على شاطئ المرجان (قصة)
2017-01-17
قصة وسرد, واحة الشعر والخواطر
517 زيارة
بقلم الأديبة سهام صبرا الكسواني
على شاطئ المرجان
…هناك عبر مكان قريب من الشاطئ ..يجلس الصياد يتمتم ..يحاكي نفسه لعل صوته يصل إلى تلك السمكة ….القابعة نحو العمق مخاطبا إياها:
أنتِ أزليةُ الخرافة.. ﻷنك انت الحورية التي.. تحدث عنها العشاق….ترسمينني على سعف النخل.. وأوراق الخريف..كهديل عشق يرتعد من دون الوصول إليك …
سمعت تلك القابعة نحو العمق… صوتا كان يدوي بسكون يخالطه نشيج حزين…حتى بدأت تتراقص فوق الماء لعلها تهتدي حيث يقبع ذاك الصياد…. يرقب الموج يمنة ويسرى …لعله يهدأ قليلا ويجد ضالته..
طاشت على وجه الماء تغني للفضاء حتى المغيب ..ثم تغوص نحو عمق البحر.. باحثة عن خباياه وأسراره العجيبة…وتعود مرة أخرى تغني للحياة…هي حرة طليقة غير مقيده… وفي لمحة بصر رآها الصياد… وهي ترقص على وجه الماء..وكلما رأته.. تهرع سريعا حيث جبال المرجان…وتعود مع شروق يوم جديد..ومن بعيد لمحت شيئا يرقص حولها وإذا هي سنارة تحاول النيل منها…وسمعت صوتا رخيما ينادي عليها…:
تعالي أيتها السمكة..فإني لن أرى لك مثيلا…ولو علمت أنك هاهنا دوما ما كنت غادرت الشاطئ ابدا …فتعالي حدثيني هنا ..أوليس للبحر حوريات عجيبة …. تعالي… فإني أرى في عينيك صمتا مطبقا…مقفلا…
قالت: أيها الصياد..إني هنا منذ زمن.. تعودت البحث في الأعماق..والعيش في الماء…فلن أدع أحدا يخترق حصوني وعالمي …فحصني الذي أقبع به بين أشحار المرجان وتحيط بي اللآلئ من كل جانب… هو متكئي ومكمن أسراري … فلا حاجة لي بك..ولا ﻷن افجر بين يديك صمتي…وإن اتيت إليك سوف أموت حتما…ففي البحر حياتي…وعلى الشاطئ موتي المحتم…
وهنا..أصبح الصياد في دهشة عجيبة.. وقد راهن نفسه على النيل منها…
فقال لها مراودا:
ايتها السمكة تعالي هنا هلمي إلي.. فإني لك ناصح امين..
فنظرت إليه السمكة بكل ذكاء وقالت:
إني قد غزلت من خيوط المرجان قصرا لي…وقد جعلت فيه متاعي…وكل أشجاني وحنيني إلى البحر.. …فلن أترك موطني وقراري ابدا…وبدأ الصياد يلوح بسنارته يمنة ويسرى… محاولا النيل منها.. ولكنه كان يفشل في كل مرة ..فارتعدت خوفا وغاصت حيث العمق … وحينها ايقن تماما بأنه كهديل عشق يقبع فوق أوراق الخريف..ثم جلست تلك الحورية على صخور المرجان …لتنقش عليها قصتها مع الصياد …التي جعلت منها قمرا يضيئ عتم ليلها…وشمسا تسطع بين ترهات نهارها…وهنا…بقي الصياد يرتاد على الشاطئ ليلا ونهارا ..ينتظر السمكة حتى تعود…وهو يغني مع موجات البحر…لحنا شجيا حزينا…وهي تسمع ذاك اللحن وتبكي…رغم انها جعلت بينها وبينه.. سدا منيعا.. حيث كانت تقبع في الاعماق.. وكلما غادر ذلك الصياد..كانت تطفو على وجه الماء تغني للحياة.. وهو ينتظر عودتها….إليه ..فهي حتما لن تعود !
…..
سهام الكسواني
من كتابي ((أزهار وأشواك))