق المحاضر في عينيه و نظراته كلها حب و ثقة ،وقال لنا  : (سيشرح لكم اليوم فقرتين من المحاضرة و هذه تجربة له و سيصبح في المستقبل متحدث عالمي بإذن الله).صفق الحضور للطالب ،و بدأ يتحدث وكله ثقة بما يفعل).

أعود و أقول مرارا و تكرارا.. الكلمات ثم الكلمات ثم الكلمات.

انتق كلماتك جيدا ،لربما تبني جيلا و أنت لا تشعر.

دع ألفاظك تبني جيلا و تزرع وردا و تنشر أملا و تحصد عملا .

دمتم بخير و حب و عطاء “