السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / قصة عنوانها «أمل»

قصة عنوانها «أمل»

بقلم أمل سويدان
جميع المدن مكتظة بالسكان، ذاك الضجيج الذي يعلو كل مكان؛ القرية، المدينة، الغابة… على كل أنحاء هذه الأرض التي كلما احتضنت فرداً جديدا كانت له عدواً كبيراً! منذ أول صرخة، أول بكاء أول احتضان والجميع يقول: “دعوه يصرخ كي تتفتح حنجرته.” لكنهم في الحقيقة غافلون عن بُعد ذلك الصراخ الذي أصبح أغنية صامتة خرساء، أسطوانة مشتتة الألحان؛ كأنا مثلا. وعلى سبيل الحصر كل الذين تدور في عقولهم وقلوبهم معارك خيالية. عندما تقول كلمة خيال لا يستضيف تأملك سوى أشخاص خياليين بعين واحدة، حيوانات تتكلم، طبيعة تتألم… لكن جل ما في الأمر أنها معركة بلا جنود وآلات عسكرية حربية، خالية من السيوف والرماح والسكاكين، مجردة من اللباس العسكري والخوذة، حتى النجوم المطرزة على البدلة والأوسمة جميعهم خياليين… أما المعركة الحقيقة ما هي إلا صراع بين الأنا والأنا، بين الذات والذات، صراع لا نهاية له إنها حرب المجهول! قد يتساءل الجميع أين العنوان؟! حتى الآن لم نلمس الكلمة المفتاح وكل ما كُتب لا يعد سوى جمل “نفسية” بين مزدوجين لكاتبة تائهة بين الثمانية والعشرين حرفا، وجميع أدوات الحصر والاستثناء والربط قد تصافحت مع قواعد اللغة العربية وشكلت مؤامرة على الأنا المجهول!
الله على كتاباتك يا فتاة! الله على مشاعرك التي تسيطر على عقلك وعينك وقلمك لتجعل منك كاتبة الكتمان والتكرار والاستبدال. جميع الكُتّاب نلمح في ختام رواياتهم وقصصهم نهاية متجددة، أما الشعراء الذين بكوا على الأطلال وغنوا واشتاقوا حتى أصيب أحدهم بالجنون حدّ الموت لم نر في قصائدهم “توهان ذاتهم” ذلك الضياع الذي لا يكون في طريق ولا في علاقة بل في حياة!
وأخيرا جزمت أن أضع حدا لكل هذه السذاجة التي تُكتب؛ قررت أن أجمع عقلي وأفكاري وأشد الرحال عائدة إلى وطني لأكتب أقصوصتي التي قرأها الجميع في نظرةٍ هي ذاتها الرواية التي مزقت أوراقها عند كل تردد وضياع، وفي كل مرة أختار عنوانا آخر كمؤامرة الأبجدية، رواية الفواصل، توهان في أزمنة بلا أوطان… جميعهم رائعون لكن القصة أنا والرواية أنا والحياة أنا، لذا فبعد المناقشة الطويلة التي دارت بين الكاتبة ووحدتها، وبعد استشارة طويلة لقلمها وورقتها تم الاتفاق على قصة تحمل عنوان “أمل” .
بيروت، سنة1997؛ لا أذكر اليوم ولا التاريخ حتى أنني فقدت ذاكرتي في كل مكان؛ مع كل إنسان مر خياله بِزيّ شاب أو فتاة. نعم لقد شطبت كلمتي رجل وامرأة لأن الرجال في وطني ليسوا برجال والإناث ليسوا بإناث، ما هم إلا أجساد وأرواح حتى هذه اللحظة أحياء. وبعد دقيقة أو أكثر، بين ساعة لا ربما أقل كل واحد منا سيصبح جثة! نعم إنه الموت – الفراق – الذي لا أستطيع الابتعاد عنه بأي شكل من الأشكال؛ وبنكهة مزاح لقد قررنا الزواج ولغينا كل مراسم الأعراس وأيام التهنئة استبدلناها بالعزاء (الشيء الوحيد الصادق على وجه هذه الكرة الارضية لا يحمل أي بغض أو كره أو عداء من يحبك سيحضر ويبكي قليلا ثم ينسى، أما الذي يكرهك فلن تلمح طيفه أبدا لأنه منهمكا في حفلة الفرح التى أقامها على روحك!.)
حسنا، ما الذي يمكن قوله في مثل هذا النص؟! لقد تذكرت العنوان “أمل”، وأي كلام سيكون تحت طائلة الختام وقد تتعرض الكاتبة لعدم المتابعة أو الحذف لأنها اعتادت دوما على جعل صفحتها ممزوجة بالألوان. الأبيض ليس رمزا للسلام بل للاستسلام، الأسود ليس رمزا للحداد ولا للظلام بل للمجهول، أما الأحمر الذي يعتبره الجميع رمزا للحب دُفن الحب؛ ومات الحبيب؛ فبقيت تلك الفتاة التي تكتب كل يوم قصيدة لحبيبها الغائب، وتقص له قبل نومها تفاصيل يومها. هو لم يمت بل مات حيا!! هو قرر مصيره أما تلك الفتاة ما زالت تتنقل من مصير لمصير كعصفورة هاجرت عندما قابل الخريف وعاد في أول دعوة من الربيع.
الجميع الآن يتسآئل عن مصير الفتاة هل انهزمت؟! كلا!! أضعفت؟! ربما!! وما أدراني فأنا لست البطلة! بل أكثر. أنا من سننتُ قواعد حبري وجعلت الغموض يلتف حول دفتري متخذة من نفسي ضعف نفسي وقوتها.. المرة الوحيدة التي لا أكتب فيها لحبيب، لصديق أو لقريب بل لأنا التي تبحث عن كل ما فُقد منها مع ذلك الرحيل الذي سُمي بالقدر. ومع تلك العاصفة التي أحرقت كل ما في قلبي وجعلت من أمل رمزا للهي والهو حين رحل كل شيء جميل وبقيت جميلة العينين تحادث الماضي الذي صفع كل ما فيها حتى الأمان لم يرحل بل حلّ ضيفاً دائماً وحتى الآن لم يفتش عن مستقر… وفي منتصف الليل ذهبت ولم تعُد، أين هي!؟ ليست هنا؛ ولا هناك! أنا هنا حيث أرى الجميع والجميع يبحث أين أنا…