الأحد , فبراير 23 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / نيتشيه المهرج المنبوذ

نيتشيه المهرج المنبوذ

بقلم محمد أمين

في النهاية وفي المفهوم الفرويدونيتشوي، أن الإنسان مولود من كبد الصراع يحيا من خلال غرائزة الحياتية والتدميرية. مولود بغرائز هدفها الوحيد هي طلب الأشباع وايضاً خدمة صاحبها في تحقيق ذاته. وكان الانسان الأول كائنا غرائزيا يحصل على ما يريد من طعام و نكاح دون قيود، ومع مجيء الحضارة وضعت له قيود و ( اخلاق) للحد من قدراته وامتيازاته. هذه الأخلاق التي شن نيتشه عليها الحرب. فالمشكلة لا تكمن بالأخلاق في ذاتها بقدر ما تكمن في من وضع اسس هذه الاخلاق و اهدافه من وراء وضع اسسها.
ان نيتشه شجعنا على العيش بخطر و الصراع و تحمل الألم لا لأنه ( الله يبتلي عباده الصالحين). بل لأن الألم يقوي الجلد فكلما عشنا بخطر كلما اصبحنا اقوى لتحمل الأصعب و اصحاب فكر حر. سنكون معزولين و احيانا وحيدين لكن الثمن هو امتلك انفسنا.
ان رسالة نيتشه النهائية قد كانت موجه للمفكرين الأحرار و للممهدين لعصر اكثر رجولة و شراسة. فيخاطبهم، “.. رجال يعرفون وهم صامتون، وحيدون، ثابتو العزم. كيف يجدون رضاهم في الاستماته في نشاط خفي. رجال يبحثون في الاشياء تبعا لرغبة داخلية عما ينبغي تجاوزه فيها: رجال يتوفر فيهم المرح والصبر و البساطة وازدراء التفاهات الكبيرة مثلما يتوفر فيهم السخاء في النصر والحلم عن تفاهات كل المهزومين الصغيرة…رجال لهم اعيادهم الخاصة، لهم ايام عملهم الخاصة، لهم اوقاتهم الخاصة، لهم اوقات حزنهم الخاصة.. رجال اكثر عرضة للخطر اكثر خصوبة اكثر فرحا. ان سر تحصيل الخصوبة الكبرى و متعة الوجود الكبر، صدقوني يتطلب ان نحيا بخطر. شيدو مدنكم عند سفح بركان فيزوف! ارسلو سفنكم الى بحار بكر! عيشو في حالة حرب مع اشباهكم ومع انفسكم. كونو قطاع طرق ما لم تستطيعو ان تكونو فاتحين..(شذرة 283_العلم المرح).
ولأنك يا نيتشه بشرت بمفكرين احرار فمن هم المفكرين الاحرار؟
” ينبغي ان يبلغ نمط العقول الحرة داخله الاكتمال نضجا و حلاوة في يوم ما، قد انجز بالنهاية حدثه الحاسم في فعل انعتاق عظيم، وانه لم يكن فيما سبق سو عقل مقيد كان يبدو قابعاً في زاويته مشدود الى ركنه الى الابد…(الشذرة 3_ انساني مفرط).
” يكون الانسان قد بلغ درجة عالية من العلم عندما يتجاوز مخاوفه و افكاره الخرافية والدينية، ويكف مثلا عن الاعتقاد في الملائكة الخيرة او في الخطيئة الاصلية.. هو على هذه الدرجة من التحرر سيظل عليه دوما ان يبذل قصارى الجهد العقلي للتغلب على الميتافيزيقا. عندها سيكون عليه ان يقوم بحركة ارتداد الى الوراء سيكون عليه ان يفهم المبررات التاريخية والبسيكولوجية لتلك التصورات.. ( شذرة 20_انساني مفرط).
ان نيتشه يقول بلسانه،” انني اعرف الحياة اكثر لكوني كثيرا ما كنت على وشك ان افقدها ولهذا السبب بالذات اعطتني الحياة اكثر مما اعطت ايا منكم”.
وكان يتسأل في النهاية عن ساعة وفاته، ” فهل لي عاصفتي التي ساستسلم لها مثلما استسلم اولفير كرومويل لعاصفته؟ ام سأنطفئ كمشعل لا ينتظر ان تطفئه الرياح، لكنه تعب و شبعان من نفسه كمشعل مستهلك. ام سأنتهي بإطفاء نفسي حتى لا اُستهلك؟
وقد انتهى نيتشه وحيدا، بأن استسلم لعاصفته في مصحة عقلية في المانية. بعد 56 سنة من العطاء المرح و الصرف.
والسلام!
انه من الصعب ان تعطي فيلسوف بعظمة نيتشه و قوته، حقه في بضعة صفحات. كما انني حاولت ان اقتضب المواضيع و حصرها اخلاقيا و دينيا لأن الحديث عن فلسفة نيتشه يطول و يتشعب و سنحتاج مجلدات لأعطاءة ما يستحق الحق اقول لكم. لكن لعلى هذا سيعتبر قليل من كثير.