جدليّة العنوان في المؤلّفات الحديثة
2017-02-16
مقالات
594 زيارة
بقلم الدكتورة سارة كنج*
جدليّة العنوان في المؤلّفات الحديثة: كتاب “حرب تموز/ يوليو 2006
مغامرةٌ أم مؤامرة؟” (أنموذجًا)
يُعدُّ العنوان من أبرز العناصر التي تلفت انتباه القارئ نظرًا إلى كونه مدخلاً أساسيًا في قراءة الإبداع الأدبي والتخييلي بصفة عامّة، والإعلاميّ بصفة خاصة. فالعنوان هو عتبة الكتاب وبدايته وإطلالته الأولى وجسر عبور إلى المتن.
لقد أُهمل العنوان كثيرًا من العديد من الدارسين العرب والغربيين قديمًا وحديثًا، وهذا ما أدّى، من وجهة نظرنا، إلى الابتعاد عن الكتاب بنسبة كبيرة، لأنّهم عدّوا العنوان هامشًا لا قيمة له وملفوظًا لغويًا لا يُقدِّم شيئًا إلى بلاغة النص أو الكتاب.
ولكنَّ هذا الإهمال لم يدمْ طويلاً… وها نحنُ أمام عملٍ نرى فيه كيف أنَّ عنوانه تمرَّد على هذا الاهمال، فنهض من رماده كطائر الفينيق، بعد أن كان قد أٌقصيَ إلى ليلٍ من النسيان لفتراتٍ لا يُستهان بها.
فالكاتب الدكتور عبد الرحيم شكير في كتابه: “حرب تموز مغامرة أم مؤامرة؟”، تأثر بالباحثين العرب والغربيين، في مجال السيموطيقا وعلم المنطق، وأفاد من مدى أهمية العنوان نظرًا لوظائفه المرجعية واللغوية والتأثيرية والأيقونية.
هذا الكاتب وضع نصب عينيه مؤسسي علم العنوان (titrologie)، كجيرار جنيت G.Genette، وهنري متران H.Metterand، ولوسيان غولدمان L.Goldman ،وشارل كَريفل GH.Grivel، واستخلص من علومهم ما مفاده بأن العنوان هو مجموعه من الدلائل اللسانية القادرة على جذب الجمهور المقصود. وبالفعل، فقد وصل الكاتب إلى مراده من خلال عنوان كتابه الذي فتح بابًا واسعًا على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بفحوى النص/ الكتاب، ودفع بجمهور كبير من الأطياف كافة إلى التساؤل حول ما يعكسه هذا العنوان أو ما تحتويه صفحات متنه.
فالعنوان هو الأُحجية التي لا تلقى حلَّها إلا من خلال الغوص في الكتاب.
العنوان يقسم في هذا المؤلَّف قسمين:
أولهما: “حرب تموز/ يوليو 2006: مؤامرة أم مغامرة؟”، المكتوب بالخط البارز العريض، إنما هو سياسي بامتياز.
أما الثاني، المكتوب بخطٍ أصغر وأقل وضوحًا: “محاولةٌ في تحليل الخطاب الاعلامي العربي السمعي- البصري”، فهو يخرجنا من نطاق السياسة البحت إلى فضاء أوسع وأرحب، ألا وهو الأدب، حيث لتحليل الخطاب على أُسس ونظريات حديثة، الدور الأبرز والأعمق، الذي وجد تطبيقاته في الإعلام العربي السمعي والبصري.
وهذا الاهتمام بالعنوان ليس بعيدًا عن ابن المغرب العربي الذي انكبَّتْ أبحاثه الحديثة على دراسة العنوان تعريفًا وتأريخًا وتحليلاً وتنظيرًا وتطبيقًا، مثل مقال الدكتور شعيب حليفي (النص الموازي في الرواية: استراتيجية العنوان)؛ المنشور في مجلة الكرمل الفلسطينية، ومقال (العنوان في الرواية المغربية)؛ للدكتور جمال بو طيب، المنشور في كتاب “الرواية المغربية، أسئلة الحداثة”، وكتاب “عتبات النص” للدكتور عبد الفتاح الحجمري، وغيرها الكثير.
أما نحن، ومن موقعنا في إدارة دار مجان (سلطنة عمان)، وانطلاقًا من خلفيتنا الأكاديمية، فقد أفدنا من قول الباحث المغربي إدريس الناقوري الذي يؤكد فيه الوظيفة الإشهارية والقانونية للعنوان، وفيه يقول: “لا تتجاوز دلالة العنوان دلالاته الفنية والجمالية لتندرج في إطار العلاقة التبادليّة الاقتصاديّة والتجاريّة تحديدًا، وذلك لأنّ الكتاب لا يعدو كونه من الناحية الاقتصاديّة والتجاريّة منتوجًا تجاريًا يفترض فيه أن تكون له علاقة مميزة، وبهذه العلاقه بالضبط يحوّل العنوان المنتوج الأدبي أو الفني إلى سلعة قابلة للتداول، هذا بالإضافة إلى كونه وثيقة قانونية وسندًا شرعيًا يثبت ملكية الكتاب أو النص وانتمائه لصاحبه ولجنس معين من أجناس الأدب أو الفن.”
وقد شكّلت رؤيته الأدبيّة والتجاريّة على حدٍّ سواء السبيل الهادي لنا إلى تبني العمل وإطلاقه وتحويله من مجرّد أطروحة دكتوراه مطويّة في ثنايا المكتبات الجامعيّة، إلى كتاب يرفرف في سماء الميادين الثقافيّة والإبداعات الأدبيّة محاولاً أن يلقى مكانةً في زمان أصبحت الكتب فيه نادرة والقراءة الورقية شبه معدومة.
ونحن نأمل أن تكون باكورة إصداراتنا منارة لإشعاعات ثقافيّة هادية وهادفة، ويظل الاستثمار في الثقافة رائدًا بين غيره من الاستثمارات في وطننا العربي.
*المديرة العامة لدار مجان – سلطنة عمان