حاوره أ د. أنور الموسى
شاعر جزائري برتبة بروفيسور. ملتزم. قاوم الاستعمار. يعود نسبه لآل البيت. قلق. متمرد. القيم عنوانه. هو ا. د. بومدين جلالي. كان لاشكاليات فكرية معه هذا اللقاء..
١_من هو أ . د. بومدين جلالي الشاعر والإنسان؟
أ .د . بومدين جلالي : –
أنا باحث وأديب جزائري عربي، يعود نسبي إلى آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، متزوج ولي ذرية، متعدد الاهتمامات والنشاطات واللغات، مـن مواليـد 19/ 05/ 1952 بمدينة البيّض في السهوب الغربية الجزائرية، تلقيت تعليمي الأول في المدرستين القرآنية والحديثة بمسقط رأسي، ثم بمدينة وهران، ثم بمدرسة البحرية الوطنية الجزائرية، ثم التحقت بالجامعة فنلت الشهادات التالية:
. 1 / ليسانس في الأدب العربي من جامعة وهران.
2 / تبريز في الأدب العربي بالرتبة الأولى على المستوى الوطني من جامعة الخروبة بالجزائر العاصمة.
3 / ماجستير في الأدب القديم بتقدير ” مشرف جدا” من جامعة وهران.
4 / دكتوراه في الأدب المقارن بتقدير ” مشرف جدا” من الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.
5 / شهادة التأهيل الجامعي من جامعة سيدي بلعباس.
وفي زمن هذا الحوار؛ أنا أستاذ التعليم العالي ( بروفسور ) بجامعة الدكتور مولاي الطاهر في مدينة سعيدة بالهضاب العليا الغربية الجزائرية.
مؤلفاتي المطبوعة هي : –
عرش أولاد سيدي الناصر بن عبد الرحمن – دراسة أنتروبولوجية- مكتبة بوداود- ط1- الجزائر- 2009.
النقد الأدبي المقارن في الوطن العربي- دراسة نقدية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2012.
جلسات الشمس – رواية فنية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2012.
عين المهبولة / معلقة مدينة البيض – ملحمة شعرية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2012.
العولمة وموقفنا منها- دراسة فكرية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2013.
قراءة في العلاقة المغيبة بين الطالب الجامعي وأستاذه- دراسة تربوية – دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2013.
نجيب محفوظ : ضمير الرواية العربية – تأليف جماعي، فيه دراسة نقدية لي – وزارة الثقافة بمملكة البحرين- 2014 -.
وسام تيهرت – ملحمة شعرية / دار الحمراء / سيدي بلعباس – 2015
مقتطفات من زمن جريح – ديوان شعر – – دار الحمراء – سيدي بلعباس – 2015
قراءات ثقافية – دراسة نقدية – دار الحمراء – سيدي بلعباس – 2015
حكاية سعيدة – ملحمة شعرية – مطبعة باتنة بإشراف محافظة المهرجان المحلي للفنون والثقافات الشعبية لولاية سعيدة – 2015.
ولي أعمال أخرى في الإبداع والنقد – قديمة وحديثة – غير مطبوعة.
2-ما أثر طفولتك في شعرك؟
أ .د . بومدين جلالي : –
أنا من أطفال ثورة نوفمبر التحريرية الجزائرية، وقد عشت مسألتين متلازمتين مهمتين أثناء تلك الملحمة الخالدة. أولاهما عشت مأساة أهلي وشعبي وبلدي تحت نير الاستعمار الفرنسي البغيض الذي عمل على تدجيننا أو مسحنا من الوجود، وكانت تلك المأساة متكونة من الرعب والجوع والجهل والمرض ومعايشة الموت باستمرار. والثانية عشت التجليات البطولية لأهلي وشعبي وبلدي ويا لها من بطولات نادرة أو منعدمة الشبيه في التاريخ البشري، إذ الكبير بطل والصغير بطل والمرأة بطلة والرجل بطل والشهداء يسيرون صفوفا صفوفا إلى التضحيات حتى كأنما الموت ركز اهتمامه على الجزائر وحدها من دون بقية أصقاع المعمورة … وهذا الوضع الثوري العظيم ملأ وجودي – كما فعل مع معظم أبناء جيلي – بقيم خاصة ورؤى منمازة لا أظن أنها تكررتْ أو تتكرر بكل جزئياتها وغاياتها عند غيرنا … فنحن الأطفال الرجال ، ونحن الأطفال الأغوال، ونحن الأطفال الأهوال، ونحن الأطفال الأبطال ، وهكذا … وهو ما يجعلنا لا نرضى بما يسيء إلينا ولو بمقدار ذرة من الإساءة، وهو ما يجعلنا نعشق جزائرنا عشقا أسطوريا مثاليا غرائبيا انفعاليا يعرف كيف يتقدم ولا يعرف كيف يتأخر أبدا …
وتأثيرات هذه المرحلة من حياتي تظهر بارزة في الكثير من أعمالي الإبداعية لا سيما في الملاحم الشعرية التي خصصتها لبعض المدن الجزائرية مثل :
1 / عين المهبولة / معلقة مدينة البيض ، المخصصة لمسقط رأسي
2 / حكاية سعيدة ، المخصصة لمدينة إقامتي …… وغير ذلك
3-ما أثر الطبيعة في شعرك؟
أ .د . بومدين جلالي : –
تنقلت في طفولتي بين المدينة والبادية، وتنقلت في شبابي بين الصحراء والبحر، وتنقلت بعد ذلك بين أنظمة بيئية مختلفة متعددة، وكنت خلال هذه الرحلة الطويلة في الحياة قارئا، متذوقا لمعظم الفنون، مهتما بروح الطبيعة وجمالها الرائع … وهذا ما أدى بي إلى الشعور بالذوبان أحيانا في هذا العنصر أو ذاك من عناصر الطبيعة بنزعة متأملة في الجزئيات والكليات، وببصيرة جمالية فنية خاصة بي … ولعل هذه النزعة هي التي جعلتني أخصص كتابات عديدة للشمس والثلج والربيع والبحر وما إلى ذلك من مشهديات الطبيعة بمنظور غرائبي رمزي، في أسلوبية تتقاطع وتتمازج فيها لغات الفنون الجميلة، ومن أمثلة هذه الكتابات :
1 / بسمة الزمن الهارب ( خاطرة )
2 / جلسات الشمس ( رواية )
3 / صباحك ربيع ياشمس الربيع ( خاطرة )
4 / الصاعقة ( قصيدة عمودية )
5 / مع البحر ( قصيدة حرة ) ……. وغير ذلك
4-يلاحظ أنك في بعض القصائد طويل النفس، ما البواعث؟
أ .د . بومدين جلالي : –
لامست في مطلع حياتي الكثير من المنظومات المعرفية مثل ألفية ابن مالك ولامية الأفعال وابن عاشر، كما اطلعت على المعلقات وما يشبهها من الطوال في الشعر العربي عبر تاريخه الطويل ومساحته الجغرافية الشاسعة ، وقرأت باعتزاز إلياذة الجزائر ونشيد أناشيدها البطولية، وأضفت إلى الثقافة العربية صفحات واسعة من الثقافة العالمية وعلى رأسها الثقافة الفرنسية بما فيها من طوال كأغنيو رولان وقصيدة البحيرة للامارتين وغير ذلك… وفي المقابل استمعت بعناية إلى طوال الشعر الشعبي الجزائري وعلى رأسها قصيدة حيزيا للشاعر محمد بن قيطون وقصيدة سلّكْني لمحمد بلخير وغيرهما … وهذه المدونة الشعرية الضخمة، والمرتكزة أساسا على الطوال جعلتني أجد سهولة ومتعة في كتابة النص الشعري الذي لا يكتفي بمائة بيت بل يضيف إليها ، مثلا : حكاية سعيدة ، تناولت موضوعا واحدا، في بحر خليلي واحد، بقافية واحدة ورويّ واحد، وجاءت في 322 بيت ، من غير أن يلاحظ عليها القرّاء من النقاد والأكاديميين أدنى خلل يقلل من قيمتها الفنية …
ومع هذا ؛ فإن طول النفس عندي ليس فريضة لا نقاش فيها لأنني مارست أيضا الكتابات الشعرية القصيرة مثل الرباعيات والمقطع الشعري والقصيدة القصيرة وحتى شعر الهايكو الذي لا يتجاوز ثلاث عبارات موزعة على ثلاثة أسطر .
5-ما أغراض شعرك؟ وما الموضوع الذي يأخذ حيزا أكثر في شعرك؟
أ .د . بومدين جلالي : –
أنا لا أكتب في الأغراض الشعرية المعتادة كما جاءتنا من التراث، وإنما أمزجها بطابعي الخاص الذي يحولها إلى طروحات فنية منمازة عن غيرها ، ومن الموضوعات التي أخذت حيزا من كتاباتي الإبداعية شعرا ونثرا ما يلي :
1 / توصيفات الجلال والجمال في بعض أصقاع الجزائر وفق بنية قصصية ملحمية لا تخلو من معطيات أنتروبولوجية وأحداث تاريخية وصراع درامي …
2 / نصوص مواقف فيها مزيج من الإحساس والمنظور لما يحدث في خصوص الحياة العربية وعموم الحياة الإنسانية …
3 / التماهي في تمسرح علاقتي بالطبيعة وفق رؤى سحرية صوفية يتقاطع فيها الأدبي باللاأدبي كما يتقاطع فيها الواقع بالمتخيل …
4 / لوحات سيرة لأشخاص من فئات اجتماعية مختلفة …
5 / غزليات ذات طابع أسطوري رمزي عجائبي …
6 / نصوص تأملية ذات خلفيات فكرية فلسفية مخترقة لجدار الفلسفة المعتادة …
7 / دفاع أدبي عن الهوية والانتماء بكل مكوناتهما …………. وغير ذلك
6-ماذا تعني لك الأم والحبيبة والوطن والجزائر وفلسطين؟
أ .د . بومدين جلالي : –
هي – وفق ترتيبها في السؤال – رموز للجلال، والجمال، والكمال، وصناعة البطلات والأبطال، ووجوب الصمود مع النضال، أكثر مما هي مجرد كلمات نستثمرها في قواميسنا اليومية من غير أن نشعر بدلالتها الصحيحة أحيانا، ومن دون أن نعطيها حقها غالبا.
نحن في حاجة ماسة إلى مراجعة تلافيف لاشعورنا وتطوير شعورنا كي نرتقي عبر مدارج الروح والقلب والعقل ارتقاء ناضجا واعيا مسؤولا لنعطي لدلالات الأمومة ( الأم ) والمحبة ( الحبيبة ) والمواطنة الوطنية ( الوطن ) والانتماء الخاص – بالنسبة لي – ( الجزائر ) والأخوة الحضارية الثقافية التاريخية – بالنسبة لي – ( فلسطين ) ما هو فرض عين لا فرض كفاية كما تقول مدونتنا الفقهية في أقدس المقدس من العبادات بحكم أن ما ذكره السؤال هو أقدس المقدس خارج العبادات ….
7-ما موقفك من الشعر الحديث والعمودي وقصيدة النثر؟
أ .د . بومدين جلالي : –
بداية ؛ هناك الشعر واللاشعر. واللاشعر ليس هذا هو فضاء الحديث عنه، لذا نتركه جانبا. والشعر في كل اللغات جنس أدبي أبدعه الشعراء إبداعا منمازا ونظّر له المنظّرون تنظيرا معلوما منذ الزمن الإغريقي إلى يوم الناس هذا، وهو كالبحر يعيش مدا وجزرا، في غضب وهدوء، باستمرارية لا تتوقف ولا يمكنها أن تتوقف أبدا بوصفه روح الحياة مادامت حياة. وتوزيعه في ثقافتنا الراهنة ما بين العمودي وغير العمودي، وما بين الموزون وغير الموزون، وما بين كذا وكذا من التقسيمات التي كانت أو ستكون لا يعطي أفضلية مجانية لقسم على قسم آخر بمجرد انتسابه لهذه التسمية أو تلك ……. فلْتتعدد التقسيمات والتسميات، ولْيبق الشعر داخلها وخارجها شعرا، ولْيبق اللاشعر داخلها وخارجها لاشعرا … أنا لست ضد أي شكل من أشكال الشعر وإنما أنا ضد الرداءة التي تسمي نفسها شعرا وتسمي قائلها شاعرا وهوتماما كالدجال الذي تسميه الرداءة الاجتماعية طبيبا …
8-ما موقفك من النقد؟ ومن يحق له نقدك؟
أ .د . بومدين جلالي : –
النقد في ثقافتنا الحديثة والمعاصرة ليس نقدا بالمعنى الدقيق العميق الذي يحيل عليه هذا المصطلح في الثقافة النقدية العربية القديمة وفي الثقافة النقدية الغربية الحديثة. فنحن لحد الساعة لم نتمكن – أو لا نسعى لنتمكن- من تطوير نظرية في الفن والإبداع وإنتاج مناهج خاصة نابعة من خصوصيتنا المعرفية عبر رحلتها الثرية في القرون السالفة. وكل ما استطعنا فعله خلال القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة هو أحد أمرين لا ثالث لهما.
بالنسبة لتراثنا النقدي لقد تراوح اهتمامنا به بين التأريخ له ومحاولة الوقوف على تقاطعاته مع النقد الغربي الحديث وبين شرح بعضه شرحا تعليميا موجها للاستهلاك المدرسي، وما استطعنا استثماره لإنتاج فكر نقدي جديد نابع من انتمائنا الثقافي والحضاري.
وبالنسبة للنقد الغربي المستورد ضمن ما استوردناه في مختلف قطاعات الحياة المعاصرة بسبب عجزنا عن الإبداع والإنتاج، فبعدما أصبح هذا النقد الغربي بينا بواسطة الترجمة أو بالنقل الحرفي من مصادره النظرية الغربية دون الإعلان غالبا عن ذلك النقل، لقد تراوح اهتمامنا به بين تطبيق مناهجه على بعض نصوصنا وتاريخنا الثقافي تطبيقا مسطحا متأرجحا ضمن المستويات البعيدة عن النجاح الذي لا يتماشى والتسطيح المسيطر على هذه التطبيقات وبين تصنيف تلك التطبيقات في هذا المنهج أو ذاك والتأريخ لها والتعليق عليها مدحا أو قدحا… ولا شيء غير ذلك.
وهذه الكتابات النقدية الواسعة يحركها في الغالب حافزان أساسيان وآخران استثنائيان. الحافز الأول الأساسي هو الرسائل الجامعية والبحوث المتوسطة التابعة لها بغية الحصول على الشهادات ثم الترقية في المنصب، وهي لا تدل على معرفة كبيرة إذ أصبحت في معظمها – كما يعرف الجميع- شهادات تحمل أصحابها والعكس غير صحيح إلا فيما ندر. والحافز الثاني الأساسي هو الكتابة من أجل التجارة والشهرة وقد أدى هذا إلى السرقة الأدبية المقصودة قصدا أحيانا كما أدى غالبا إلى تحويل البحث النقدي إلى كتابات شبه إعلامية مسطحة.
والحافز الاستثنائي الأول تمثله الكتابات النقدية المؤسسة على نعرة إيديولوجية أو فئوية أو جهوية وهي بعيدة عن النقد القويم بمسافة ضوئية كبيرة. والحافز الاستثنائي الثاني والأخير يتمثل في الكتابات النقدية التي تسعى بكفاءة وجدية أن تجعل من النقد نقدا، وهي قليلة جدا وأصحابها خارج كل اللوبيات التي تسيطر على النقد الأدبي باللغة العربية … ولعل في اجتهادات هذا الصنف الأخير، الموجود مشرقا ومغربا، يكمن ما يجعل الثقافة العربية تأمل في الوصول إلى مستقبل نقدي يتدرج نحو معاني الجودة المطلوبة لدى الجادين الموهوبين والجادات الموهوبات من حملة الحرف العربي …
هذا عن الجزء الأول من السؤال ؛ أما فيما يخص من يحق له نقد كتاباتي في عموميتها وأشعاري في خصوصيتها فهذه مسألة مرتبطة في منظوري بأربع معطيات ضرورية، هي :
1 / امتلاك الثقافة النقدية في جوهرها لا في مظهرها فقط …
2 / موهبة القراءة المخترقة للحجب والقادرة على ملامسة كنه المكتوب …
3 / الاشتغال بحرية كاملة تعي مسؤوليتها الحضارية الثقافية …
4 / استثمار الموضوعية النسبية التي لا تلغي كينونة الناقد ولا كينونة المبدع …
ومن هذا الحد الأدنى يتجلى الناقد الذي يشتغل على كتاباتي وكتابات غيري أما قبل هذا الحد فالمسألة لا تعدو أن تكون مجرد إعلام أو انطباع عابر أو تسمية للأشياء بغير أسمائها.
ومن باب الإشارة الإنصافية؛ أذكر أن بعض الأعلام الثقافية الناقدة اشتغلت على هذا النص أو ذاك من مدونتي الإبداعية بما هو أوسع وأعمق من هذه المعطيات التي حددتها في هذا العنصر من الحوار … ومن هؤلاء الأعلام أخص بالتحديد :
1 / أستاذ اللسانيات، الدكتور الباحث الأخضر حاكمي في اشتغاله على ملحمتي الشعرية “” عين المهبولة / معلقة مدينة البيض “” التي نالت الجائزة الوطنية الأولى في مهرجان الشعربمدينة بجاية الناصرية سنة 1995 م.
2 / الأديبة الباحثة خيرة بغاديد في اشتغالها على روايتي “” جلسات الشمس “”.
3 / أستاذ النقد، الدكتور الشاعر عبد القادر رابحي في اشتغاله على ملحمتي الشعرية “”وسام تيهرت””.
4 / الأستاذة الدكتورة والفنانة التشكيلية والأديبة الشاعرة خيرة مباركي من تونس في اشتغالها على نصي “” صخب الهدوء “” .
5 / الدكتورة الباحثة ، الأستاذة كاملة مولاي في بحثها الأكاديمي المخصص لروايتي “”جلسات الشمس””.
6 / الأستاذة الباحثة حفيظة بشارف في دارستها التفكيكية لرمزيات روايتي “”جلسات الشمس””.
7 / الدكتور الديبلوماسي نورالدين هادف في اشتغاله النقدي على ملحمتي الشعرية “”عين المهبولة / معلقة مديتة البيّض “”.
وغير ذلك من الأكاديميين الباحثين والإعلاميين وعامة المثقفين …
9- ما عناوين دواوينك؟ وما غايتك من الشعر؟
أ .د . بومدين جلالي : –
عناوين أعمال الشعرية – كما تمت الإشارة إليها أعلاه – هي :
– عين المهبولة / معلقة مدينة البيّض
– وسام تيهرت
– مقتطفات من زمن جريح
– حكاية سعيدةَ
بالإضافة إلى مئات النصوص المنشورة في الجرائد والمجلات والأنترنيت أو غير المنشورة أصلا ،وهي في طور المخطوط فقط.
أما غايتي من الشعر فيمكن تلخيصها كالتالي :
الشعر عندي اهتمام من اهتماماتي الأدبية ونشاط من نشاطاتي الثقافية المتعددة، وهو فضاء فني أطرح فيه إحساسي بالوجود وبعض قضاياه التي تكون فيه أجمل وأرقى مما تكون في غيره، ولا أبتغي به شيئا من الشهرة أو الجاه أو المال أو غير ذلك … وأنا لا أكتب كثيره ولا حتى قليله تحت الطلب أو سعيا لمرضاة هذا أو إزعاج ذاك، وإنما أكتبه حين يكتمل تشكّله في وجداني وتصبح ولادته حتمية لا مفر منها … هذا عن رؤيتي بوصفي شاعرا أما بوصفي أكاديميا أستاذا؛ فالشعر عندي تأسيس لثقافة أمتي، ووجه رائع من وجوه مسيرتها الحضارية، وسلاح فتاك من أسلحة صراعها الوجودي، وأداة منمازة من أدواتها المعبرة عن خصوصيتها في الحاضر وما يستقبل من الزمان …..
10-هل كرمت ونلت جوائز؟ وماذا يقدم لك التكريم؟
أ .د . بومدين جلالي : –
فيما يخص الجوائز؛ أنا لا أشارك أصلا في المسابقات، وما شاركت طوال مسار حياتي إلا ثلاث مرات ، وكان ذلك نزولا عند اقتراح غيري :
المرة الأولى، وباقتراح مجموعة من أصدقائي/قرائي ، شاركت في مسابقة مهرجان مدينة بجاية سنة 1995 م، ونلت الجائزة.
المرة الثانية، وباقتراح ولدي ، شاركت في المسابقة الشعرية لمدينة برج بوعريريج مع بداية الألفية الجديدة، ونلت الجائزة.
المرة الثالثة، وباقتراح من زوجتي، شاركت في مسابقة الإذاعة الوطنية بالجزائر العاصمة سنة 2008 م، ونلت الجائزة.
وكرمت في مدينة البيّض – مسقط رأسي – بعد صدور ملحمتي المخصصة لها.
وكرمت أيضا في مدينة سعيدة – مقر إقامتي – بعد صدور ملحمتي المخصصة لها.
كما كرمت ثقافيا – بشهادة تكريم – من جهات متعددة كدور الثقافة والمكتبات والبلديات ، وكرمت مهنيا من قطاع التربية وقطاع التعليم العالي بمناسبة الترقيات.
وفي الأخير؛ كرمت افتراضيا إلكترونيا من مواقع ومجلات وصفحات في الأنترنيت احتفاء بمساهماتي في منشوراتها .
أمّا ما يقدم لي التكريم ؟ فالمولى تبارك وتعالى كرّم بني آدم، وما حدث هذا وتم ذكره نصيّا إلا لأهميته القصوى ….والتكريم المؤسَّس على عطاء وتميز ظاهرة حضارية أخلاقية عالية، فيها اعتراف بالفضل وتثمين للجهد وتقدير للمسار وتشجيع للأجيال اللاحقة على احترام أسلافها ومواصلة جهودها في هذا المجال أو ذاك …
من هنا؛ فكل تكريم – ولو بكلمة طيبة – سيكون له أثره الإيجابي ضمن مستويات متعددة : صاحبه، أسرته، محيطه وغير ذلك …
11-ما وظيفة الشعر في هذا الزمن؟
أ .د . بومدين جلالي : –
الشعر بالأساس فن، والفن وظيفته المركزية هي الارتقاء بالروح والذوق والسلوك عبر مدارج الجمال نحو الاكتمال الإنساني المنشود … وهذه الوظيفة كانت وستبقى مادام الإنسان إنسانا ولا تختفي إلا إذا فقد الإنسان إنسانيته …
أما وظيفة الشعر/ الشعر في هذا الزمان فهي في أسوء الأحوال مقاومة همجية القبح اللامادي المسيطر على النفوس والقلوب من جراء ترهّل القيم أو ضياعها في كثير من الأحيان … هذا بالإضافة إلى كونه روحا لحياة اللغة المعادلة لحياة الأمة، ووسيلة من وسائل التعليم والترفيه والتفكير والإشهار وما إلى ذلك.
12-لمن تكتب…؟
أ .د . بومدين جلالي : –
أكتب لقارئ(ة) مشهود(ة) وقارئ(ة) موعود(ة) …
فالقارئ المشهود أنا من يساهم في صناعته، والقارئ الموعود هو من يساهم القارئ المشهود في صناعته … فالقراءة أصبحت صناعة من الصناعات في زمننا … ومكان هذه الصناعة هو الأسرة والمدرسة والفضاءات الإعلامية والتواصلية المختلفة … ونحن نسعى إلى صناعة هذا القارئ باستمرار ببعض الفشل حينا وبعض النجاح حينا …
هذا إضافة إلى أن قراءة الشعر لم تكن في تاريخنا ظاهرة ثقافية شعبية عامة وإنما كانت وستبقى ظاهرة نخبوية، وهي اليوم ظاهرة نخبوية وهذا لن يضرها في شيء، وإنما يجعلها كالعادة تحت مراقبة أبصار وأسماع عالمة؛ وهذا أمر جيد …
13-ما رأيك في دور الشعر في زمن التكنولوجيا وغياب القراءة أو قلتها عند العرب؟
أ .د . بومدين جلالي : –
يبدو لي أن التكنولوجيا لها ضرر واحد على الشعر، وهو أنها فتحت المجال للشعر الرديء ولما يسمى بالشعر وهو ليس من الشعر في الشيء أن ينشر ويصل إلى كل مكان… وفي المقابل لقد استفاد الشعر الجيد بوصوله إلى جمهوره في وقت قياسي ….
والمنافس للشعر ليس هو التكنولوجيا وإنما هي البدائل الأخرى المطروحة في أسواق الثقافة مثل الرواية والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والصورة وغيرها ، وهذه البدائل ليست بدائل بمفهوم التعويض وإنما هي بدائل بمفهوم توسيع الإشعاع الثقافي، وهي ذات نفع كثير على الشعر وغير الشعر بوصفها دمقرطة للثقافة وإثراء لطروحاتها …
أما غياب القراءة عند العرب في مشارقهم ومغاربهم ومهاجرهم فهو لا يقتصر على الشعر وإنما يتسع إلى كل ماهو مكتوب باللغة العربية خصوصا وحتى باللغات الأجنبية، وهذا مرده إلى روح التخلف التي نحملها في كل مناحي حياتنا نتيجة أخطاء قاتلة ارتكبناها حين انطلاق نهضتنا، ومنها – على سبيل التمثيل – تقديم المادي على الروحي، وتفضيل الدخيل على الأصيل وتقديم نيل الشهادة على فهم مضمونها، وهكذا …
والمسؤولون عن هذه الكوارث هم النخب المثقفة وليس عامة الناس …
14-ما جديدك؟ ولم تركز على فن الحب؟
أ .د . بومدين جلالي : –
بالنسبة للشق الأول من السؤال، ومن باب تركيزي على اختصاصي الأكاديمي وهو الأدب المقارن؛ أنا أ شتغل حاليا على ترجمة نص فرنسي من نهاية القرن 19 م… هو تقرير عسكري مطول فيه الصورة المأساوية التي وصل إليه الشعب الجزائري تحت نير الاستعمار البغيض في أعقاب انكسار ثوراته في القرن المشار إليه … وهذا العمل ليس ترجمة فقط وإنما ترجمة متوازية بتأليف لي يوضح منطوق النص المزور للواقع التاريخي بناء على شواهد وأدلة، وفي الوقت ذاته يعرض المسكوت عنه قصدا الذي حدث لغايات استعمارية إستراتيجية مدروسة …. ويدخل هذا العمل ضمن قراءة خطاب كولونيالي ذي لسان فرنسي استعماري برؤية قرائية مابعد كولونيالية ذات لسان عربي وطني.
ومن باب الإبداع؛ أنا أشتغال الآن على تجريب جديد في كتابة النص الشعري القصير جدا … هو تجريب مستوحى من شعر الهايكو الياباني لكنه يختلف عنه في بنيته وقضاياه وأشياء أخرى. وما دعاني إلى هذا التجريب هو ما يلي : –
1 / قراءة النصوص الطويلة أصبحت عملة نادرة بسبب طولها الذي لا يراعي قلق الإنسان العربي المعاصر …
2 / الناس في كل مكان أصبح رفيقهم الأول والوحيد أحيانا هو هاتف مرتبط بالأنترنيت عموما وبالفيسبوك خصوصا … والفيسبوكيون الشباب لا يقفون أمام المنشورات النصية إلا بعض الثواني …
3 / في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية يوجد ما يسمّى ب “”جوامع الكلم “” . المعنى كبير جدا واللفظ قليل جدا، وهذا ما يناسب سرعة المعاصرة الراهنة وتسرعاتها العديدة …
4 / كثيرة من قضايا الحياة التي يستثمر فيها الفن ومنه الشعر لا تحتاج إطنابات وثرثرات وتفصيلات غيابها أفضل بكثير من حضورها …
وبالنسبة للشق الثاني من السؤال، أنا لا أكتب إلا نادرا وبشكل صوفي فقط عن الحب، وما حدث أن ركزت يوما على الحب الذي جعلته الثقافة المستوردة مرادفا للجنس ، بكل ما تحمله دلالة اللفظ من مظاهر التعدي على قيم الحياء والطهر في قيمنا الوجودية … أنا أرفض هذه الكتابة العارية التي لا تنتمي في منظوري إلى الأدب المتعارف عليه وإنما يجب تصنيفها في الأدب الموازي.
15-ما القصيدة التي تهديها لملتقى شعراء وادباء العرب ومجلة إشكاليات فكرية؟
أ .د . بومدين جلالي : –
بكل سرور؛ أهدي للجميع – مع خالص موتي – القصيدة التالية :
( رائية عمودية … بحرها الخفيف … جاءت في 29 بيتا … عنوانها : الصّاعقة)
6-ما أثر الحرمان في شعرك؟
أ .د . بومدين جلالي : –
الحرمان الوحيد الذي شكّل رؤيتي الوجودية برمتها هو الحرمان الذي فرضه الاستعمار/ الاستدمار الفرنسي على الجزائرإذ حرمنا من حريتنا وجعلنا غرباء في أرضنا بالتعدي الصارخ على قيمنا وهويتنا ولغتنا وديننا وخيرات بلادنا ووجودنا كله ………. وهذا ما جعلني عدوا للاستعمار، عدوا للقهر، عدوا للتعدي، عدوا للظلم والظالمين بقناعة مطلقة واستمرارية أبدية… وهو ما جعلني أيضا أشعر بأني فلسطيني بكل معاني المعاناة التي يعيشها المواطن الفلسطيني المحروم من حريته وسيادة بلاده، وهو ما جعلني كذلك أحمل روح المساندة لكل المظلومين المقهورين في هذا الوجود … وهذا ما وظفته بأشكال شعورية ولاشعورية في معظم كتاباتي بحيث تظابى نفسي كما يأبى قلمى عن مساندة أي ظالم ولو كان أخي أو ولدي …
17-بمن تاثرت من الشعراء؟
أ .د . بومدين جلالي : –
لا أدري … لا أدري … قرأت لمئات أو ربما آلاف الشعراء باللغة العربية وغيرها وأعجبني ماهو جميل في إبداعات جل الذين قرأت لهم كما لم يعجبني ما هو خارج عن مفهومي للجمال أين صادفته … والسؤال : هل تأثرت بأحدهم أو بعضهم ؟ أترك الإجابة للقراء والنقاد لأنني لا أعرفها.
وفي الختام ؛ يسعدني أن أقدم جميل شكري لسعادة الدكتور أنور الموسى وسعادة الأديبة سهام صبره، كما يسعدني أيضا أن أزف أنيق تحياتي إلى قرائي الكرام في كل مكان.