وفق مخطوط نادر يعود لسنة 1880
ضمن سلسلة (الثقافة الشعبية) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، صدر كتاب «سيرة علي الزيبق.. المخطوطة النادرة سنة 1880م»، من تقديم ودراسة د.محمد سيد عبدالتواب.
سيرة «علي الزيبق» واحدة من أشهر النصوص الشعبية التي سجلت في لحظةٍ تاريخية فارقة اتحاد الوجدان الشعبي في مواجهة الاستبداد والفساد وظلم الحكام بسلاح السخرية والهجاء والتواري خلف الرمز ومجازية الخيال.
تدور أحداث الملحمة الشعبية حول دائرة فساد السلطة التي تبدأ من الخليفة العثماني لتصل إلى أصغر مسئول في القلعة؛ حيث يطلق حسن رأس الغول شرارة الثورة ضد الظلم المتمثل في المقدم سنقر الكلبي ومصرعه على يد رمانة، ويأتي ابنه علي الزيبق ليحيي بارقة الأمل من جديد ويستكمل مشوار أبيه في الكفاح ضد الاستبداد.
الحكاية الشعبية، دائمًا، تنتصر في النهاية للمظلوم، تستعير تراث كيد النساء من قصص «ألف ليلة وليلة»، وتستوحي نماذج مقاومة تتجسد في شخصية علي الزيبق القادر على البقاء ورد الصفعة، تريد السيرة، الحكاية، الملحمة الشعبية أن تقول للمسحوقين: لا تستسلموا، قاوموا، هناك مائة باب للتمرد.
يوضح محمد سيد عبدالتواب في تقديمه للنص النادر من مخطوطة علي الزيبق أن “هذه سيرة أشطر الشطار علي الزيبق في تراثنا الشعبي، سيرة الثورة على غياب القانون وفساد الحكم ولصوص السلطة، ومغتصبي أقوات الناس وأحلامهم”.
ويوضح عبدالتواب في قراءته التحليلية للسيرة أنها “وثيقة فنية بالغة الدلالة أطلقها الوجدان الشعبي يغوص في أعماق الحياة المصرية، في بنيتها التحتية والفوقية فيكشف التناقضات الاجتماعية الصارخة ويعري جهاز الحكم في البلاد، عبر ملاعيب وحيل شاطر الشطار “علي الزيبق” بلا قدرات خارقة، ولا استعانة بساحر أو جني، يناوئ بها الحاكم ويكيد له ويقاومه ويقول باختصار شديد إن حالة البلاد متردية لأن حاميها حراميها”.
شخصية “علي الزيبق” من الشخصيات الأدبية التي حظيت بانتشار واسع في مصر والعالم العربي، خاصة بعد أن تحولت إلى مسلسل درامي حقق نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي؛ حمل الاسم نفسه، تم إنتاجه سنة 1985، وقام ببطولته كل من فاروق الفيشاوي، وهدى سلطان، وأبوبكر عزت، وليلى فوزي، وهدى رمزي، وصلاح قابيل، وحمدي أحمد، وجمال إسماعيل، ومحمد الشويحي.. وآخرين، كتب المعالجة التليفزيونية والسيناريو والحوار يسري الجندي، وكتب كلمات الأغاني الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، وألحان إبراهيم رجب، ومن إخراج إبراهيم الشقنقيري.
زمنيًّا دارت أحداث المسلسل في العصر العثماني، عن قصة شاب داهية من عامة الشعب المصري ومن بين طبقاته الفقيرة، قرر أن يقاوم طغيان طبقة المماليك بالحيلة والخداع وخفة الحركة، وينتقم لمقتل والده البطل الشعبي “حسن راس الغول” الذي اغتاله مقدم الدرك سنقر الكلبي، ليحل محله ويغتصب موقعه.
“علي الزيبق” في التراث الشعبي
ربما تعود أقدم إشارة لشخصية “علي الزيبق” في التراث الشعبي إلى النص السردي الأعظم في الثقافة العربية «ألف ليلة وليلة»، ضمن قصص وحكايات المجموعة المصرية التي استطاع الباحثون تمييزها ضمن مجموعات أخرى، فارسية وبغدادية وفاطمية، الحكايات التي جمعت باسم “حكايات علي الزيبق وأبوه حسن راس الغول، وما جرى لهما مع دليلة المحتالة وابنتها زينب النصابة”.
كانت الدكتورة سهير القلماوي في دراستها الرائدة «ألف ليلة وليلة ـ دراسة وتحليل» قد أشارت إلى هذه العلاقة بين الشخصيات التي وردت في قصص «ألف ليلة وليلة» (علي الزيبق، حسن راس الغول، فاطمة الشريفة، أحمد الدنف، المجوس عباد النار، دليلة المحتالة وابنتها زينب النصابة) وبين السيرة المستقلة التي عرفت باسم بطلها “علي الزيبق”.
ويكشف الدكتور محمد رجب النجار في دراسته المرجعية «حكايات الشطار والعيارين في التراث العربي» الأصول الحكائية والسردية التي تحورت عنها سيرة «علي الزيبق»، ويوضح ببراعة أن عمليات نقل متواصلة ضمن التراث الشفاهي وحكايات التراث الشعبي، أدت عبر عملية تثاقف معقدة إلى انفصال هذه المجموعة من الحكايات واستقلالها في متن حكائي منفصل، ضمن ما عرف بالـ”السيرة الشعبية” التي هي لون من ألوان الإبداع الجمعي، يماثل “الملحمة” في التراث الغربي.
وظهرت سيرة “علي الزيبق” الشعبية ضمن مجموعة أخرى من السير الشعبية؛ من أشهرها «سيرة بني هلال»، «سيرة الظاهر بيبرس»، «سيرة عنترة بن شداد»، «سيرة فيروز شاه»، «سيرة الأميرة ذات الهمة»، «سيرة حمزة البهلوان»، «سيرة الزير سالم».. إلخ
والسيرة الشعبية في التراث الحكائي والسردي العربي ليست مجرد قصة مسلية، كان أجداد أجدادنا يتسلون بسماعها مغناة على الربابة في مقاهي القاهرة العتيقة؛ بل هي بحق جزء من التاريخ تعبر عن الرؤية الشعبية له، رؤية تقوض الروايات الرسمية وتفككها وتحمل مستويات ودلالات في مجملها أكثر ثراء وغنى من التاريخ الرسمي، فالسيرة -التي ولدت غالبًا في فترة الاحتلال العثماني لمصر- تعبر بمرارة عن شعور المصري آنذاك، بأنه سلب حقًّا وتعرض لظلم ومفاسد الحكم العثماني الغاشم، الذي استعان بالمماليك الأتراك أيضًا كسلطة قمع وجبي للضرائب مما جعل الأهالي يضجون بالشكوى مما يتعرضون له من قهر واستبداد.
يظهر النص الشعبي بطله علي الزيبق باحثًا عن الثأر والانتقام لوالده “راس الغول”، كما أن لغة العصر السائدة أصبحت الرشوة والفساد وتبادل الخداع والفهلوة على حساب مصلحة المجتمع، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الحكام هي خداعهم ومراوغتهم؛ خوفًا من بطشهم، مع التأكيد على أن الشاطر الذي يقع تسارع إليه السكاكين، وأولها سكاكين سيده الذي يبيعه فورًا لو انتهت الفائدة منه.
المراجع: الكتاب نفسه..
موقع العين
موقع ويكيبيديا
مجلة إشكاليات فكرية
المسلسل المصري..
علي الزيبق هو شخصية من التراث المصري. فحكاية علي الزيبق يكاد يعرفها كل المصريين تقريباً، وخاصة بعد أن تم تنفيذها كمسلسل تلفزيوني. وتدور أحداث تلك الحكاية بين مصر وبغداد، وتحكى قصة «فساد» كبيرة يشترك فيها كل أطراف السلطة، ابتداء من الخليفة وانتهاء بالعسكر والعسس، والكل في دائرة الفساد مشترك، ومن كثرة الفساد أصبحت مقولة «حاميها حراميها» قولاً وفعلاً، فالمسئول عن حفظ الأمن والملقب باسم «المقدم سنقر الكلبي»، أراد الوالي تجنب فساده وسرقته فجعله على رأس جهاز الأمن ليضمن أنه لن يسرق إلا بإشرافه وتحت رعايته.
محاربة الفساد
أحداث هذه السيرة تلقى الضوء على حياة المقدم “حسن راس الغول” والد علي الزيبق، وصراعه مع ثنائي الشر المستعر، المقدم «سنقر الكلبي» ،والمقدمة «دليلة العراقية المحتالة»، اللذين تكالبا على «راس الغول» وأهلكاه، وجاء «علي» لينتقم من هذا الظلم والطغيان، خلافاً لرغبة أمه “فاطمة الفيومية”، التي كانت تريد لابنها حياة آمنة مستقرة، إلا أنه سلك مسار أبيه في الانتقام من سنقر الكلبي، ولقد حارب الزيبق «سنقر الكلبي» بالحيلة والذكاء فتغلب عليه وعلى دليلة، واستهزأ به أمام العامة والخاصة، وحينما تسوء الأمور، تظهر الأم لتدافع عن ابنها وتنقذه من المهالك مرة بعد مرة.
نصير الضعفاء
احتلال «الزيبق» لهذه المكانة المتميزة في عقول المصريين وقلوبهم جاء نتيجة ما يمثله هذا اللص الشريف من تحقيق قيمة العدل، المبنى على أساس أن الجزاء من جنس العمل، فكما تسرق السلطة أقوات الناس وأحلامهم، يسرق الزيبق ممثل الناس السلطة التي استولت على الثروات بالبطش والطغيان، وما «الزيبق» إلا مندوب لإعادة توزيع هذه الثروة المنهوبة.
علاقته بأمه
أهم ما يميز قصة علي الزيبق هى علاقته بأمه التي كانت على قدر كبير من الحساسية والجمال، فاطمة الملقبة بـ«أنثى الأسد»، لا تلقى بابنها إلى التهلكة، لكنها أيضاً لا تحرمه من الأخذ بحقه، والاعتراض على الظالمين، وإذا اشتد الكرب، ونفدت حيل «الشاطر» وبات على بعد خطوات من الموت تظهر فاطمة لتنقذ ابنها من الموت، بشجاعة واستبسال، فإذا غرر به أحد وأرسله إلى الصحراء ليموت من الجوع والعطش، جاءت إليه لتطعمه وتسقيه، وإذا التف حول رقبته حبل المشنقة جاءت إليه لتنقذه بشجاعة ألف فارس، وإذا فشل في حبه واكتشف غدر حبيبته ضمته إلى صدرها الدافئ لتعوضه عن حنانه المفتقد، وهذه هى الأم التي تتصدر مشهد البطولة دائما، والتي يقول عنها ناقدو الأدب ودارسوه إنها ترمز للأرض أو الوطن، والتي لا تطالب أبناءها بما لا يستطيعون، لكن إذا اكتشفت أنهم على قدر المسئولية ساعدتهم، ووقفت بجانبهم، حتى لو كانوا لصوصاً، في زمن لا يقدر فيه المرء أن يأخذ حقوقه المسلوبة إلا بالسرقة.