قراءة متعددة الزوايا في جريمة اغتصاب الأب لبناته (فلذات الروح)
بقلم د رلى فرحات
الجرائم عبر التاريخ مختلفة وآثار آلامها متعددة بل موجعة لدرجة تُدمي قلب الإنسانية وتكسر روح القانون خاصة في مجتمع قائم على مذهبية العقوبة.
حين يغتصب الأب ابنته، فاجعة، فكيف حين تكرار ذلك بقلب بارد والسماح لغيره بممارسة الاستعباد الجنسي والروحي بدون أي رحمة؟!
هنا، لا يكون الحديث عن اعتداء جسدي فردي فقط، بل اعتداء جمعي، إنه خيانة مزدوجة للأبوة بكل ما تمثله من أمن وأمان وقدوة وحب الفتاة الأول، وللإنسانية بكل ما تحتويه من قيم ومُثل، للأسف باتت تتقهقر حتى أصبحت بنظر البعض وإن كانوا كثر، “دقة قديمة” أي لا تُحاكي الحداثة، هذه الحداثة الزائفة المسار نحو الهلاك. أتكلم هنا عن تفكك القيم والسقوط الأخلاقي بكل معاييره التي تصل إلى أبعد مدى.
1-الخلفية النفسية: حين يمرض الحامي
تشير دراسات علم النفس إلى أن الآباء الذين يرتكبون هذه الجرائم غالبًا ما يعانون من اضطرابات نفسية عميقة، كـ”اضطراب التوجه الجنسي نحو الأطفال” (Pedophilic Disorder)، أو “اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع” (ASPD)، حيث يغيب التعاطف ويحل محله الاستغلال والهيمنة. وقد يترافق ذلك مع تاريخ طويل من الإدمان، أو الإصابة بأمراض عقلية غير مُعالجة كالفصام أو الذهان.
لكن من المهم التأكيد: لا تُعتبر هذه الاضطرابات مبررًا للاغتصاب، بل تُظهر الحاجة لآليات كشف وتدخل مبكر قبل وقوع الجريمة التي بالطبع لم تحصل فجأة بل تهيأت لها الأرضية الخصبة لذلك والحديث يطول.
2- الأم الصامتة: شريكة في الجريمة أم ضحية؟
السؤال المحيّر: كيف تسكت أم تعرف أن زوجها يغتصب ابنتها؟ الإجابة ليست واحدة. بعض الأمهات يعشن في حالة إنكار دفاعية تحميهن من مواجهة الحقيقة الموجعة، وبعضهن يخشين الفضيحة أو فقدان مصدر الرزق أو الحماية. وهناك من تم شل إرادتهن تحت التهديد أو العنف الأسري المزمن.
لكن مهما تعددت الأسباب، فإن الصمت في مواجهة هذه الجريمة يُعد تواطؤًا يُخضع الأم للمحاسبة القانونية والاجتماعية والأخلاقية، ويستدعي إدماج النساء في برامج التوعية والتمكين الأسري والنفسي. وليس هناك من أي مبرر للأم إلا إذا كانت هي بذاتها مريضة عقليا او مضطربة نفسيا.
3- الزواج ليس علاجًا
من المفاهيم الشائعة والخاطئة أن الزواج قادر على “شفاء” الذهاني أو المدمن أو حتى المنحرف جنسيًا. في الواقع، تُظهر الأبحاث النفسية أن تلك الحالات تحتاج إلى تدخل علاجي متخصص يتضمن الدواء، وتدخل العلاج النفسي سواء كان كن خلال تيار العلاج السلوكي المعرفي، والتحليلي والنسقي الأسري وغيرها. كما أن يحتاج إلى الدعم الأسري والمجتمعي طويل الأمد، هذا اذا اعترفوا أصلا أنه مريض نفسي ويحتاج العلاج.
والزواج في هذه السياقات قد يُشكّل عامل خطر إضافي للطرف الآخر، لا سيما إذا كانت المرأة أو الأطفال هم المتضررون، وهذا كله ينعكس على جميع أفراد الأسرة وعلى المجتمع.
وهنا السؤال الذي أطرحه في كل مناسبة: ألا يجب سن قانون يُلزم الجهات المعنية بعقد القران وتسجيل الزواج أن تُجري فحوصات واختبارات للأهلية العقلية والنفسية وحتى للتوافق الفكري (كفحوصات الدم) على يد اختصاصيين أكاديميين مؤهلين محلفين ويملكون الضمير الحي؟!!!
للأسف، هناك رجال دين شركاء في هذه الجرائم سواء بخطاباتهم أو بإجراءاتهم، وأغمز من هنا إلى قانون الحضانة ولن أدخل في التفاصيل!!!
4- الشرعية المغلوطة للانحرافات الجنسية في DSM-5؟
يُقال أنه كثيرًا ما يُساء فهم ما جاء في الدليل التشخيصي الأمريكي الخامس (DSM-5) للامراض والاضطرابات النفسية بشأن الانحرافات الجنسية. اذ أن الدليل لا يُشرع هذه الانحرافات (والكلام ليس لي بل منقول من مؤيدي ما جاء)، بل يُميّز بين “الاهتمامات الجنسية غير التقليدية” التي لا تؤذي أحدًا، وبين “الاضطرابات الجنسية” التي تسبب ضيقًا نفسيًا أو ضررًا للغير، كحالة الاعتداء على الأطفال. هذا التمييز لا يبرّر، بل يتيح تشخيصًا دقيقًا يُسهم في التدخل العلاجي والمساءلة القانونية.
أن الدليل من النسخة الأولى إلى النسخة الخامسة فالخامسة المعدلة، خضع لتعديلات كثيرة في تصنيف الاضطرابات الشخصية والنفسية والجنسية وإعادة تبويبها …
وهنا أكرر ما ذكرته سابقا في أكثر من مكان عن المثلية الجنسية وتحولها من اعتبارها اضطراب عقلي من اضطرابات الشذوذ يستدعي العلاج إلى اضطراب التوجه الجنسي ثم المثلية الغير منسجمة مع الأنا، إلى أن أصبحت عام 2013 تنوع جنسي طبيعي. علما أن أي تعديل للدليل من نسخة إلى نسخة يحتاج إلى مجموعة من الأبحاث العلمية الموثقة (بالآلآف) إلا هذا التعديل أُجري مباشرة… وهنا أترك لكم الإجابة “لماذا”
5- غياب الإعدام… مسؤولية من؟
رغم بشاعة جريمة الاغتصاب، لا تُنزل غالبية الدول عقوبة الإعدام بمرتكبها، وذلك لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، والخشية من إساءة تطبيق العقوبة، وتوصيات المنظمات الحقوقية العالمية،، (ولا أدري لماذا حقوق الإنسان تعحز بمكان وتسري في مكان آخر!!!).
في القانون اللبناني، تنص المادة 503 من قانون العقوبات على عقوبات مشددة، وتصل إلى الإعدام إذا رافق الاغتصاب قتل أو أدّى إلى وفاة الضحية، لكنها تظل استثناءً نادر التنفيذ، (لانه للأسف نحتاج إلى مغتصب من كل المذاهب في ذات الوقت حتى ننفذ العقوبة!!!)
هذه المعادلة تُعيدنا إلى أهمية تفعيل الأحكام، وتحديث القوانين بما يُراعي الواقع الاجتماعي وحجم الأذى النفسي الذي تتركه هذه الجريمة.
6- ماذا يقول الدين؟
كل الأديان السماوية تتفق على تحريم زنا المحارم واعتبار المغتصب مجرمًا تجب محاسبته دينيًا وأخلاقيًا. في الإسلام، المغتصب يُعاقب حدًا أو تعزيرًا، ويُعد فعله كبيرة من الكبائر، لا سيما إن تعلق الأمر بمحارمه. والدين يدعو لحماية العرض والنفس، ويؤكد على حق الضحية في التبليغ والمجتمع في إقامة العدل.
وهنا تأكيد إضافي على أهمية الدين ونصوصه وأحقيته في وجوده الصحيح في المكان الصحيح ولا أتكلم عن دين محدد.
7- كيف نحمي الأطفال؟
إن أولى خطوات الحماية تبدأ بالتربية الوقائية: الحديث مع الأطفال بلغة يفهمونها عن “اللمسة الجيدة والسيئة”، تعزيز ثقتهم في أنفسهم، تحرير ثقافة العيب، كسر حاجز الصمت، تفعيل القيم الأخلاقية والدينية والقيم وتفعيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية والنفسية لمتابعة السلوكيات المقلقة داخل الأسر. على الاختصاصيين، والمربّين، والمؤسسات الدينية والقانونية أن يتعاونوا في تكوين شبكات حماية حقيقية، تُنهي ثقافة السكوت وتفتح الأبواب للعدالة.
ولا ننسى أن هذا الطفل اليوم، ينمو ويكبر في بيئة أسرية ومجتمعية ومدرسية تزرع فيه البذور وهو من سيقطف غدا ثمارها، فيطرح في المجتمع وفي أسرته الخاصة وفي ميدان عمله بذور هذه الثمار لتنمو مجددا في الآخرين، لا سيما الأطفال.
خاتمة:
في جريمة يغتصب فيها الأب ابنته، لا يكون الجاني واحدًا فقط، بل مجتمعٌ يختبئ وراء الصمت، ونظامٌ يتغاضى، وثقافة تُلبس الجريمة ثوب العار للضحية. إن أول طريق للعدالة، هو أن نُسمّي الأشياء بأسمائها: هذا اغتصاب. هذا ليس “خطأ”، ولا “نزوة”، ولا “اضطراب”، يتسارع الاختصاصيين النفسيين (ولا أعمم) إلى تحليل شخصية الجاني وإعطائه الذرائع والتبريرات كما حصل سابقا مرات عدة، بل هو جريمة يجب أن تُعاقب ويُحمى منها الأبرياء.
القاتل يُقتل بمعزل عن ماهية قتله لأن الجسد والنفس والروح ثلاثية من خلق الله ولا يحق لأي كان أن يزهقها بأي طريقة من الطرق …
رُلى فرحات
25-04-2025