السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / جميلة..تكسر العطر وتشدّ المكان

جميلة..تكسر العطر وتشدّ المكان

بقلم نبيل مملوك

جميلة عبد الرضا …تكسر العطر وتشدّ المكان

نبيل مملوك

ربّما قصائد الشاعرة قلبت عنوان المجموعة الشعريّة رأسًا على عقب أو ربّما أصرّتْ الشاعرة
على اخفاء تمردها وعواطفها ليطرق القارىء باب الغلاف بلهفة …
تفتتح جميلة عبد الرضا مجموعتها الشعريّة الأخيرة “يشدّني المكان …يكسرني العطر
“الصادر بطبعته الأولى عام 2017 عن دار النهضة العربيّة
بتحرر مطلق من بطش الحب وقد ظهر هذا التحرر تحديدًا في قصيدة “هناك خطأ في تدبير الحب ” (هناك خطأ في تدبير الحبّ/ثمة قصائد واهمة /هناك حشود حول يدي خدشتْ الليل وأنا اذرف المعنى ص 10)الأمر الذي جعلنا عن طريق قراءة ثانية للقصائد
نمتص الصدمة التي خلّفتها القوة الشعرية عند الشاعرة كيف لا وقد ابتدأت بتوظيف العلم لخدمة الفكرة (أنكسر في الضوء /وأرتعش في موازيني /كلّما/من أقصايَ إلى أدنايَ /تماديْت ص 7) الأمر الذي يذكرنا بقصيدة دع عنك لومي لأبي نوّاس ولو أن القصيدتين متباعدتين
عن بعضهما البعض شكلا ومضمونًا …
تتبعُ الشاعرة خطًا عذريًا مسطحًا وواضحًا أكثر من أي خط أفقي لتتسلل الى الأسطر بأنانية نقيّة مفعمة بالثقة أدت الى انفجار نرجسيّة جذّابة (jتمرّ امرأة من قمّة الزنبق/ تجرح بركبتيها الليل /حتى الصلاة .ص 12)
وقد نجحت الشاعرة أيضًا في تخطي المشاعر والعواطف والتفكير فقط في البحث عن الحبيب داخل القصيدة لتطرح قضية تمسها كامرأة فثارت على الضعف وفتحت الباب للقوة (أجلد المرأة في جلدي وفي هذياني قبيلة من النساء ص 96)
وعلى الرغم من كل ما تحمله الصفحات من تحديث وتجديد وعمق الا أن الشاعرة لم تنجح كباقي الشعراء وطبعًا من المستحيل والنادر أن يظفر أحدًا بمناخ شعري واحد
يجعل جلّ القصائد بلون نفسي واحد وقد ظهر الأمر جليّا باختلاف الشعور بين قصيدتي الكتاب الأزرق وقصيدة امرأة في جلدي )
هذا الخط العذري الواضح والشامل لأطر عدّة انحدر محافظًا على خامته شاملا السرعة
فيكشف المصير مع الحبيب قاسيًا كان أم ليّنا (فان جفّت أسماكي ذات ليلة/خدشتٌ قامتي/وانتحرتُ كالجريدة ص101/خطايَ نحوي قربان العودة ص 114)
اضافة إلى إحياء المكان بشكل ملفت (أترى جراحات القرى ندوبًا في كفّي ص 107)
ولأن المجموعة الشعريّة مكثفة القصائد وفيها من البوح ما يكفي أيّاما وشهورًا
تمسّكت عبد الرضا بالولاء التام للقصيدة العذرية عاطفيا (ليستْ كآبة/هذا وجهٌ/خلع عواصف صوتك عن حُسنِه/فهدأتْ ملامح الكتابة/وكي تبقى حبيبًا ارحلْ ص113)
وظهر هذا التمسك بشكل أوضح (أحبك لا تأتِ ص 116) ليكون النهي هنا
حادًّا وحرصًا على استمرارية البوح كما وصلنا من هذه الاسطر.
لتختتم الشاعرة مجموعتها بسقوط للنرجسية كضريبة للحب الأعمى المليء باللهفة (اعترف أني بك أبتدىء النصوص وأنهيها ص 119 )
لتهرب بعدها من خارجها إلى داخلها مخاطبةً المرأة التي في داخلها
وقد وقعت الأمر هذا بخط القصيدة الأخيرة

فعلا الشاعرة قلبت الديوان رأسًا على عقب وتركت سؤالا على الغلاف الخلفي
حين عجزت الاجابة عنه استبدلته بعبارة داخل المجموعة “الكل يهبط نحو الأعلى وعلى الأرض تختنق المعانقات ”
قلبت الشاعرة عنوان المجموعة فشدّتْ المكان لوصفها
وكسرت ذكوريّة العطر…موقعة اسمها في لائحة الشاعرات الذهبيات الفريدات
لكن يبقى ان ننتظر تكسيرا اكبر للحواجز والقيود
التي نجلها بقدر ما تعرفها الشاعرة والشعراء اجمالا

نبيل مملوك
22/10/2017
6:55 مساء