انعقد في نقابة الأطباء في لبنان “المؤتمر العلمي للعلاج بالفن واللعب والإبداعية”، الذي دعت إليه جمعية “المسرح للحياة” ومجموعة من المعالجين النفسيين الذين يتابعون تدريبا ويعملون بطرائق وسبل المنهج الكلي الذي أسسه العميد البروفسور جان داود، بناء على أبحاثه التي بدأها العام 1981 وقام بتطبيقاتها الأولى في محترفات عمل مع الأطفال تحت عنوان “التربية الإبداعية”، ومع بعض الممثلين المتدربين، ومن ثم أدخلها الى الجامعة بدءا من العام 1986 في إطار “محترف التمثيل والنصوص” ومن ثم الى اختصاص علم النفس بناء على طلب رئيسة قسم علم النفس الدكتورة نورا كاسباريان، وبالتالي استخدمها في إطار التدريب على مناهضة العنف وبناء السلام، في إطار إعادة تأهيل المدمنين، وطورها تحت عناوين “دراماتورجيا الممثل”، و”دراماتورجيا الجسد”، و”دراماتورجيا المشاعر”. وقد أتى الوجه العلاجي من المنهج الكلي الذي تدربت عليه في مختبر داود مجموعات متعددة طيلة ثلاثين عاما تحت مسمى “العلاج باللعب والإبداعية والفن”.
حضر المؤتمر رسميون وممثلون لكل من قائد الجيش ورئيس الجامعة اللبنانية ومدير المخابرات ومدراء عامون، وأساتذة جامعيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان واختصاصيون ومعالجون نفسيون وخريجون وطلاب في اختصاص علم النفس.ووجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسالة قال فيها: “لمناسبة انعقاد “المؤتمر العلمي للعلاج بالفن واللعب والإبداعية” الذي تقيمه جمعية “المسرح للحياة”، يعرب فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن تقديره لنشاطاتكم في سبيل دعم الحياة الثقافية في لبنان، والقضايا الإنسانية والاجتماعية والتربوية، عبر المقاربات الفنية والإبداعية، متمنيا لكم دوام التوفيق والنجاح”.
الندوة الاولى
الندوة الأولى كانت بعنوان: “اللعب، والفن والإبداعية” مرتكزات أساسية في العلاج النفسي ومناهضة العنف، وأدارتها الدكتورة بولا كلاس (أستاذة في الجامعة اللبنانية باحثة ومعالجة نفسية). وقدمت الدكتورة كريستيل نصار (أستاذة في الجامعة اللبنانية متخصصة في علم النفس والفن في آن ومن المتخصصين في منهج داود) المؤتمر وتحدثت عن أسبابه وضروراته، وعرفت بالتالي في مداخلتها التي حملت عنوان: “الوجه العلاجي النفسي لمنهج داود” بالمنهج وبعض معالمه ومرتكزاته العلمية وتاريخيته. وبررت فاعليته بالاستناد الى علم الأعصاب الحديث ومقارنتها بالمواقف الفلسفية”.
وختمت الدكتورة كلاس الندوة قائلة: “بدا منهج جان داود نقطة التقاء بين نظريات علم النفس وخبرته (داود) في الفن وتطبيقاته الواسعة التي قام بها في مجال دينامية الجماعة. وهذا يتلاءم مع ما تصبو إليه التوجهات الأحدث في علم النفس، أعني بها علم النفس الاندماجي. ونحن نسعى في العلاج حاليا الى المقاربات التي تشمل تعددية الميادين…”. الأمر الذي أكدته الأستاذة ميراي نصرالله (معالجة نفسية ومن أوائل المتدربين مع جان داود في العام 1986)، في شهادة عن تجربتها. وأشارت نصرالله إلى أن تدربها مع داود أثار اهتمامها فبحثت وتابعت تدريبات بمناهج عالمية علمية بحثا عن خبرة مشابهة. إلا أنها لم تجد ما يساوي منهج جان داود فعلا وفاعلية، هذا المنهج الذي يقدم الجسد واللعب والإبداعية ويطرح قيما كـ”القداسة المدنية”، وباتت على قناعة تامة أن عليها أن تتابع أطروحة الدكتوراه استنادا إلى منهج داود على ضوء تطبيقاتها له في مؤسسات متعددة ومع المساجين.
واضاء المشاركون المختلفون على أوجه أو أخرى من منهج داود. فقدمت السيدة سيسيل لونجيه (متدربة في مختبر داود) شهادة عن تجربتها في مختبر داود وبينت بعض خصوصيات هذا المختبر ومنهجه في العمل، وتوقفت عند أهمية الجانب الجسدي في منهج داود وعند الدور الذي يلعبه هذا الجانب في حث الذات على التخفيف من المقاومة لإبراز مسائل إشكالية مكبوتة تأخذ مسارها الى الحل في إطار اللعب. وأكدت هذه النتيجة الأستاذة رشا الابراهيم (معالجة نفسية ومتدربة بحسب منهج داود)التي قدمت شهادة عن اختبارها كمتدربة في مختبر جان داود عرضت فيها للكيفية التي حصلت فيها مصالحتها مع ذاتها وكيف أن هذا “الاستصفاء” (كما يدعوه داود) كان مدخلا لاختبار روحاني وحياتي. مصالحة ظهرت أيضا في مداخلة الأستاذة غنى حيدر (معالجة نفسية ومتدربة بحسب منهج داود)التي أتت تحت عنوان “نعم، لقد أعدتم طفولتي!”. أكدت حيدر: “في الجلسات مع داود وجدت حريتي، واكتسبت القدرة على اتخاذ قراراتي بنفسي بدلا من الخضوع لما فرض علي منذ طفولتي، فتمكنت من إجراء تغييرات جذرية في حياتي حثت بدورها من حولي على إعادة النظر في مفاهيم كبروا معها”. الأمر الذي تثمره الأستاذة كارولين حنا (معالجة نفسية ومتدربة بحسب منهج داود) في مداخلتها: “السعي إلى الذات في الإنسان المطلق وتحريرها في منهج جان داود”. إذ بعد عرضها للمتحققات من التكوين والتدريب لديها أعلنت أن هذا المنهج يحمل سبل مناهضة الطائفية والتعصب التي عانى منها لبنان طويلا، وفيه بذور تحرير الفرد والمجتمع. وأصرت على ضرورة نشر منهج داود كمدرسة جديدة وشاملة. ورأت الدكتورة ديزيره قزي (أستاذة في الجامعة اللبنانية، باحثة ومعالجة نفسية) مختتمة الندوة الثانية التي أتت تحت عنوان: “الحماية النفسية والتغيير وإعادة تشكيل الذات باللعب والفن والإبداعية” أن المؤتمر “كان رائعا، وشاهدت فعل التغيير بهذا المنهج. كيف يعطي معنى إيجابيا للألم ويحوله الى أمر بناء، يسهم في بناء الذات”.
وقد ذهب محاضرون آخرون الى البحث في ربط منهج داود ببعض المرتكزات العلمية السابقة. فتكلمت الدكتورة جنات أبو نصر (أستاذة جامعية ومعالجة نفسية وقد سبق وتابعت منهج داود كطالبة علم نفس في بداية التسعينات) تحت عنوان : “الفن وتحرير الذاتية”. وقد أضاءت على المنهج وأهمية مخزونه العلمي معتمدة في شرح الأوجه التي تناولتها منه على مصطلحات علم النفس التحليلي والسيكودراما – وإن كان منهج داود يتمايز عنهما في ممارسته وفاعليته – لتبرز فاعليته وجدته معتمدة المصطلحات التي سبق وباتت في المتداول العلمي العالمي. كما أضاءت مداخلة الأستاذ جمال ياسين (معالج اضطرابات المفصل الفكي الصدغي الناتجة السيكوسوماتية وهو من طلاب داود)، وهي بعنوان: “أداء المدرب وأثره على متلقي التدريب”، على الجانب الإعدادي في منهج داود. وتناول المدرب في العلاج باللعب والفن والإبداعية، وأشار إلى إبداعية المدرب في منهج داود والى العلاقة مع المكان والزمان والأشخاص والضوء والمجال والنشاطات والمشاعر والروابط التي نشأت بين المتدربين وبينهم وبين المدرب وما زالت تتنامى، كما تناول في ورقته التعبير والنواحي اللفظية واللالفظية مفاضلا هذا المنهج استنادا الى نظريات فرويد ولاكان وليفين. وتوقف عند أهمية المدرب الذي يكونه داود وعند دوره وخواصه التي يمتاز بها عن مماثليه في مدارس وتيارات أخرى وعن الفائدة التي يحصدها المتدربون من هذا التميز. وقدمت الأستاذة رانيا طالب ( تربوية ومعالجة نفسية تابعت دورة تدريبية مع داود) شهادة عن اختبارها كمتدربة مع داود تحت عنوان “رحلة إلى الذات” تعرض فيها لأهمية الجماعة في بناء الاختبار العلاجي عارضة لها باستخدام مصطلحات علمية.
وركز مشاركون آخرون على الجانب العملي، متناولين شهادات من ممارساتهم العملية (بالطبع مع احترام خصوصية الحالات). فتكلمت الأستاذة رانية الصوص (مهندسة ومتخصصة نفسية من طلاب داود) تحت عنوان “تسللت إلى ذاتي عبر اللعب”، لتربط بين ما تلقته في التدريب مع داود والطريقة التي طبقت بها هذه الخبرة مع متدربين تسهر على معالجتهم، مبرزة الإبداعية واللعب من منهجه وتأثيرهما على تشكيل الذات لديها والإفادة منهما في خدمة وتدريب أشخاص من أعمار وهويات مختلفة لمعالجة مسائل ترتبط: الهوية، الخجل، التعامل مع الأقران، الصعوبات الحسية – حركية، التعامل مع التكنولوجيا، العدائية، وتفتح المواهب”.
أضافت: “وقد وجدت لدى المتدربين الصدى الذي لمسته فعله علي إبان جلسات العمل مع داود”. فيما توقفت الأستاذة ريبيكا اسبانيولي (معالجة نفسية ومتدربة بحسب منهج داود) عند إحدى تقنيات داود الأساسية: “الكتابة كاستمرار لجلسات اللعب أو التدريب”، لتعرض لها عبر تجربتها وتتحدث عن فعل هذه التقنية في المصالحة مع الذات ومع الهوية واستعادة حس الانتماء، ولتبين الفعل العميق والتغيير الممكن بمنهج داود على المستوى الفردي والعام”. وتوقفت الأستاذة دلال حلبي عند سرعته في الفاعلية في شهادة حملت عنوان “فاعلية اللعب والإبداعية بحسب منهج داود مع ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن” استندت فيها إلى تمارين مرت بها في دورة تدريبية قصيرة مع البروفسور داود وطبقتها مع ذوي الاحتياجات الخاصة ومع كبار السن وحققت فرحا كبيرا حولها ونتائج غير مسبوقة بالرغم من مرافقتها سابقا لهم بموجب تقنيات علاجية أخرى لمدة من الزمن. وأما وعد شرتوني (معالجة نفسية في مستشفى الصليب للأمراض العقلية والنفسية ومتدربة بحسب منهج داود منذ أربع سنوات)، فتحدثت عن “التكوين” أو “لا فورماسيون” معتبرة ما خبرته في هذا المنهج هو التكوين لما فيه من شمولية… وأكدت أن منهج داود الإعدادي الموجه الى المعالجين، ورغم شموليته، فهو وإن تقاطع مع مقاربات تربوية أخرى، لا يستقي منها ولا يشبهها. وتحدثت عن التغيير الذي لمسته في مسارها الخاص، وعرضت للمفاعيل والأصداء الاستثنائية التي أحدثها استخدامها لمنهج داود في عملها مع مرضى في مستشفى الصليب للأمراض العقلية والنفسية، كما تكلمت عن الصدى الملفت والمتميز الذي لقيه عملها لدى طلاب جامعيين ومتدربين حضروا جلسات العلاج في المستشفى.
وقد أشار العديد من المشاركين ضمن مداخلاتهم في المؤتمر الى نتائج عملية ملموسة في تطبيقات له على الأرض، تنوعت في فئاتها المستهدفة لجهة السن، والدافع للعلاج، والخلاصات الإيجابية التي حصلها المستفيدون منه. ومن الملفت ما أثاره المؤتمرون وأكدوه بشأن جديد ما يحمله المنهج على مستوى المقاربة الفلسفية وطروحاته العلمية وتقنياته حيث قدموا شهادات عن الأثر الاستثنائي لمنهج داود في تجاربهم الشخصية كمتدربين وفي ممارستهم المهنية العملية كمعالجين في بيئات وحالات متنوعة ومختلفة، كما قارنوه مع طرائق علاجية أخرى ليبينوا فاعلية جد خاصة لمنهج داود، أكثر أمانا، أعمق، وأكثر سرعة وقدرة على التغيير.
وهو ما ختمت به الدكتورة جيزيل قزعور (أستاذة في الجامعة اللبنانية، باحثة، ومعالجة نفسية)الندوة الثالثة من المؤتمر التي أتت بعنوان: “التنمية الذاتية والنهوض بالإنسان، باللعب، الفن والإبداعية” باعتبارها منهج داود في العلاج والتنمية النفسية منهجا جديدا: “هو جديد وعلاجي بالنسبة الي. هو فريد من نوعه… جديد بالنسبة الينا والروح العلمية موجودة فيه… وقد ألهمني لدراسات علمية لهذا الموضوع… فيه خبرة كبيرة في مجال العلاج النفسي. لكن الصورة الجديدة التي أعطانا إياها المؤتمر غير مسبوقة، ولم أشاهد مثلها سابقا. كما أني لاحظت التطور الحاصل لدى المشاركين الذين عرفتهم وبدا واضحا لديهم إثبات الذات. لقد أثبتوا نفسهم من خلال هذه الـفورماسيون أو التكوين على الصعيد المهني وعلى الصعيد الشخصي… وأصر، وبكل ثقة وصراحة، أننا تعلمنا الكثير من هذا المؤتمر”.
المصدر: الوكالة الوطنية…ومشاركون