السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / د.نور الدين يتابع سيرهُ في حدائق الشّعر والحبّ

د.نور الدين يتابع سيرهُ في حدائق الشّعر والحبّ

دراسة محمود وهبة

حسن جعفر نور الدين يتابع سيرهُ في حدائق الشّعر والحبّ والحياة .
صدرَ مؤخراً عن دار الغد العربي في بيروت مجموعة شعرية جديدة للشاعر اللبناني د حسن جعفر نور الدين بعنوان ( قوافٍ لفضاءٍ أرحب ) . المجموعة التي تبلغ ٢٧٠ صفحة من الحجم الوسط وتضمّ الكثير من القصائد البهيّة التي اتخذت من الحب والمرأة سنداً لها .
قصائد يبحرُ من خلالها حسن نور الدين في سماوات بعيدة لينتقي فراشة من هنا وأقحوانة من هناك ، ويصطاد القصائد من مساءات الجنوب وربوعه الفضفاضة .
ولعلّ أكثر ما يلفت في هذه المجموعة هو ذلك ” البوح ” عن كل ما يعتمل في داخل الشاعر .
يقول :
” قد تتعبُ من شعري
وتملْ
تثقلكَ الألفاظ الفضفاضة
والجمل العبثية ” .
هذا البوح وهذه البراءة في القول والسلوك باتت معروفة في شخصية وشعر حسن نور الدين ، فهو لا ينفك يؤكد هويته الشعرية عبر دواوين ومجموعات سبقت هذه المجموعة ودخلت المكتبة العربية من بابها الواسع . هذه الهوية التي بقيت محافظة على النمط الكلاسيكي والتفعيلي ولم تنجرّ إلى عالم الحداثة الشعرية المعروفة ومغرياتها .
على صعيد الموضوعات لم يخرج حسن نور الدين كثيراً على سيرته السابقة من ناحية الحضور الطاغي للطبيعة والمرأة في قصائده ، والمرأة بكل تفرعاتها : الأم / الحبيبة / الرسولة / الوردة إلخ .. إلا أنه أضاف إلى صورتها شيئاً خاصاً لامس الروح الوجدانية وصبّ فيها قطرات من عرق القلب .
وعلى الرغم من التجربة الرومنطيقية الواسعة التي تغلّف هذه المجموعة لم يفوّت حسن نور الدين الفرصة كي يخرج ما في جعبته من وجع الأيام ومحنتها ، يخرجها بثوب الأحاديث والمواويل المغناة والتي فيها من الحكمة والموعظة ما يجعل القارئ يتحيّر أهو في قاعة دراسيّة أم بين دفّتي كتاب .
نبصره يقول :
لا تكسرْ طعمَ الماء الشعريْ
لا تفسدهُ بماء المستنقع
أو ماءِ الأخطاءْ .

ويقولُ أيضاً :
أرحلُ نحو الله
أسلّمُ مفتاح الروح
وألثم كفّيه المتشبعتينِ
بطيبِ الرّحمة .

أيضاً إن هذه الخلاصات الشعرية التي نشرها د حسن جعفر نور الدين تكشف عن إحساس عميق ورأفة لامتناهية في داخله كشاعر أو إن شئت نبصره طفلا يكتب بدمه ودموعه على صفحات القلب ولعلّ أكثر ما عبّر عن ذلك هو قصائده في الرثاء لأترابه ( ممدوح عدوان / جوزف حرب .. ) فشكلت بذلك قصائده في باب الرثاء محاولات لاسترجاع ماضٍ سحيق كم تمنّى أن يعود .

الخمرة مركبُ العبور .

يمكنُ الجزم أن الهدية الأولى والأخيرة التي قدّمها حسن نور الدين لشعرنا العربيّ هي ثلاث قصائد جديدة شكلاً ومضموناً ، قصائد أضفت على تجربته صبغة خاصة أو إن شئت بصمة حسن نور الدين الشعرية المتفردة ، هذه القصائد هي على التوالي : الخمرة الأبدية ٦٩ / مدار الخمر ١٢٣ / الفضاء المستحيل ٦٥ . من خلال قراءة سريعة لهذه القصائد نلحظ أن نور الدين أبحر مع الخمرة في عوالم شكلت امتداداً لعالمه المعيوش وواقعه الدافئ ، يحملُ بيده عناقيد الإله ويعتصرها في قلبه ويطرد وسواسه من داخله ويبحرُ من ذاته إلى ذاته .

خواتم .

في مقدمة المجموعة الشعرية يصف حسن نور الدين الشعر بقوله :
يولدُ الشعر من عبيرٍ مصفّى
فيه مسٌ من يقظة وجنونِ

لا أشكّ للحظة أن ما قصده حسن جعفر نور الدين بهذا الجنون هو جنون المرأة ، المرأة التي لوّنت مفاصل قصيدته وأرخت بظلالها عليها ، فغرف منها حتى جُنّ وارتوى .
حسن جعفر نور الدين الشاعر الشاعر والصادق الصادق ، أنتَ جميلٌ حتى النخاع .