السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / الصراع بين التصادم الايديولوجي وحقيقة الانتماء

الصراع بين التصادم الايديولوجي وحقيقة الانتماء

الصراع بين التصادم الايديولوجي وحقيقة الانتماء

بقلم طالبة الماستر فاطمة قبيسي
قراءة في رواية في قلبي أنثى عبرية، للكاتبة الدكتورة خولة حمدي…

تتجاوز الرواية السبعمائة صفحة، فيها تحاكي شخصيات متناقضة وأخرى متشابهة، صادرة عن دار كيان للنشر والتوزيع،…قصة حقيقية تعرفت عليها الكاتبة من خلال موقع التواصل الاجتماعي، و زادت عليها من خيالها و ضوضاء لاوعيها.
يحمل العنوان سيميولوجية مستفزة،تنهض بالقارئ، كانها منشط لإيديولوجية غريبة، مكبوتة بالرفض، و اذ بها تحلق عنوانا لرواية عربية، يستدعيك القلب لمعرفة ما في داخله، و اذ فيه أنثى عبرية،فيبدأ التصادم عند القارئ، قبل حتى البدء بقراءة الرواية، ولعله مؤشر مخيف و ممغنط يجذب و يطرع العديد من الاشكاليات.
لماذا الانثى و ليست المرأة؟
و لماذا عبرية؟و هل الحب يعرف دينا؟وهل يعرف انتماء؟
العنوان لم يختزل الرواية بأكملها، فالقضية أعم و أشمل.
تمتص رواية “في قلبي انثى عبرية”الحقد المتربص في عقول الهويات الدينية،كأنها تحقق الحلم الذي يحاكي السلام بين اليهود و العرب،و سهولة عدول اليهود عن دينيهم وانتمائهم و اعتناق الاسلام،لعل الخيال يصبح حقيقة،الا ان الكاتبة تجعل القارئ في تماس مع حقيقة الانتماء والصراع الذي ينشأ في تغيير الأيديولوجية.
تنوعت شخصيات الرواية في معالم واقعية، رسمت لوحات من الالتزام و الانتماء، في شخصية أحمد وحسان، المقاومين اللبنانيين تجاه الاحتلال الاسرائيلي و ثورتهم اللاجمة عن مجزرة قانا، والابوة المفرطة لدى جاكوب اليهودي و احساسه بالبرود القاتل تجاه اسرته اليهودية، التي لا تشعره باحاسيس الحب و الدفء، كأن الكاتبة تنقل لنا الجو العام للاسر اليهودية، لما تتمثل من برودة واهمال للمشاعر الانسانية،كما تفعل تانيا زوجة يعقوب(الاسم المعرب لجاكوب و الذي كانت تناديه به ريما)تجاه اطفالها بتنمية عقولهم بالعلم و اهمالها لهم من الناحية العاطفية التي أثرت على جاكوب كثيرا، فهو اب حنون و زوج جيد، تعرفنا على هذه الصفات من خلال مساعدته لزوجته في تنظيف المائدة، و حرصه على أولاده باسكل و سارا، لعله كان ينتظر مقابلا منهم، حتى اللمسات الحنونة كان يفتقدها،ربتهما تانيا جيدا و زرعت فيهما بذور العبقرية، الا انهما كانا يتصفان بالبرودة و النضج اللافت و عدم الاستمتاع بطفولتهما كسائر الاطفال،
تجلت الرواية بتصادم بين شخصية تانيا الزوجة قاسية مشاعر التي كانت تقسو على ريما، الفتاة التونسية المسلمة اليتيمة فعمدت تانيا الى ترك المنزل مهددة زوجها جاكوب بعدم رجوعها اليه ان لم تترك ريما المنزل،قسوة قلبها امام قلب جاكوب الحنون الذي يحن على ريما الفتاة الذي عمل من نفسه ابا و اخا لاجلها و شعر معها بالحب و الحنان الذي عوضه على اثر النكوص العاطفي الذي ترك اثره العلاقة الباردة بين زوجته و بينه و طفليه،كان الكاتبة تشير في لاوعيها بين تحرك الشخصيات، ان الاسلام هو حالة من الهدوء و الحب و الحياة،و غيابه يملأ العالم بالقسوة و البرودة حتى لو كان انتماء جاكوب الى اسرته وراثيا و يحمل رابطة الدم، الا انه انتمى الى ريما و كانت ابوته اليها حياة يعيشها في منزل يفتقر الى الحياة،و هذا التصادم بين الزوجين(تانيا و جاكوب)،يرثي لنا علاقتهما الزوجية الفاشلة،و نجد جاكوب مستسلما لقرار تانيا و لم يواجهها في عدم ترك ريما المنزل، من جهة أخرى تضعنا الرواية امام شخصية ،ندى اليهودية الانتماء،من اهل مختلفين في العقيدة،امها سونيا اليهودية التي هربت من زوجها المسلم(والد ندى و دانا) و تزوجت مسيحي، و كانت حياتهما الى حد ما جيدة، متفاهمين او بالاحرى، سونيا تقوم بكل ما يحلو لها، متسلطة،شخصية تشبه شخصية تانيا،في تعصبها لديانتها و عدم تقبل الاسلام و الذي ازداد كرها بزوجها “سالم”، كانها تفيض بالكراهية ليس فقط على الاسلام انما على الديانة المسيحية، و ظهر ذلك عندما طلب خطيب دانا بعقد مراسم الزواج على الطريقة النصرانية، و قابلته بالصد، و تغيرت معالم وجهها،كانها تريد الكاتبة ان تبين لنا تعصب اليهود و عدم انفتاحهم على الاخر، و لكنها تعدل في اخر الرواية و كانها تعيش الخيال دفعة واحدة،دانا تشبه امها، و ندى الفتاة المعتدلة المحافظة، التي استقبلت مقاومين و اسعفت احمد، على رغم من انتمائها اليهودي المتعصب، الا انها تحلت بإنسانية الاسلام و حب المسيحية،صفات ورثتها من ابيها المسلم، و من ذكائها المفرط في معرفة كل ما يدور حولها،وقعت في غرام أحمد، الرجل الشرقي المسلم الذي ينتمي الى المقاومة الاسلامية، و الذي ترسمه عادات اهل الجنوب من التزام و شهامة و تدين،الا انني أغالط الكاتبة في نقطة و هي اباحة النظرة الشرعية، و كان هناك نظرة شرعية للمرأة و نظرة محرمة،فالمرأة تحترم في الاسلام احتراما شديدا، و كل نظرة لها تقاس على اساس عقلها لا جمالها، الا انني لا اراها سقطت من الكاتبة سهوا، فالفتاة اليهودية انتبهت لهذه النقطة، و احمد الرجل الذي لم يخالط فتاة بحجة الالتزام غفل عنها،هل هي محاولة من الكاتبة جعل اليهود ابطالا،؟و هذه نظرة التأمل استفزتتي و خاصة حينما بررتها الكاتبة بأنها نظرة شرعية، على لسان ندى الذي تخابطت هي و نفسها من جرأة أحمد و ثقته بنفسه، عندما اتى و اقتحم قلبها و طلب يدها،و تبادلا النظرات و كادت نظراته لها تقمحها بمتاهة،و كيف خاطر احمد و اتى طالبا يد ندى، و هو يعلم تعصب اليهود؟و هل حقا الرجال المسلمون قادرون على الزواج من امرأة يهودية تربي لهم اولادهم؟الكاتبة جمحت في الخيال و ابرزت نتائج الزواج الاسلامي اليهودي في سلبياته على رغم من عزفها غير المباشر عن ذكره، الا ان الانتماء عند الكاتبة ظهر متقهقرا، فعادات الانسان الدينية غير قابلة للتغيير، و لكن جاكوب عدل عن دينه، عقب استشهاد ريما.
رواية تحمل ابعادا فلسفية مرمزة بخبايا نفسية،الكاتبة و مواقف الشخصيات حملوا بعد الانا الاعلى (حب جاكوب لريما و شعوره بالذنب تجاهها)،ان كانت ريما تمثل الاسلام و نزفه من قبل تانيا المراة اليهودية، فجاكوب يمثل تخاذل العرب تجاه لبنان، و ندمه يمثل ندم العرب في الحرب حين شاهد العالم كله مجزرة قانا و الجرائم المرتكبة بحق اللبنانيين،
و شهدت الرواية تأرجحا بين الهو و ارتكاب السادية ، التي تبنى الموقف اهل ندى، و كانت ندى تتحاشى من الحوار معهم لانهم سيتهكمون عليها،
لانها كانت ضد ما يحصل في لبنان من تهكمات و اغتصاب الاراضي،لكن ما الذي دفع بسونيا بالبقاء في لبنان و عدم ذهابها الى اسرائيل و العيش هناك؟فهي تعتبر فلسطين حقا من حقوق اليهود، ما الذي دفعها الى عدم الاستمتاع بهذا الحق؟
اعلنت ندى اسلامها و سارا ابنة جاكوب اسلمت ايضا،لقد رأوا في الاسلام الحرية و الامان و الدفء، و علاقة ندى و سارا كانت جيدة، فوليدة صداقتهما افادت ندى في اتخاذ قرارها و عدم الزواج من حسان، و استسلامها الجميل لحب المراهقة، حب أحمد،الذي تعرض لفقدان ذاكرة، و ظل يبحث عن هويته و انتمائه بين جون و احمد،فالانتماء الحقيقي لا تمحيه ذاكرة،هو هوية الانسان، و لا يمكن الانسان انكار ذاته،التزام احمد كان رومانسيا الى حد بعيد.و صداقة أحمد و غسان كانت صداقة قوية على رغم كل الظروف الخائبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.