بقلم ربيع عرندس
ها قد التقينا ثانية في المكان الذي اتفقنا عليه ، حيث رأيتك أول مرة . ذكريات جميلة مرت أمام ناظري ، تفاصيل كثيرة جالت في مخيلتي ، بل وأكثر من ذلك ، كل الأشياء من حولنا لم تتغير ، كل ما في هذا المكان يشعرني بالأمل والسعادة ، فما كان في ذلك اللقاء من لحظات رائعة يجعلني أشعر بأن هذا المكان هو أجمل مكان أراه في حياتي .
“أصدقيني القول ، تريدين استعادة ما تبقى من ذكريات اللقاء في هذا المكان ؟!” ، قابلت سؤالي بابتسامة خفيفة ، ثم راحت بناظريها يمنة ويسرة ، حدقت – لبعض الوقت – بالكرسي الذي كان محور قصتنا ، تارة تبتسم ابتسامة عابرة ، وطوراً يغلب على وجهها حزن شديد ، بعد ذلك نظرت إلي للحظات قليلة وبدا عليها الارتباك .
“ما حسبت صمتك إلا خبراً أجهله ، فهلا أعلمتني بما يجول في خاطرك؟ ، لعلك تهدئين من روعي ، وتشفين غليل القلق الذي انتابني طوال تلك اللحظات الطويلة ، ولربما تعطيني الجواب الأخير عن ما اجتمعنا من أجله.”
سيدتي ! أرجوك ، إن كان لديك ما تخبريني به ، وليس لديك الجرأة على البوح بما يختلج من مشاعرك ، فارمي بها في نهر جار ، لعلي ألحق بها ، فألتقطها ، فألتمس محتواها ، لعلي ألهث بسببها ، فأخفق في الإمساك بها .
مرت لحظات صمت أخرى ، فرأيتها تخرج ورقة مطوية داخل قارورة مغلقة بإحكام ، ثم اقتربت من النهر الجاري الذي كان قريباَ من المكان الذي وقفنا فيه ، فأصابتني الدهشة حينما رأيتها ترمي بتلك القارورة إلى ذلك النهر ، ثم اقتربت مني وهمست قائلة : إن أردت الجواب فالحق بتلك الورقة التي رميتها ، فما كان مني إلا أن تبعت مجرى النهر وركضت مسافة طويلة ، حتى ما عدت أستطيع الاستمرار أكثر ، جلست في مكاني ، استرخيت على الأرض قليلاً ، لألتقط أنفاسي ، وأنا أفكر بما حدث ، وبعد أن ارتحت ، عدت إلى مكان اللقاء سيراً لا جرياً.
تلفتُ من حولي ، فلم أجدها في أي مكان ، حاولت البحث عنها لكن دون جدوى ، عدت وألقيت نظرة إلى النهر ، ثم إلى مكان اللقاء ، ثم تذكرت تلك الورقة التي ذهبت مع مجرى ذلك النهر، وبقيت متسمراً في مكاني ، أفكر فيما كانت تريد إخباري به عن طريق تلك الورقة ، فلم أجد إجابة عن أسئلتي ، ولا منجاة من حيرتي ، لقد رحلت وذهبت كلماتها معها ، وأصبحت أعيش في دوامة لا مخرج منها ولا سبيل.
ربيع عرندس