بالدّم يكتب الجنوبيّون التّاريخ

بقلم : ملاك بيضون
بالدّم يكتب الجنوبيّون التّاريخ
فجر ٢٦ كانون الثّاني تنفّس الجنوبيّون عزًّا وإباءً. انطلقوا وفودًا جماعيّة كما السّيل الجارف إلى قراهم، بأرواحٍ مشتاقة لدفء الأرض، وإحساسٍ رائعٍ يحتضنه القلب بين الحنايا.
توّاقة أرواحهم لكلّ حجرٍ فوق التّراب، وكلّ نسمة هواءٍ جنوبيّةٍ، وكلّ زاوية حملت معها حكاياتٍ وبسمات. مع خطواتهم إلى قراهم لابدّ أنهم يستذكرون خطوات المجاهدين وما بذلوه من تضحياتٍ، ولا سيما استذكارهم شهيد الأمّة السّيّد حسن نصرالله، وكلّ الشهداء معه، يحملون الرّايات والصّور، ويهتفون باسمهم. هذا الشّعب الأبيّ المقاوم يثبت للعالم أنّه حرّ، بامتلاكه الإرادة والعزيمة، وتحرّره من قيود الخوف والاستعباد والذّل.
هم أصحاب الأرض، يعلمون جيّدًا أنّ طريق الحقّ مسيره صعبٌ طويلٌ، ممتزجٌ بالتّضحيات. هؤلاء الّذين أشبعوا عزّةً وكرامةً لم يقفوا متفرّجين من بعيدٍ مخافةً على أرواحهم وحياتهم، بل تحدّوا وواجهوا باللّحم الحيّ، ليأكّدوا أنّ ما أخذ بالقوّة لا يُستردّ إلّا بالقوّة.
مشاهد عزّوفخر نراها، تلك اللّحظات أشبه بحلمٍ يتحقّق. أقدام الشّعب الجنوبيّ المقاوم تدوس أرض بلداتهم وقراهم، يتلمّسون نبض الأرض الّتي تغذّت وارتوت بدماء الشهداء، مثبتين أن الأرض الّتي تُفتدى بالأرواح والدّماء عصيّة على الاحتلال مهما امتلك من طغيانٍ وجبروت.
بعض الأهالي وقفوا بين الرّكام والأنقاض، يبحثون عن بعضٍ من آثار شهدائهم ليطفئوا نار القلب بها، وكأنّهم يحاولون أن يعوضوا عن كلّ لحظات الغياب. والبعض الآخر ينقل المشاهد للعالم عبر القنوات بصوتٍ مملوءٍ بالعنفوان والشّجاعة.
مشاهد كثيرة فاقت ما كنّا نتوقّع ونتصوّر، لتخلّد ببهاها وقوّتها المشهد الأروع للشّعب الأبيّ رجالًا ونساءً وهم يقفون بثباتٍ في وجه عدوٍّ محتلٍّ غاصبٍ من على مسافة صفرٍ أو أمتارٍ قليلةٍ، غير آبهين بأسلحته ودبّاباته، يصرخون بوجهه، ويقاومون بكلّ ما أوتيوا من قوّةٍ، وكأنّهم مستمدين من هواء الأرض وترابها قوّة لا تنهزم فيها الرّوح.
أيّامٌ ساعاتها ولحظاتها مباركة. أيّامٌ تكتب التّاريخ بالإرادة الصّلبة لشعبٍ أبيٍّ لا يلين، شعبٍ اختار أن لا يركع للذّل والطّغيان. ها هو اليوم يجسّد أسطورة فخرٍ لكلّ إنسانٍ أبيٍّ وحرٍّ، يُسطّرُ حكاية عزٍّ امتزجت بالدّماء الّتي خلّدت على العدوّ الصّهيونيّ انتصارًا تاريخيًّا.