احبك اكثر مما ينبغي
في مسوغات دراسة الرواية…
بقلم طالبة الدراسات العليا رشا يحيى
واشراف د. أنور الموسى
“كم أكره علاقتنا ، إذلالك لي… وإيذاؤك إيّاي ومغفرتي لك وولعي بك. نحن مريضان، مريضة أنا بك ومريض أنت بكل ما يربطك بالدّنيا… ” .عبارات تكاد تلّخص المآزم النّفسيّة والصّراعات عند الشّخصيّات الرّوائيّة في رواية”أحببتك أكثر ممّا ينبغي”،للكاتبة السّعودية”أثير عبداللّه النّشمي”.ففي الرّواية المذكورة،ثمّة صراع بين ساديّة البطل “عزيز” وما زوشيّة البطلة “جمان”قائم على المأزق العاطفي.
فالرّواية تقدّم حالة ملوَّنة بالعذابات العاطفيّة بين شخصيّة “جمان” المغرمة بالضّعف ،وشخصيّة “عزيز” الذي وجد نفسه يؤدّي دور العاشق المستبدّ.
من هذا المنطلق، تسعى هذه الدّراسة إلى إلقاء الضّوء على ثنائيّة السّاديّة والمازوشيّة في شخصيّاّت الرّواية السّابقة ،وفق المنهج التّحليلي النّفسي.
آية ذلك أن الرّواية مفعمة بالرّموز النّفسيّة الّتي ترسم الإطار العامّ لشخصياّت الرّواية الّتي تضجّ بالعقد والأمراض النّفسيّة،كالمازوشيّة والنّرجسية الّتي تتجلّى في سلوك جمان الّتي تظهر تلذذًا بالألم والمعاناة :”غارقة في حبّي لك ولا قدرة لي على انتشال بقايا أحلامي من بين حطامك” .
فضلاً عن السّادية الّتي تتمثل في سلوك عزيز الّذي يستمتع بالتّعذيب النّفسي و الجسدي لحبيبته جمان :”سأدّمرك… أنتِ لا تدركين ماذا أستطيع أن أفعل بك” . ناهيك عن عقدة أوديب الّتي ظهرت في شخصيته ،فرافقته منذ طفولته بدءًا من المرحلة الفميّة و القضيبية ،وصولاً إلى مرحلة الرّشد وعلاقته بحبيبته…
ويرى فرويد في هذا السّياق أنّ السّاديّة “هي المتعة في إيلام الموضوع الجنسي، في حين تتبدّد المازوشيّة صورتها السّالبة، أي اللذة في الألم” .
أضف إلى ذلك ،فإنّ لعنصر المكان مكانة بارزة في لاوعي الشّخصيتين الرّئيستين في الرّواية،نظرًاإلى أنّه يقدّم لهما مسوّغات السّادية والمازوشيّة، فالمحور الأساسي الّذي تقوم عليه الرّواية يتمثّل بهجرة “جمان وعزيز” إلى الغرب (كندا) طلباً للعلم، فالوطن/ الأمّ (السّعودية) هو الجذر الّذي يربط بين الشّخصيتن،وكأنّ الحنين إلى هذا الفردوس المفقود(الوطن) كان من العوامل الّتي أذكت نزعات السّادية وحبّ الذّات والمازوشيّة في اللّاوعي الباطني للشّخصيات الرّوائية:”أحبّ تلك المدينة يا عزيز… لكنّي لا أحبّ أن تصادر فيها مشاعرنا” .
بناءً على ما سبق،أتى اختيار”السّادومازوشيّة في رواية أحببتك أكثر ممّا ينبغي”عنوانًا للبحث أمرًا مسوّغًا ؛نظرًا إلى غنى سلوكيّات الشّخصيّات الرّوائيّة بالطّابع السّادومازوشي،و العقد النّفسيّة و مركبات النّقص،و إثبات الذّات…
* أسباب إختيار الموضوع:
لم تخط رواية “أحببتك أكثر ممّا ينبغي” بعناية الدّارسين بشكل ملحوظ ، وخصوصًاً في ما يتعلّق بإلقاء الضّوء على البواعث النّفسيّة والعقد الّتي تجلّت في مظاهر السّادية والمازوشيّة عند شخصيّات الرّواية.
فالّرّواية تطرح فيه جوهرها قضيّة الصّراع القائم بين قيم الشّرق المقيّد وقيم الغرب المتحرّر والمنفلت من كلّ قيد. “أتفتقدين وطناً يقمعك” .
و يهدف البحث إلى إحاطة اللّثام عن الأثر النّفسي المازوشي لعمليّة الإغتراب ؛المتمثلّة بإنتقال الشّخصيتين من الوطن (السّعودية) إلى الغرب (كندا) ،أي تغيّر المكان بكلّ ما يحتويه من قيم وعادات.ما أدّى إلى الإنشطار والإنهيار بتأثير العمليّات الثقافية والإجتماعيّة الّتي تتمّ في داخلها، أو في داخل المجتمع. من هنا فإنّ العقد النّفسيّة وعدم الثّقة بالنّفس تشكّل صورة من صور الأزمة الإغترابيّة الّتي تعتري الشّخصياّت في الرّواية.
وللرّواية أهميّة في الحياة الثّقافيّة،و بخاصّة في هذا العصرالّذي يعدّه بعضهم”عصر الرّواية”.و لا سيّما أن الكثير من الرّوايات العربيّة كانت بمنزلة أساس لرؤى و مواقف اثرّت في بنية المجتمع و عكست صورته بعاداته و تقاليده ،كما هي الحال في رواية”أحببتك اكثر ممّا ينبغي”الّتي صوّرت واقع الحبّ العربي المعذّب.
من هنا جاء إختياري لعمل روائيّ حمل في طياته صور عاطفيّة إجتماعيّة،وهو “أحببتك أكثر ممّا ينبغي” رواية للرّوائيّة “أثير عبداللّه النّشمي.”
3- أهداف الدّراسة:
تهدف هذه الدّراسة إلى الكشف عن التّكامل ما بين السّاديّة والمازوشيّة على الرّغم من تناقضهما ، من خلال دراسة تحليليّة نفسيّة لشخصيّات رواية “أحببتك أكثر ممّا ينبغي” وإظهار مواطنهما، وكيفيّة تجيلّهما في شخصيّات الرّواية.
ويطمح البحث إلى دراسة تأثير المكان المتمثلّ بالإغتراب السّعودي إلى كندا من قِبل هجرة “جمان وعزيز” كطلاب مبتعثين من رياضهم إلى الغرب. فلقد نجم عنه صدمة حضاريّة أثرّت في بناء نفسيّات الشّخصياّت المغتربة وردور فعلها كنتاج عوامل إغترابها .بدءًاً بالأزمات العاطفيّة مرورًاً بالعقد النّفسيّة كعقدة أوديب وصولاً إلى تجلّي ملامح المازوشيّة والسّاديّة في سلوك ونفسية كلّ من جمان وعزيز “تعرفين بأنّ السّعوديين لا يجيدون المجاهرة بالحبّ” .
إضافة إلى الكشف عن النّماذج الّرّئيسة المتراكمة في اللّاشعور الجمعي بواسطة اللّيبيدو “المنسحب من العالم الخارجي والمرتدّ إلى داخل الذّات ،وبواسطة الأزمات الخارجيّة أو الإجتماعيّة، وهذا ما يسبّب اضطرابًا نفسيًا لدى المغترب، فيحاول إيجاد اتزان جديد لنفسه” .وهذا ما نلمسه واضحاًافي سلوك كلّ من عزيز وجمان المتأثرّ بالواقع وبقيمه وعاداته. “في الوطن لم يكن هناك من مجال لنلتقي” .
وتهدف الدّراسة أيضًاً إلى تزويد المكتبة العربيّة بدراسة تحليليّة وفق المنهج النّفسيّ لرواية حملت عنوانًا يحسدّ الحبّ الخالص المفقود إلى حدّ ما “أحببتك أكثر ممّا ينبغي” وما يحمله من شعور ذات علامة وطيدة بالدّاخل النّفسي. فهذه رواية بكر تلوّنت بلغة شعريّة تناسب الطّقس العاطفي، وأعتقد أنّها ستمسّ الكثيرات لأنّ أحزان النّساء تتشابه ،فهي تعكس واقعًا مصحوبًا بأزمات شخصياته العاطفيّة.
– الإشكاليّة:
ترتبط الإشكاليّة في هدف البحث،بإظهار ثنائيّة “السّاديّة و المازوشيّة “عند شخصيّات رواية “أحببتك أكثر ممّا ينبغي”ما بين التّكامل و التّناقض.
فاللّذة و الألم كانا المحرّك الأساسي لشخصيّات الرّواية،ما دفعهم إلى الإضطرابات النّفسيّة ،و التّناقضات السّلوكيّة و الشّذوذ الأخلاقي.فعزيز هو العاشق السّادي الّذي تلذذ بتعذيب حبيبته جمان المستسلمة للألم باسم الحبّ.
و الأسئلة المطروحة هنا:
– ما هي بواعث اللّذة و الألم عند شخصيتي الرّواية الرّئيسيتين؟و أين تجلّت المظاهر السّادومازوشيّة في الرّواية؟
– ما هو المحرّك الأساسي الّذي دفع عزيز و جمان إلى هذا الإحساس الغريب ألا و هو الألم اللّذيذ و الخضوع لسلطة الحبيب الساّدي؟
– ما علاقة المكان(السّعوديّة و كندا) بنمط الشّخصيّة و سلوكها في الرّواية؟
و بناء على ما سبق، تسعى هذه الدّراسة إلى الإجابة عن هذه الأسئلة لإبراز البواعث النفسّية و العقد الكامنة ورائ سلوك عزيز السّادي و جمان المازوشيّة.
* الفرضيّات:
تسعى الفرضيّات غلى الكشف عن الدّوافع و العقد النّفسيّة الّتي كانت وراء ظهور ملامح السّلوك السّادي عند عزيز، و المازوشيّ عند جمان.بغية الدّخول غلى خبايا الشّخصيّات من مراحلها الطّفوليّة غلى الرّشد.
و هنا تطرح الفرضيّات الآتية:
– بواعث سلوك جمان المازوشي قد يكون عائدًا إلى الحنين إلى الأمّ(الوطن)،و العلاقة بالأمّ و الأبّ، و التّنافس الأخوي،و مراحل الطّفولة.
– شعور الإنسان باللّذة المؤلمة قد يحرّكه دافع آخر غير اللّذة و الألم،و هو النّزعة الدّينيّة و الأخلاقيّة(سلطة الأنا الأعلى).
– سلوك عزيز السّادي عائد إلى مراحل الطّفولة ، و العلاقة بالمّ و الأبّ، و التّنافس الأوديبين.
– للمكان علاقة مباشرة بنمط الشّخصيّة و سلوكها.
هذه هي الفرضيّات الّتي تسلّط الضّوء على موضوع البحث المراد دراسته.
* المنهج وأسباب إختياره:
بعد القراءة المتعمّقة لرواية “أحببتك أكثر ممّا ينبغي”، إرتأينا أن نتبّع المنهج النّفسي التّحليليّ، كونه المنهج الأكثر ملاءمة لدراسة ثنائيّة “السّادية والمازوشيّة” عند شخصيّات هذه الرّواية.
فجمان عاشقة متلذّذة بالألم النّفسي الذي ألحقه بها حبيبها عزيز السّادي الّذي لجأ إلى إيلامها في معظم الأحيان ليصل إلى رغبته.
فهما يمثلان هذه الثّنائية المرتبطة إرتباطًا وثيقًا بالعقد النّفسيّة، فضلاً عن الإخفاقات الطّفوليّة.
وسأعتمد هذا المنج للإشارة إلى الدّوافع النّفسيّة الّتي حرّكت شخصيّات الرّواية، ناهيك عن التأّثيرات النّفسيّة الّتي زعزعت حياة كلّ منهما…
فالمنهج النفسي هو “عمليّة تفكيكيّة، وذلك يقتضي وجود كلّيّة تأليفيّة يعمل الباحث على ردّها إلى أجزائها، وهو تاليًا عمليّة ارتداديّة غايتها أن يعقل الباحث سبب ظهور كلّ عنصر أو فعل من عناصر الظّاهرة المكوّنة للكليّة” . فبواسطته نستطيع فهم الشّخصيّات في بُعدها العميق.
فالمقصود بالمنهج النفسي التحليلي النفسي إذاً؛ “هو مجموعة النّظريات الّتي صاغها فرويد، وطوّرها أدلر ويونغ بعد خروجهما عليه، فضلاً عن تفسيرات تلك النّظريات وتفرّعاتها، بما يعني أنّ الحقيقة المتوخّاة من العمليّة التّحليليّة هي السّببيّة النّفسيّة الّتي كانت وراء الظّاهرات التي شكّلت كلّيّة المنتج الأدبيّ والفنيّ” .
“ويُعيد فرويد المأزم النّفسي إلى التّعارض بين مبدأيّ اللّذة والواقع، وهو تعارض بين الغريزة الجنسيّة اللّيبيديّة وغريزة الأنا” .
وتستعين الدّراسة أيضًاً بطروحات أدلر الّذي يؤكّد أنّ سبب العقد والأمراض النّفسيّة عند الفرد، عا ئد إلى نزعته إلى تأكيد الذّات وإرادة الإقتدار، فجمان تتغلغل في شخصيتها عقدة نقص ،و لذا لجأت إلى النّكوص والرّغبة إلى اللّجوء إلى حضن الأمّ عند التّعرّض لخطر خارجي. حيث كانت تهرب إلى وطنها للإختباء في حضن أمّها كلّما تعرّضت لأزمة ونكبة عاطفيّة من عزيز. “كم تمنيّت لوكانت أمّي بجواري.. تخبئني بحضنها وتنتشلني من علاقة أدرك تمامًا بأنّها غير سويّة” .
ولقد برزت عقدة الدّونيّة ومظاهرها واضحة في سلوك عزيز. “فالشّعور الشّامل بالدّونيّة سيمتدّ مصدره من مرحلة الطّفولة، حيث يشعر الفرد بصغره وضعفه أمام الكبار، ما يولّد عنده الرّغبة التّعويضيّة بالتّفوق والسّيطرة” ..وهذه العقدة مرتبطة أشدّ ارتباطًاً بالعصاب النّاتج عنها. وهذا واضح في سلوك عزيز المسيطر والمتملِّك لحبيبته جمان، فربّما هي كانت بمنزلة التّعويض عن هذا النّقص الطّفولي: “أنت مشوّهة في قلبي ولن يأخذك من قلبي أحد”
لذلك اتبّعت المنهج التّحليليّ النّفسي في دراستي ،ملاءمة مع موضوعها النّفسيّ،”السّادومازوشيّة”.
* نقد المصادر والمراجع:
قليلة هي الدّراسات الّتي تطرّقت إلى رواية “أحببتك أكثر ممّا ينبغي”، على الرّغم من أهميتها، وكثرة إشكاليّاتها، وثنائياتها… وغزارة الرّموز النّفسيّة والجسديّة الّتي تتضمّنها.
فهناك بعض الدّراسات المتواضعة الّتي تطرّقت إلى هذه الرّواية، بعيدًا من التّعمّق والغوص في مضامينها وجدلياتها،ناهيك عن غياب المنهجيّة في تلك الدّراسات.
ولعلّ أشهرها تلك الّتي أعدّها “طامي الّسّمري” بعنوان: “عندما يأتي السّرد في نسخته المكرّرة” ونشرها في جريدة الرّياض السّعودية، حيث أجرى نقدًاً لاذعًاً للرّواية على مستوى تكرار الأحداث والأمكنة والأزمنة؛ مقارنًا بين الرّواية الأولى للكاتبة ” أحببتك أكثر ممّا ينبغي” ،وروايتها الأخرى “فلتغفري” ،فكأنّ الثّانية جاءت تكرارًا للأولى ولكن بصوت ذكوري.
ورأى أيضاً إن إدارة الحوار بين الشّخصيّاّت لم يأخذ حالة متناغمة، فإن جماليته في اللّغة أضحت بسيطة وفكاهيّة.
ّوفي رأي “طامي السّمري” فإن نجاح الرّواية، ليس بكثرة العبارات المقتبسة، بل بنضوج شخصياتها، وخلودها في ذاكرة المتلّقي.
فرواية ” أحببتك أكثر مما ينبغي” مفعمة بالإقتباسات، لأن ّذلك في رأي الرّوائية “أثير عبدالله النّشمي” جزء من تشكيل فلسفة كلّ منّا في الحياة ويعتمد على تجارب الآخرين وعلى أفكارهم، بالإضافة إلى مفهومنا الشّخصيّ وتجاربنا الخاصة؛ فهذا المزيج هو ما يُشكّل قناعتنا ومبادئنا وأفكارنا.
و لم تتعدّ دراسة “طامي السّمري” بضع صفحات، ولا ترقى إلى مصاف البحث المنهجي.
كما تطرّق “وليد الحارثي” إلى هذه الرّوية في مجلة الإسلام اليوم، عبر حوار أُجري مع الرّوائيّة “أثير عبدالله النّشمي” وتطرّق فيه إلى حياتها، وبداياتها في الكتابة، ومضمون رواياتها. فجاء هذا الحوار بعنوان: حوار العودة “الرّوائية… الأكثر مبيعًا في العالم العربي”، ونشره في موقع مجلة الإسلام اليوم الإلكتروني.
و تظهر تلك الدّراسة مضمون الرّاوية، وأهميّة تناولها بالدّراسة والتحليل والنقد، إضافة إلى عرض موجز للأسباب الّتي تجعل الرّواية موضوعًا جديرًا بالدّراسة.
ولذا فإن هذه الرّواية ” أحببتك أكثر مما ينبغي”، لم تحظ بعناية الدّارسين، ولا سيما في ما يتعلّق بالتّحليل النّفسي؛ إذ لم تعط هذه الرّواية حقّها في البحث والمعالجة. فاكتفى بعض الدّارسين كـ “طامي السّمري” و “وليد الحارثي” بالحديث عن أحداثها ولغتها… وضرورة تناولها بالدّراسة والتّحليل من دون الغوص في أعماقها. فلم يتطرّق أحد وبعمق إلى النّواحي النّفسيّة كالرّموز والمؤشرات والعقد والأمراض الّتي سيطرت على سلوك شخصيّات الرّواية.
و تعدّ المصادر و المراجع الّتي تتطرّق إلى منهج التّحليل النّفسي ،و علم النّفس، ركيزة رئيسة تستند إليها الدّراسة،و لا سيّما تلك الّتي تتعلّق بالسّاديّة ،و المازوشيّة، و مراحل الطّفولة، و الرّموز الجنسيّة و النّفسيّة…
و لعلّ أبرز تلك المصادر،مؤلفات فرويد و لا سيّما كتابه:”ثلاث مقالات في نظرية الجنس”و”الحياة الجنسيّة”نفهذه المؤلّفات لا غنى عنها للإضاءة على بواعث السّاديّة و المازوشيّة عند شخصيّات الرّواية،فضلاً عن الرّموز الحنسيّةنو العقد و الدّوافع النّفسيّة.
و لا يهمل البحث طروحات إدلر و يونغ،و لا سيّما المرتبطة يتأكيد الذّات “عقدة النّقص”و “اللّاوعي الجمعي.” و تستفيد الدّراسة أيضًا من كتاب”المازوخيّة”الّذي ألّفه ناخت ساشا ،و ترجمه جورج طرابيشي، و يتطرّق هذا الكتاب إلى ماهيّة المازوخيّة و دوافعها و خصائصها …و لا سيّما تلك الّتي ترتبط بالطّفولة.
أضف إلى ذلك كتاب”علم النّفس الدبي”(منهج سيكولوجي في قراءة الأعماق) الّذي ألّفه د.أنور الموسى ،فلق قدّم لي هذا المرجع غطلالة معمّقة على المنهج النفسي و تعريف مصطلحاته كعقدة أوديب،و الكبت،و النكوص، و السادية و المازوشية….
* نقد المدوّنة وتقييمها:
” أحببتك أكثر ممّا ينبغي” هكذا جاء عنوان رواية الرّوائية “أثير عبدالله النّشمي”. ولربّما أرادت الكاتبة من خلال هذا العنوان جذب قارئها العاطفي ،بما يحمله من ملامح حبّ ومآزق عاطفيّة ، فالعنوان جاء على لسان البطلة لحبيبها البطل الذي أحبّته أكثر ممّا يستحقّ ؛ فانعكس ذلك عذابًا نفسيًّا إختلج قلبها ،وعبّرت عنه بقلمها معتمدة آلية “التّنفيس”. فالعنوان ولّد شوقًا لدى القارئ دفعه لقراءتها والدّخول إلى أعماقها ،وفهم أسرارها، وتداعياتها.
صدرت الرّواية للمرّة الأولى العام 2009 ، وطُبعت في بيروت عن دار الفارابي. تستهلّ الرّوائية روايتها بإهداء إلى عائلتها على شكل شكر، وتتألّف من 326 صفحة من الحجم المتوسط.
فالرّاوية للكاتبة السّعودية “أثير عبدالله الّنّشمي”، من مواليد يونيو 1984م، في السّعودية .مقيمة في الرّياض، وهي كاتبة أسبوعيّة في جريدة الشّمس،و لها عدّة مؤلفات ،منها: “في ديسمبر تنتهي كلّ الأحلام” و “فلتغفري”.
تنسج ” أثير عبدالله النّشمي” في روايتها ” أحببتك أكثر ممّا ينبغي” قصّة حبّ ملوّن بالعذابات ،بين طالبة وطالب سعوديين، هاجرا إلى كندا طالبين للعلم، فالرّواية بأحداثها تجوّلت ما بين الرّياض وكندا وغيرهما من الدّول العربيّة ،فكانت هذه الأمكنة مسرحًا للعشق بين جمان وعزيز وغوض غماره.
فبلغة العشق الشّعريّة تستدرج الّرّوائيّة قارئها، لتبوح عن كلّ العذابات العاطفيّة الّتي عانى منها البطلان، فهي لغة تناسب الطّقس العاطفي المسيطر على الرّواية. وإن كانت أحيانًا تضمّنت بعض الكلمات باللّغة السّعوديّة ،ولكنّها كلمات واضحة لا جهد يُبذل لفهما ولا حاجة إلى معجم لتفسيرها.
ولقد جاء الكلام بين البطلين “جمان وعزيز” على شكل حوار مباشر بعيد من الإبتذال،وحوار داخلي ظهر جليًا في مناجاة جمانة.
و دعمّت الرّوائيّة روايتها ببعض قصائد ومقولات لشعراء وكتّاب عرب و غربيين؛ كقصائد نزار قبّاني و أقوال محمود درويش، وأغاني المغنّي Limp Bizkit .فلقد جاءت القصائد والأقوال الإنكليزيّة مترجمة في معظم الأحيان.
و في الرّواية جمان وعزيز شخصان مثقفان؛ فكان لا بدّ من أن تظهر نوعيّة قراءتهما في حوارهما.
فبالرّغم ما تجلّت و ارتقت به الرّواية غلاّ أنّها تتضمّن بعض الهفوات كالتّكرار للأحداث والكلام ،فصارت في بعض المواطن أقرب للنّحيب العاطفيّ . فالرّواية لم تعوّل كثيرًاً على الجوانب الحسيّة، بل أكثرت من وصف الجانب العاطفيّ، وربّما جاء ذلك خدمة للتّأثير بالقارئ وجعله يتعاطف مع البطلة.
من جهة أخرى وردت في الرّواية بعض الأخطاء النّحوية واللّغوية كالأخطاء الإملائية “لم يكن هناك من مجال لنتلقي في الرياض” . واستخدام علامات التّرقيم في غير موضعها الصحيح ، فالرّواية بحاجة إلى إعادة صياغة نحويّة .
أخيرًاً، هذه الرّواية عكست واقع الحبّ المعذّب في العالم العربي عمومًا، والسّعودية خاصّة، فعكست لنا أسى المجتمع العربيّ بكلّ شوائبه، شارحة ما يُعصف بالأمّم العربيّة وبأبنائها ،متوسلة لغة واحدة…لغة الحبّ و العواطف.فجاء بطلها كفارس غيّش حبيبته أساطير الحبّ الّتي تحلم بها كلّ الفتيات.فلقد أحبّ طيبتها و براءتها و طفولتها، و لكنّ هذا الحبّ لم يكتمل صداه، فلقد تخلّى عنها وسط حقل من الأشواك،فهي رواية تحاكي الواقع النّفسيّ لشخصياتها.
* الكلمات المفاتيح، المفاهيم والمصطلحات:
إن طبيعة الموضوع المرتكز على البواعث والعقد النّفسيّة تطلّب الإلمام بالمنهج النّفسيّ وببعض مصطلحاته التي وفّرها لنا،فضلاً عن كلمات مفاتيح أخرى كمفهوم السّادية، والمازوشيّة، والنّكوص، والكبت، واللّذة، والواقع، والوطن، والحب، والخيانة، والعصاب، والعاشق المستغلّ، والعاشقة الخائبة، والهو، والأنا، والأنا الأعلى ،وعزيز، وجمان، وكندا، والألم، وعقدة أوديب.
– المازوشيّة: حالة مرضيّة عصبيّة تتميّز بطلب الألم، والمازوخي يشعر بحاجة حقيقية بشهيّة إلى التألّم (المعنوي أو البدني).
– السّاديّة: إرتداد الإيذاء على الصّعيد المعنويّ نحو الذّات، بسبب مشاعر الذّنب الحادّة الّتي يعانيها المرء.
– الكبت: عملية نفسيّة لا واعية، تطرد بواسطتها نزوات معيّنة، وكلّ ما يرتبط بها من إنفعالات وخبرات؛ أي أنّها تطرد إلى اللّاوعي أيّ تصوّر أو انفعال وإحساس لا يتلاءم مع الجهاز النّفسيّ.
– النّكوص: الرّجوع الى سلوك أكثر بدائيّة، فهي عمليّة إرتداد الى الوراء، والعودة الى أساليب سابقة في التّصرف مرتبطة بمرحلة من العمر قد تجاوزناها، وهو ما يرجع الى الضّغوطات الّتي يعاني منها الفرد في حالته الرّاهنة.
– جمان: بطلة رواية ” أحببتك أكثر ممّا ينبغي”، وهي طالبة سعوديّة هاجرت الى كندا كطالبة للعلم.
– عزيز: بطل الرّواية، وهو طالب سعودي هاجر للعلم في كندا، وتميّز سلوكه بالسّاديّة وسوء التّعامل مع الحبيبة.
– الهو: منبع الطّاقة الحيويّة والّنّفسيّة الّتي يولد الفرد مزوّدًاً بها. ويضمّ الغرائز والدّوافع الفطريّة: الجنسيّة والعدوانيّة، ويخضع الهو لمبدأ اللّذة .
– الأنا: مركز الشّعور والإدراك الحسيّ الدّاخلي والخارجي والعمليّات العقلية ،وهو يخضع لمبدأ الواقع.