الأحد , فبراير 23 2025

بائعة الورد!

بقلم طالبة الماستر فاطمة فرحات

بائعة الورد

صغيرة هي تبحث عن مأوى تتظلل به، تبيع الورد. هذه هي مهنتها التي تعيش منها. تتجول في متاهات الأزقة, تبحث عن معيل فلا تجد سوى الضجيج والعناء، تريد الأمان فلا تجني إلا التعب والشقاء.
فقدت طفولتها والصبا وهي تتنقل في شوارع الغاب، ووحش الزمان ينهش لحمها ويتلذذ بألمها. تقتات من نفسها من حزنها والجراح, أصبحت ألعوبة بيد القدر والبقاء. جاهدت كافحت وناضلت كل ذلك من أجل البقاء…
جميلة المنظر، لطيفة الصوت… لكن هم الزمان رمى لعنته عليها فبدت أشبه بصخرة نحتتها قطرات المياه، حياتها أصبحت كنقطة ماء في وسط الصحراء.
لطالما حلمت بأمان, بسلام, بمأوى, بمعرفة معنى كلمة حياة…حلمها بسيط لكن محيطها شرس, قلوب لا تعرف الرحمة ولا الرحمن…خطفت براءة عينيها كأم خطف ابنها “هذه هي حياة معظم الفقراء” .
اسمها أمل لكن لم تعرف معناه قط, في العشرين من عمرها. أخرجت من أحضان التعليم لتلقى في الجحيم اللعين بعد وفاة والديها في حرب مضت وهي في الثامنة من عمرها وبدأت مسيرة التعب والشقاء.
ما أصعب أن يتغير مفهوم الورد من الجمال إلى التعاسة والحرمان. من وردة إلى شوكة؛ شوكة تجرح القلب فيقطر دما”. ما ذنب هذه الفتاة كي تلقى العذاب ؟ هل السبب هو الجثث المغطاة بالدماء؟
أمضت عمرها تتعثر بالموت… تضحك له, تناديه “أقبل كي تنتهي هذه المعاناة ” لكنه يهرول مسرعا” هاربا” مبتعدا” , وكأنه يقول ابقي في الوجع والعناء فوقتك لم يحن بعد لتنعمي وتكوني من السعداء…
لم تكن يتيمة الوالدين فقط, بل يتيمة المجتمع اللئيم , فلم تلق مساعدة ولا حتى كفيلا , فظلت تنام في حضن الشوارع لعلها تجد الحنان المفقود من الإنسان, وبقي حلمها بالرخاء يكبر يوما” بعد يوم ليصل إلى السماء…
بقيت تتألم وتحلم وتصبر وتكافح , لكن في قلبها إيمان قوي بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة مهما طال الوقت, فسيأتي يوم تشعر فيه بالأمان والحنان وستكمل حياتها بالفرح والهناء…
استمر هذا الحلم يشغل فكرها حتى جاء اليوم الموعود كأم عقيم أنجبت بعد عناء مرير.. إذ رآها رجل في الستين من عمره, لا زوجة له ولا أولاد, شعر بالعطف اتجاهها ورأى فيها ابنة يدللها ويخلصها من كل هذا العناء…
بدت من شدة الفرح كسجين كان حكمه الإعدام وظهرت براءته والحبل يلتف حول عنقه…غير لها طعم الحياة لتصبح أشبه بفراشة تتنقل من زهرة لأخرى بألوانها الزاهية وتملأ الأرض حبا وعطاء…
كبرت وساعدت كل بائعات الورد لكي لا يعشن في سجن اليأس والموت البطيء. سئلت عن سبب هذا الاهتمام والمساعدة فكان جوابها: “نحن لا نستطيع إحياء ورود قد ماتت لكن بوسعنا زرع ورود أجمل للبقاء”.

من اعتاد أن يوزع الورد, سيبقى عطر الورد بيديه…

فاطمة فرحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.