السبت , فبراير 22 2025

حكايةُ أبي…

بقلم د. المهندس قاسم محمد دنش

حكايةُ أبي…

وقالَ للدهر اشهدْ

أنا من سموني «محمد»

والدي حرٌ سموه حسينًا

وأمي أبى أبوها إلا أن يجعل اسمها مميزًا

فزكاها “خيمكان”…

خَيرٌ حضورها في المكان،

وانحدرت من عائلة كانت للطهارة عنوانْ

“دنش” إباء شر كل دنس الزمان…

وكنت عصارة أملٍ، فتى زكيًا طامحًا

أغدو للعلم خيرَ عاشقٍ

فأسعى للمدرسة، وان بعُدت

وأتميزُ مبدعاً ما اجتهدت

نلت “السيرتفيكا” ومن مثلي في زماني

خيرُ شاهدٍ على حسن تعلمي

وكفاني من أمي مرتبة برقيِ ثقافتي

وحالُ أشرعتي ائتمنت سوء دهرها

فعصرها أملها حتى أجهضت أحشاء طامحة،

فغدا أبي فقيرا، وما بعده فقرُ

فأتاني في حيرةٍ ما يصنعُ،

فقال هل لك أن تتنحى دون العلمِ هنيهةً؟

فمال جيبه لم يعد يكفي

أنا وسبعة من إخوتي ثقلُ كبيرُ

فغردت خارجَ طفولتي

مخلقاً براءةً عاتبةً على عدالة الزمان

أبحث عن رزق بديلٍ عن علم

وعن كدحٍ وتعب وهجران الأصدقاء

أنا فتى دون المراهقة

أريد سند أبي في عياله

الذي كان يغيب من الجمعة للأخرى

ساعيًا لرزق في المدينة

فإن كان كافيًا فطعامنا تمرٌ أسود

وإلا فأشقر…

وكبرتُ ولستُ عاتباً

لا على فقر والدي

ولا على إهمالِ دولتي

إلى أن شعرتُ بكنزِ مملكتي

فكانَ عرشي سيارةً عمومية

ألقاها كل يومِ عندَ بزوغِ الفجرِ

ولا أفارقها إلا بوداعِ الشمسِ

ألزمها دون عطلة

لعشقها وعشق عائلتي…

وكبرتُ وكَبُرت عائلتي

خمسة من البنين والبنات

أُنسهم ينسيني حالَ تعبي

ونجاحُهم يصححُ حالَ جسدي

أراهم يتزوجون واحداً تِلوَ الآخر

فكانت سهاد الشمعة الأولى في بيتي

تركتني برضاي وذهبت لبيتها الزوجي

ولن أنسى كيف أرخت من عيوني دموعًا ودموعًا

حتى أحسست أن قلبي استسلم دون عمل

وبعدها يا لها من حياة كرت السبحة..

فرح التي ما مللت من دلعها، غادرت

ومصطفى النجلُ النشيط، ذهب

ومازن وقاسم كلهم رحلوا وان استأذنوا…

وبقيت أنا ,وأنس فؤادي ندى

زوجتي التي ما خانت لي عهداً

وما نقضت لها عقدا

فرحنا سوية نصارع الحياة بألمها

فترانا ساعةً نغفو جالسين من مللٍ

وأخرى في تأملٍ

حتى بتنا نقيس الظلام وشدته

وساعات الليل وطول أمدها…

إلى أن قلّت حيلتي فضعف بصري

فلجأت إلى طبيب من غدرِ هذا الزمان

ولم أدرك أنه نال عصمة من كل خطأ أو زلل،

هكذا عرفوه وعرفوا فساد طبابتهم

فأبدل خف نظري بشبه إعدام

فأجلسني منزلي بعد رفقتي الخمسين لسيارتي

فضاع أملي وهجرني مملكتي

وبات عرشي لا يسكنه الا الغبار

وصرتُ أعدُ الأيام سنيناً وأعوامًا

حامداً الله أنَ في دولتي

حقاً مدخوراً لي ولأمثالي

من معاشٍ تقاعدي ونوادِ للكبار

حتى الطبابة والأدوية والرومنسية

كلها في حسابات الشيخوخة!!

آه يا بلدي كم ظلمتني

مرةً حرمتني طفولة بريئة

وأخرى بكدحٍ فوق طاقتي

وأخرى بأطبائك المنزهين

والآن تتركني لضمان شيخوختهم…

فعذراً وطني…

لو عادُ الزمان وما حمِلت قولها

لاستبدلتك بآخر…