بقلم المحلل النفسي للأدب د. أنور الموسى
إعدام مريض!
رامي شاب طيب، ترعرع على الكفاح والعمل والدراسة. كان متفوقا في دراسته وجامعته. تخصص في غير تخصص، وحين وصل إلى مرحلة الدراسات العليا، أصيب بحالة نفسية، على الأرجح نتيجة صدمة من كوارث الحرب. احتار ذووه في شأنه، لم يصدق أحد ما يحدث، تصرفاته باتت غريبة، لاحظ المجتمع تصرفاته، فبات حديث الناس وسخريتهم ونكتهم… رفض المسكين العلاج، لكن مع تفاقم وضعه، أصر ذووه على علاجه.. بالقوة، نقلوه إلى أحد المستشفيات المتخصصة بالحالات النفسية، حيث شخصت حالته، وبدأ يمتثل للعلاج… وتحسنت حالته إلى بشكل كبير، إلى أن رجع إلى حالته الطبيعية…
المجتمع، رفضه، تقدم إلى غير فتاة… ترضى بداية الأمر… لكن حشرية ضعاف النفوس تلعب برأسها.. ثم ترفض… وهكذا.
القصة السابقة تطرح اشكالية الوصمة الاجتماعية على ساحة البحث…ونسأل:
لماذا يحكم على المرض النفسي بالإعدام؟…
في الحقيقة، هناك جهل خطير في مجتمعاتنا بماهية المرض النفسي… فالمريض النفسي كأي مريض بداء عضوي.. يحتاج إلى علاج.. وبات علاجه متوافرا، بل في حالات جمة يشفى نهائيا؛ أو يتعالج بالعقاقير لمدة محددة أو مدى الحياة؛ فضلا عن علاج نفسي من خلال جلسات معينة…
المريض النفسي عندنا محكوم عليه بالوصمة الاجتماعية السلبية… فينتقد المسكين كأنه اقترف جرما… وقد يمسي مثار سخرية الآخرين المتفلسفين الذين هم، في نظري، ضعاف العقول وسخرية النفاق والدجل…
والظلم الثاني الذي يلاحق المريض النفسي بعد أن يتعافى، فيتحاشاه الناس… وقد ينبذونه… ويلومونه على وضع لا ناقة له فيه ولا جمل.
والأخطر من ذلك؛ أن المجتمع يجهل تطور حالته.. ويصفه زورا بالجنون…
المريض النفسي إنسان طيب بطبعه…ابتلي مرة بصدمة أو خلل دماغي ما أو… فمن المعيب أن نحمله ما لا يطاق… بل المنطق والأخلاق يفرضان على كل عاقل مساعدته على الانخراط في المجتمع والعمل وتكوين أسرة…لأن أي فرد منا معرض لداء شبيه…والكمال لله.
وبعد؛ بربكم… من المجنون..؟ أليس مجتمعنا (بعضه أو معظمه) مريضا يحتاج إلى علاج؟
(ملاحظة: الصورة لا علاقة لها برامي او المريض النفسي، لكن استعنا بها فقط للمقارنة، كون من يحكم على المريض النفسي بالجنون أو لا يتقبله او لا يساعده، شبيه جدا بمن يعدم الأطفال)