بقلم مريم علي بشروش
كنت على حذر دائماً من ان لا اقع بالدّاومة التي تسمى الحب .. أن لا يسقط عليّ جرم العشق ولكن ما لبث ان سقط.. حين رأيت ملامح وجهٍ سمعت دقات قلبي تتراقص معها… وضوءا ألقته عيناه شتت افكاري ط، وتعثّر هذا الفؤاد وبدأت القصة .. فكانت جلسة غريية في مقهى، القيت نظرة في كل الوجوه الموجودة… فجدتها غريبة ومظلمة عدا ملامح ذاك الجميل.. فكل تفاصيله كانت مألوفة .. وكل تفصيلة عانقت جزءا منّي .. ولطالما طرحت السؤال نفسه مرات عديدة .. ولم اجد ايّة اجابة ! وفي كلّ مرّة اقسو بكلماتي وادعي انّني قوية لا يهزمني رجل .. اجد أن حبه تغلغل داخلي، أقسو كي لا يتمختر الوقت أمامي و لا ألتقيه… كي لا تنسف هذه الدقائق روعة الحضور ، أخاف انتصاف الاشياء .. فأقسو لعنة للغياب .. فكرة غيابه تذبحني من الوريد الى الوريد .. فقصتي معه ، تشبه قصة طفلٍ لا يستطيع العيش دون امه .. لا بل كقصة مريض يعيش على الاكسجين .. ومن دونه يفقد الحياة .. فهو أدى دور الام .. الاكسجين .. وتجسد كياني من دون سابق اتفاق .. ترتجف يداي حين يبصر اسمه النور على هاتفي، تزقزق هذه الشرايين فرحا، وترقص تلك الدقات داخلي .. واحدة تلو الاخرى .. فكانت فِي عينيهِ السَّوداوينِ شيئا دافِئا أكثَر منْ القَهوةِ الَّتي كَانت بَين يَدينَا .. واذكر في ذاك المساء اني لاول مرّة اغمضت عيناي وتمنيت ببراءة طفلٍ سعيد أن يطيل الله هذا الدفء .. أن يطيل الله هذا المد الجميل الذي رسمته عيناي نحوه، أن يجعل الثواني هذه ممددة إلى الأبد ، أن لا ينقطع هذا الجسر الجميل الذي سرى في روحي .. وضعت كبريائي جانباً…. حدّثتك من دون اذن، ودخلت بابك من دون ان اقرعه.. و على غفلة بعد كل ما حدث جاءني صمته بالفرح ، دعاني لألقاه ، تأنقت ولاجله ذهبت. ولم اعلم انّي سأكون بكلّ هذا الضعف امام عينيه .. فصقيع الخجل في يدي سرعان ما ادفأته اوّل لمسةٍ عند سلام…غرقت يداي في خندق نعومة هذين الكفين، نعومة كملمس الجوري تشتم منها السلام .. الاطمئنان والحياة…
وبعد ذاك اللقاء ادركت ان الوطن لا يكمن على رقعة ارض، انما وطني كمن بين ذراعيك .. فرسمت خط الانسحاب لاني وجدت احتمال اللاحب فيك والمحال .. و بعدها علمت ان غيابك لم يكن كافياً حتى انساك ، فسلكت ذاك الطريق الموجع .. فكل الاشياء حولي تذكرني بك .. وكانت كل الدروب تقودني اليك ، و استعمر وجهك كل الوجوه التي اصادفها .. كفى .. كفى تظهر في كل الوجوه وتحبط مسعاي في تخطيك… وناجيتك كل ليلة .. لذا كان عليّ أن أناضل من أجل أن أسترد الأرض، فقل لي: كيف أستردك يا وطني؟!
قوتي و عزم ارادتي اجبراني على ان اكمل طريقي .. و نجحت وحين وصلت الى نقطة النهاية عدتَ من جديد .. وكأنك كنت واقفا” تتأمل محاولاتي للوصول دون جدوى… بعيون المنتصر على العدم ؛ فانتفضت حينها كلّ كلماتك .. ضحكاتك .. نبرات صوتك .. و حلقّت عيناك في افق عالمي ، فهزأت منّي وعلمت انّك بطل كتاباتي .. لم تهتم . لم يعنك الامر و تجاهلته .. احببتك جهراً في كتاباتي مدةٍ طويلة و سرّاً حين يستغرب من حولي ابتساماتي المفاجئة .. فكل خطوة خطوتها اليك كنتَ تخطو ثلاثاً للوراء ، و لم يكن لدي سلاح سوى الصمت و الانسحاب .. فما لي بُعدٌ بَعدَ بُعْدِكَ بعدما تيقنت ان البعد والقرب واحد .. فربّما كثرة المعجبات حولك انقى من وجودي .. و اثمن من ذاك الحب الذي نكرته ولم تمد له اي صلة .. فسلامٌ على من ابعد نفسه بنفسه ودمت لي شيئاً جميلاً…