بقلم د. أنور الموسى
هل تعد جلسة مناقشة الأبحاث وسيلة جلد ومحاكمة؟!
جلسة مناقشة الأبحاث
تعد جلسة مناقشة الأبحاث الأكاديمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، محطة حاسمة في حياة غالبية الطلاب؛ إذ ينتظرون تفاصيلها بنهم أو حذر أو خوف أو حزن أو شوق أحيانا… لكن القلق يبقى سيد الموقف عند غالبية الطلاب، ما يطرح الأسئلة الآتية:
ما بواعث هذا القلق من تلك الجلسة؟ وما مضمون الملاحظات التي يوجهها القراء أعضاء اللجنة للطالب؟ وكيف يتعامل الأخير مع المواقف المحرجة؟ وما دور مشرفه في هذا السياق؟ وكيف يتهيأ الطالب لتلك الجلسة؟
الواقع أن أسئلة جمة تثار في ذهن الطالب قبل الجلسة… وقد تراوده هواجس وأفكار هاجسية أحيانا….
ويشاع بين عدد كبير من الطلاب أن الجلسة تهدف إلى جلد الطالب، أو عرض عضلات لجنة المناقشة، أو فرصة لانتقام القراء من الطالب ولا سيما إن أهمل ملاحظاتهم…!
لكن الأصل خلاف كل ما سبق، فصحيح أن تلك الآفات قد نجدها عند بعض الدكاترة، بيد أن الأصل هو أن جلسة المناقشة ميدان تعلمي/تعليمي بامتياز… من خلاله تظهر شوائب الأبحاث بهدف تصويبها وتنقيتها… ومن خلاله أيضا تقوّم الأعمال، وتظهر حسناتها وثغراتها، وما لها وما عليها…
والغريب أن بعض المشرفين يسقط الملاحظات التي يقدمها القراء للطالب على نفسه، فينزعج منها، وقد يلجأ إلى تسويغ ملتوٍ ليؤكد وجهات نظره، أو قد يتشاجر مع زميله المناقش، أو ينتقم منه….! والأغرب أن بعض الطلاب ينزعج من الملاحظات فيحمر وجهه، وقد يصاب بالدوار؛ وكأني به قد أصيب بجرح نرجسي خطير…!
ملاحظات أعضاء اللجنة القراء لا يمكن تصنيفها إلا في خانة إثراء البحث، وخدمة الطالب والمشرف في آن معا؛ ولذا، ينبغي التعامل معها برحابة صدر وانفتاح… وإلا فما فائدة الجهد البحثي عند الطالب؟ أليس التواضع العلمي والنهم المعرفي واحترام الرأي الآخر والبعد من التعصب من سمات الباحث؟!
القراء في جلسة المناقشة يقدمون ملاحظات متنوعة تمس المضمون وجدة العمل وأهميته، ومنهجه وهيكله ولغته وإخراجه وتوثيقه وهناته الطباعية… بهدف السمو بالبحث، وتنبيه الطالب إلى أخطاء قد توقعه في الحرج مستقبلا…
بالتالي، أي كلام خارج هذه الغايات يفسد جلسة المناقشة، وأي مسايرة للطالب في عدم تنبيهه على أغلاطه يعد خداعا ورياء ونفاقا من أعضاء اللجنة… وأي تذمر من المشرف يعد مرضا… وأي انزعاج من الطالب يعد جهلا…!
نحن لا ندافع عمن يحاول التجربح في النقاش وفرض رأيه بالقوة… بل ندافع عن النقاش الهادئ الرزين الصائب المعبر…الذي يشعر الطالب بالارتياح… ويجعله مستفيدا…
وفي المقابل، على الطالب أن يقر بأن من يناقشه أكثر منه علما وخبرة، فلا يببغي له توريط نفسه بجدال لا يلم هو بتسويغاته… وهذا لا يعني أن يكون الطالب راضخا بلا شخصية… لكن القصد أن يدافع الطالب فقط عن رأي واثق من صوابه عبر أدلة…
والغريب وجود مشرفين ينصحون الطالب بعدم الرد… وهذا يعد قصورا في فهم غاية جلسة النقاش… وتدريبا على النفاق والمجاملة والرضوخ!
صفوة القول: إن جلسة المناقشات تعد عنصرا تعلميا مهما، ننصح الطلاب بحضورها، والإفادة منها… وندعو إلى نشر المناقشات في وسائل الإعلام…
فمتى نصل إلى مستوى تعميم الجلسات عالميا وإعلاميا؟!
د. أنور الموسى، مشرف ومحاضر في المناهج
ونشر المقال في جريدة الأنوار أيضا:
http://www.alanwar.com/article.php?categoryID=10&articleID=347128