…ما سر وفاته؟ وما أسرار حياته؟…
نفت عائلة الشاعر العراقى الكبير مظفر النواب وفاته، معربة عن استيائها من انتشار تلك الشائعات، مؤكدة أنه فى صحة جيدة، واصفة من روجوا لذلك بأنهم مرضى “الحسد النفسى”.
وردا على ما نشر عن وفاة الشاعر مظفر البالغ من العمر 83عاما، قال “ال النواب” فى بيان لهم:« تقاطرت… بالآونة الأخيرة رسائل كثيرة تستفسر حول الخبر المنشور حديثاً عن وفاة الشاعر الكبير مظفَّر النواب،
إنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة… التي يتناول بها ضعيفو النفوس خبراً كاذباً كهذا»!
وأضاف البيان: ان من يذكر خبراً كاذباً كهذا الخبر أو غيره، هو حتماً مصاب بعقدة الدونية، و مرض الحسد النفسي”.
وتابع البيان: لمحبّي العظيم مظفّر النّوّاب نقول إن النهر العراقيّ الثالث ما يزال بخير، وإنّ كحل العراق ما يزال بخير، رائحة الخير ما يزال بخير”…
وتابع البيان:
سيداتي سادتي إنّ مظفّراً بخير وتمام العافية والحمد لله، فلْيفرح العراقيون وليفرح العراق العظيم، ولْيفرح الوطن العربي و العالم، لأنّ قلب النواب الذي اتسع لهم ، ما يزال يتّسع لهم و يتّسع كل الكون وأكثر، فما تزال دقات قلبه، لحناً عالمياً يغنّي للإنسانيّة، و لكرامة الإنسان،.طوبى لمن يحبّ مظفر النواب، طوبى لمن يشعر بأنه إنسان، طوبى للطيّبين و السائلين عن النواب”…
من هو النواب؟
…مظفر عبد المجيد النواب شاعر عراقي ينتمي بأصوله القديمة إلى عائلة النواب التي ينتهي نسبها إلى الامام موسى الكاظم. وهي أسرة ثرية مهتمة بالفن والأدب ولكن والده تعرض إلى هزة مالية أفقدته ثروته.
خلال ترحال أحد اجداده في الهند أصبح حاكماً لإحدى الولايات فيها.. قاوم الإنكليز لدى احتلالهم للهند، فنفي أفراد العائلة، خارج الهند فاختاروا العراق، وفي بغداد ولد عام 1934، أكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب ببغداد. وبعد انهيار النظام الملكي في العراق عام 1958 عين مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد.
في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق، بعد اشتداد التنافس بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا إلى الملاحقة والمراقبة الشديدة من قبل النظام الحاكم، فكان هروبه إلى الأهواز عن طريق البصرة، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه إلى روسيا وسلمته إلى الأمن السياسي العراقي، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت إلى تخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد. وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
في هذا السجن حفر مظفر النواب ومجموعة من السجناء نفقا من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفياً فيها ثم توجه إلى الجنوب (الأهوار)، وعاش مع الفلاحين والبسطاء نحو سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية. غادر بغداد إلى بيروت في البداية، ومن ثم إلى دمشق، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية…
مظفر عبد المجيد النواب
شاعر عراقي معاصر ومعارض سياسي بارز وناقد، تعرّض للملاحقة وسجن في العراق، عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية اخرى.
وقد عاد النواب إلى العراق عام 2011م.
المراجع:
كتاب مظفر النواب شاعر المعارضة السياسية…قراءة في تجربته الشعرية. عبد القادر الحصني وهاني الخير-دار المنارة بدمشق-الطبعة الأولى-1994.
من شعره:
في الوطنِ العربيِّ
ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمُ أيضاً
مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمعُ
وأشياءٌ أخرى
من كلِّ مكانٍ في الوطنِ العربيِّ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
فلكلِّ زمانٍ تجّارٌ
والسّوقُ لها لغةٌ وأصولْ
النّملةُ قطعتْ رأسَ الفيلْ
والبّقةُ شربتْ نهرَ النيل
والجّبلُ تمخّضَ
أنجبَ فأراً
والفأرُ توّحشَّ يوماً
وافترسَ الغولْ
والذّئبُ يغنّي
يا ليلي..يا عيني
والحرباءُ تقولْ
بلباقةِ سيّدةٍ تتسوّقُ في باريسَ
” تري جانتيلْ “
معقولٌ..؟
ما تعريفُ المُمكنِ والمُتصوّرِ والمعقولْ؟
يا قارئ كلماتي بالعرضِ
وقارئ كلماتي بالطّولْ
لا تبحثْ عن شيءٍ عندي
يدعى المعقولْ
إنّي معترفٌ بجنونِ كلامي
بالجّملةِ والتّفصيلْ
ولهذا
لا تُتعبْ عقلكَ أبداً بالجّرحِ وبالتّعديلْ
وبنقدِ المتنِ
وبالتّأويلْ
خذها منّي
تلكَ الكلماتُ
وصدّقها من دونِ دليلْ
بعثرها في عقلكَ
لا بأسَ..
إن اختلطَ الفاعلُ
بالفعلِ أو المفعولْ
الفاعلُ يفعلُ
والمفعولُ به
يبني ما فعلَ الفاعلُ للمجهولْ
هذا تفكيرٌ عربيٌ
عمليٌ
شرعيٌ
مقبولْ
في زمنٍ فيهِ حوادثنا
كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ
خُذ مثلاً
ضاعتْ منّا القدسُ
وقامتْ دولةُ إسرائيلْ
من المسؤول؟
فعلٌ مبنيٌّ للمجهولْ
خذ مثلاً
دبّاباتٌ ستٌ في بغدادَ
ونشراتُ الأخبارِ تقولْ
سقطتْ بغدادُ
من المسؤولْ؟
فعلٌ مبنيٌ للمجهولْ
خُذ مثلاً
في الوطنِ العربيِّ
ترى أنهارَ النّفطِ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمُ أيضاً
مثلَ الأنهارِ تراهُ يسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
والدّمعُ
وأشياءٌ أخرى
من كلِّ مكانٍ في الوطنِ العربيِّ تسيلْ
لا تسألْ عن سعرِ البرميلْ
فلكلِّ زمانٍ تجّارٌ
والسّوقُ لها لغةٌ وأصولْ
أمّا نحنُ البُسطاءُ
فأفضلَ ما نفعل
أن نفرحَ حينَ يفيضُ النّيلْ
أن نحزنَ حين يغيضُ النّيلْ
أن نرقصَ في الأفراحِ
ونبكي في الأتراحِ
ونؤمنَ أنَّ الأرضَ تدورُ
بلا تعليلْ
والموتُ هنا
مثل الفوضى والرّيحِ
يجيءُ بلاسببٍ
وبلا تعليلْ
والحربُ هنا
حدثٌ ميتافيزيقيٌ
فاعلهُ إنسانٌ مجهولْ
وضحيّتهُ أيضاً مجهولْ
هذا تفكيرٌ عربيٌ
عمليٌ
شرعيٌ
مقبولْ
في زمنٍ فيهِ حوادثنا
كمذابحنا
ومآتمنا
أفعالٌ تبنى للمجهولْ
فعلٌ مبنيٌّ للمجهولْ
عفويٌ
مثل شروقِ الشّمسِ
بديهيٌ
مثل التّنزيلْ
أمرٌ مفروضٌ
حتميٌ
وقضاءٌ مثل قضاءِ اللهِ
بلا تبديلْ
فعلٌ مبنيٌ للمجهولْ
وعلينا أن نصبرَ دوماً
فالصّبرُ جميلْ
ما أسخفها تلكَ الجّملةُ
” الصّبرُ جميلْ ”
ولدتْ جملاً أخرى تُشبهها
خُذ مثلاً
الخوفُ جميلْ
الذّلُّ جميلْ
الموتُ جميلْ
الهربُ من الأقدارِ جميلْ
وجميلٌ أن يُقتلَ منّا
في غزّة يوماً
مائةُ قتيلْ
وجميلٌ أن ننسى في اليومِ التّالي
فالنّسيانُ جميلْ
وجميلٌ أن تأتينا أمريكا
بجيوشٍ وأساطيلْ
وجميلٌ أنْ تحترقَ الأرضُ
فلا يبقى زرعٌ ونخيلْ
وجميلٌ أنْ تختنقَ الخيلُ
فلا يبقى نزقٌ وصهيلْ
وجميلٌ أنْ تتهاوى كلُّ عواصمنا
كي تبقى
دولةُ إسرائيلْ
ياربِّ.
كفرتُ بإسرائيلْ
وكفرتُ بكلَِ حوادثنا
المبنيّةِ دوماً للمجهولْ
ياربِّ
كفرتُ بإسرائيلْ
هي وهمٌ
كالنّملةِ
والبّقةِ
نحنُ جعلناها كالفيلْ
وتركناها
تتدحرجُ فوقَ خريطتنا يوماً كالفيلْ
وتدوسُ علينا مثل الفيلْ
وتدكُّ قُرانا مثل الفيلْ
ياربِّ
كفرتُ بإسرائيلْ
هذا الوهمُ الملتفُّ على الأعناقِ
إذا قررنا يوماً
سوفَ يزولْ
ياربِّ
كفرتُ بإسرائيلْ
الموتُ الموتُ..لإسرائيلْ
الموتُ الموتُ..لإسرائيلْ
الموتُ الموتُ..لإسرائيلْ