السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / الهذا الحد كنت رخيصا يا أبي..لتشتري لي قلبا بخمسين دولارا؟!

الهذا الحد كنت رخيصا يا أبي..لتشتري لي قلبا بخمسين دولارا؟!

بقلم الجامعي محمد حسن دهيني

ألهذا الحد كنت ُرخيصا ًيا أبي كي تشتري لي قلباً بخمسين دولارا؟!
لـِمَ فعلتها ؟ لو تركتني ، على بوابة الحزن ، قرب وحش العتب ، والضياع ، لكنت أفضل ، من الان بكثير ، على الأقل كنت أستحق ( الفاتحة ) .
أوجع القصص هي تلك التي تبدأ من نهايتها، والنهايات يرسمها الابتداء.
تحملني الذاكرة ، على حمالة الجرحى وتذهب بي الى حيث لا مكان الا الحبر ، عشر سنوات مرّت مرور اللئام ، على ظهري ، أفضل يوم بها كان متعباً ، حد ّ البكاء.
هذه الحياة التي فتحت لك ذراعيها ، هي ، ذاتها تلك التي عصرتك ، لم يكن قتل الشهيد الحريري خيرا، فموته شلّ البلاد  التي لا ترأف بنا طرفة عين ، تجمدَ الصيف في شرايين الحياة وتعطل موسم عملك يا أبي ، فالناس الذين اتخذوا من المكيف، صديقا ، قليلون جدا .
غير أنك كنت قد وضعت حجر الأساس في بيتنا الجديد ، ثلاثة طوابق ، مع عامودين ضخمين ومثلث يجمعهما.
بعد ان ضاق بنا البيت القديم الذي ان اتسع على ضفتيه لا يصلح للسكن.
لم تكترث الحياة ، لتعبنا واوجاعنا…كان لها ان مدّت يدها ، وزرعت في ظهرك ، مرضاً ، أقل ما يمكن القول عنه ، (خبيث) ، شلّ حركتك ، لحوالي شهرين ، انه الديسك  الذي يقطع من الضعف قوة ليدمرك ، رويدا رويداً.
تراكمت المصائب علينا واحدة تلو الأخرى ، وبين البيت الجديد ونفقة العلاج ، ضاعت جيبتك يا أبي على الطريق وفي الدواء والحجارة .
كنا سبعة في البيت ، أم حنون ، وأب ، نصف مشلول فيه من الحب قلب نبي .
وأنا وأخي وثلاث بنات .
حينها لم أكن رجلاً لأكون قادرا على العمل كنت في الحادية عشرة من طيشي ، لكن ، عظمة الكبرياء في عيني مسّت روحي . وصيّرتني رجلاً ،
إن حكى أجاد ، وإن عمل فلح .
في آخر الليل ، وبعد أن نام الجميع ،حسمت ُ أموري ، واقتربت من أبي ، المغمض عينيه تجبّرا ، جلست قربه وهمست : أريد أن اشتغل.
اجابني ب لا ، التي كنت اتوقعها دائما منه. وأكمل ما دمتُ طيبا يا ولد. لن تعمل عند الناس .
لم أكن ايه حينها لفكرته تجاه الموضوع. كل همي أن احقق ما أصبو اليه .
بعد حديث طويل وبعض الحِيل التي ابتكرتها ، حققت هدفي وقبل معي ، لكن. بشرط ، هو ان اعمل عند صاحبه في صيانة الجرافات والمعدات الثقيلة. .
ولن يقبل الا عنده رغم قساوة هذا العمل .
أظن انه كان يريد أن اتعلم درسا ً
مفاده ان العمل ليس كلمة في الفم. بل هو. مسؤولية تجاه رب العمل والنفس والعائلة ، وكان يريدني ان اتعب لأترك ما عزمت عليه واعود للبيت ولدا ارعن.
ولكن على من يا أبي هذه الحيل؟
قلت بيني وبين نفسي ، إلعب غيرها .
بدأنا العمل الذي لم أكن اتوقع انه متعب الى هذا الحد ، ولكن طينتي العنيدة أبت ان تعترف او تتألم امام. أحد . كنت احرص على ان اظهر كل قوتي امام صاحبه ، ليمدحني في ظهري امام ابي ، فيسعد مني ، ويفخر ان. ترك رجلا في حلبة الحياة .
مرت عشرة ايام ، وكان نصيبي من جيب معلمي خمسين دولارا. كان تساوي عندي الدنيا وما فيها ، رجعت للبيت وانا. مصاب بنوبة. فرح. فبكل قطعة فيها ارى اتساخي وعرقي ، وألم ظهري ، الذي يسعدني .
زرت كل اترابي ، الصغار، لأريهم اانني اصبحت غنيا بتعبي وعرق جبيني. وكنت لا أعير الشخص منهم الورقة الغالية اكثر من مرة .ليظل يحبها ويترجاني .
وبعد هذه المعمة الكبيرة
عدتُ ، للبيت ، وما إن وصلت ، تفقدت ثروتي العظيمة ، فلم.أجدها ، ضربت قلبي نوبة حزن ، وعلقت الدمعة ما بين الرمش والرمش ، وبدأتُ ب لا حول ولا قوة الا بالله ،( يا رب وين راحت هالخمسين ) .
دخلت لغرفتي ،
حملت الفانوس وخرجت أبحث عنها على الطريق وأبحث مع اصحابي ، ولكن لا أثر للخمسين .
رجعت للببت وبي حزن. يعقوب ، ولا أحد يشم رائحة هذا الحزن الا عاشق ، يعرف معنى الفقد ، شمّ ابي حزني ، وسألني ما بك ، قلت : لا شيء .
فصرخ بي ، فاعترفت له بالذي فعلته واني حزين على الخمسين.
ضحك وقال : الله يعوض يا ابني لا تزعل .
فما كان. مني الا انا عبستُ بوجهه وقلت ُ : ( يلا خلي الله تبعك. يعوضلي يلاااا ).
على كل حال انا ذاهب الى الحاج الذي ينادي في الجامع ، اريد ان اطلب منه ان. ينادي ، ” فقد مبلغ من المال على من وجده… ” .
تعجب ابي من غضبي وقال الساعه 11:30 .
قلت : وإن. يكن .
ذهبت ولم أرد على احد .
استقبلني الحاج. بحاجبين ، يحتاجان لسماجتي لينعقدا ويبدأ بي ضربا .
لم. يفشلني ، بردّ طلبي ، وقال : غدا انادي لك .
قبلت معه رغم اصراري على ان يذيع الان ،
رجعت وانا احمل خاطري المكسور على ظهري .
حضنت وسادتي وبكيت ، أحسست ان الدنيا تتعمد قهري ، وان الحظ عدوي اللدود .
في الصباح ، مضيت للعمل وانا بكامل حزني وتعبي ويأسي ، وكان اليوم الاول الذي أعمل فيه دون. حب .
مضى النهار كأنه سنة .واكثر ، صعدت لغرفتي دون ان اكلم. احدا ، جلست على النافذة بانتظار. مكبارت الصوت ، الى ان بدأت ترسل لي صوت الحاج الذي عشقت صوته انذاك .
(سيقام مجلس عزاء عند فلان… في تمام الساعة الرابعه عصرا ،… سيقام. مجلس عزاء….. الدعوة. للنساء. ) وبدأ الغضب يأكل صبري ، وصارت الشتائم رغم تهذيبي ، تدور في كل انحاء الغرفة. الى ان قال : وجد مبلغ من المال ، على صاحبه التوجه لاستلامه ) .
كانت المسافة ، من بيتي للمسجد ، تحتاج. عشر دقائق على الاقل. قطعتها في دقيقتين على الاكثر .
وصلت لا نفَسَ لدي ، احسست ان. الاكسجين سينفذ بعد لحظات ، .
وانا الهث قلت : حاج، حاج ، خاج، انا اضعت المال ،
قال :كم.
قلت : خمسين يا حاج. خمسين .
قال تفضل : سلّم.على والدك .

بعد ان رجِعتْ لي لم. افكر لا به ولا بوالدي ، احسست انني اعدت اعتباري ، وشد ظهري ، وعاد قلبي يخفق جيدا بكل حب .
مرت الايام والسنون ، وعملت بالدواء مع جمعية. خيرية ، تعطيني كمية. محددة. من الادوية ، اوزعها بالتنسيق مع الحاج وفقا لجدول وبرنامج ولائحة اسماء المعوزين.
بعد أن صار بيينا خبز وملح ، وذات حديث ،
قال الحاج : أتذكر ال 50 الدولار.
شعرتُ ان احدا نفض الغبار عن ذاكرتي ، ليصعد شبح. تلك الليلة ويخنقني من جديد .
نعم اذكرها يا حاج .
اذكرها جيدا .
قال : سأخبرك سرا ً يا ابني كنت مؤتمنا عليه ولا أريد أن يعرف به احد ، وها أنت صرت شابا يرفع الرأس به ، والقصة طواها الزمن. ربما مضى عليها اكثر من 10 سنوات وصار يجب ان تعرف ما حصل.
بعد ان اضعت خمسينتك ، ليلا ومضيت صباحا الى عملك . اتصل بي والدك طالبا مني الحضور الى بيتكم .
سلّمت عليه ، وتحادثنا ، كان كل حديثه عنك ، وعن حبه ، لك. وشقاوتك وتفوقك الكبير. في المدرسة .
واعطاني خمسين دولارا ، قال لي : ابني محمد يأتي من عمله في السابعه مساءً، يمكن. ان تذيع عنها في السابعه والنصف .
ضحكت ُحينها وسررت ان لك أباً يحبك كل هذا الحب .
هذا كل ما في الأمر .

بعد هذه الكلمات ، أردت أن أشكر الحاج ، لم أكن قادرا على فتح فمي ، تبسمت بسمة. ، كانت هي ذاتها التي ابتسمتها حين عادت الخمسين. من عشر سنوات .
وفاضت عيناي بالبكاء ، كنت ابكي حدّ الفرح .
وتيقنت
ان الضحك اعظم مراتب الحزن .
وان الدمع اعظم. مراتب الفرح .
عدت للبيت وقبلت يد ، ابي ، ولم. يعرف لماذا.
وصرت كل صباح اطبع. قبلة. على جبينه تقول احبك .

بلادنا يا الله لم. تعد البلاد ،
لا أرض تتسع لأحلامنا .
لا أم عذراء ، تقينا برد الشتاء وحر الصيف .
لا قرابين عندنا كي ترضى .
انا لا أملك الان يا الله
الا أبي .
ابي يا الله كل البلاد وأجمل حلم.
محمد ❤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.