حاورها د. أنور الموسى
كانت المرأة اللبنانية المجاهدة، ولا تزال، عنوان عطاء وكفاح وعنفوان وتضحية وإباء، ففي العراق الشقيق الذي استضاف عشرات الآلاف من اللبنانيين، لا تجد كثير عناء في البحث عن واحدة من هؤلاء، فتتجه البوصلة مباشرة إلى السيدة ملاك ناصر الدين التي تعمل خلف الظل، ليلا ونهارا، وحتى في أثناء المقابلة، كاد هاتفها لا يصمت. لم لا وهي ابنة بيئة الجهاد والعنوان؟ حتى ليصدق فيها وصف المرأة المجاهدة من نوع إيواء أهل المجاهدين.
ليس من السهولة إقناعها بالكلام عن دورها الطليعي في بلسمة جراح بيئة الأحرار، فهي لولا إقناعها بأهمية الدرس الأخلاقي للأجيال المقبلة في مساعدة الضيوف، لما باحت بكلمة عن دورها… واللافت أنها مطلعة على كل أحوال النزوح اللبناني إلى العراق، ومساهمة بأدق تقاصيله، سواء بحل بعض العقد، أو بالمساهمة الفعلية في تضميد الجراح منذ بداية رحلة النزوح اللبناني إلى العراق، حتى نهايته التي لما تكتمل بعد…
فمن هي هذه المرأة المجاهدة؟ ما دورها؟ لم تفعل ذلك؟ وماذا تقول في العودة التي لا تزال في طور الحل؟ وما دعوتها للضيوف الذين ينتظرون رحلاتهم وأسماءهم؟ ومن المقصر في ملف لبنانيي العراق؟
أسئلة صريحة وجهت للسيدة ملاك، فكانت تلك الاجابات الصريحة…
-من هي السيدة ملاك نصر الدين الإنسانة والأكاديمية؟
ملاك ناصر الدين ابنة مدينة الشمس، وخزان المقاومة، ابنة بعلبك الصامدة، ابنة السيدة عباس الموسوي…
ملاك ناصر الدين هي طالبة علم في مدرسة محمد وال محمد..
أكملت دراستي الجامعية في جامعة المصطفى العالمية في قم المقدسة…
وأنا متطوعة في العمل الإنساني في كل وقت ومكان، فبعد بدء الحرب الفعلية على لبنان يوم ٢٣/ ٩/ ٢٠٢٤؛ فتح العراق أحضانه لجميع الضيوف اللبنانين، وفور وصولنا إلى العراق الحبيب، شكلنا لجنة تنسيقية، وبدأنا العمل مع أهلنا اللبنانين بتأمين مسلتزماتهم أيام الحرب…
– عرف عنك دورك الفاعل في خدمة اللبنانيين الوافدين إلى العراق… ما باعث ذلك؟
الباعث وراء ذلك هو الدافع الديني والأخلاقي الذي علمنا إياه آل بيت الطهر والعصمة بالسعي لقضاء حوائج المسلمين…
–ما الدور الذي أديتيه في العراق في ما يتعلق بالنازحين؟
بعد تشكيلنا هذه اللجنة المصغرة، بدأنا بالتواصل مع المعنيين في العراق، على الصعد كافة؛ الدولة والعتبات وبقية الشعب العراقي لتأمين كل مسلتزمات الحياة الكريمة لهؤلاء الضيوف من لحظة دخولهم العراق إلى لحظة وصولهم الى لبنان الحبيب…
بفضل الله سبحانه وتعالى, لم نواجه عراقيل صعبة فط، بل كان الجانب العراقي على أعلى قدر من المسؤلية تجاه اللبنانيبن، ناهيك بان الإخوة العراقيين أبوا ان يسموا ضيوفهم نازحين، بل وصفوهم بصفة حب ضيوف العراق…
العراق بلد الكرم والاصالة، بلد سيد الشهداء الذي تعلموا منه الكرم والتضحية والإباء… فالاخوة العراقيون قدموا كل ما يملكون من الغالي و النفيس لإكرام ضيوفهم…
-ـلوحظ دور طليعي ومميز للعراق الشقيق في إغاثة اللبنانيين… كيف بدا ذلك؟ وما رأيك في هذا الدور…
بدأ دور العراق منذ لحظة بداية الحرب، عندما أعلن السيد علي الحسيني السيستاني فتوى إغاثة اللبنانين، ومنذ تلك اللحظة، لم ير الإخوة العراقيون النوم في عيونهم، فقد وصلوا الليل بالنهار لتأمين كل ما يلزم، من فتح جسر جوي وبري إلى لبنان، إلى تأمين الضيوف عندهم…
–ما دورك في تسهيل الرحلات من لبنان إلى العراق؟
بعد وقف إطلاق النار، صدر قرار من رئيس الوزراء العراقي بإجلاء اللبنانين مجانا إلى لبنان، لكن قضية سقوط نظام الأسد أتت على عرقلة هذه القضية بعض الوقت…
في هذه اللحظة، أخذنا قرارا بالتحرك العاجل، فأخذنا التواصل مع المعنيين لتأمين خط جوي عبر طيران الشرق الأوسط و دخطوط اور عبر بعض المتبرعين، لإرسال الحالات الأكثر حرجا…
وقد نجحنا بإرسال ثلاث طائرات عبر متبرعين قبل بدء الرحلات المجانية…
—ماذا تخبرين اللبنانيين الذين ينتظرون العودة إلى لبنان؟ وهل هناك مدة نهائية للعودة؟
أقول لأهلنا اللبنانين الموجودين في العراق: إن القرار صدر بعودتهم جميعا إلى لبنان، لكن الصبر الصبر مدة قصيرة، والجميع سيعود إلى لبنان…
في الحقيقة، لا توجد مدة نهائية لعودة الجميع ممن يرغب، لكن لن تتوقف الرحلات حتى عودة الجميع بسلامة ان شاء الله…
–هل من مساعدات عراقية للعائدين للبنان… ولا سيما أن غالبيتهم فقدت بيوتها ومصادر رزقها؟
نسعى إلى التواصل مع بعض المتبرعين للتبرع بمساعدة العوائل بعد عودتها وإن شاء الله خير..
– هناك تخوف عند العائدين للبنان من ضبابية وقف إطلاق النار وتجدد المعارك… هل هناك خطة معينة للتعاون المستقبلي مع العراق لطمأنة العائدين…؟
نعم، التخوف موجود، لكن نقول إن شاء الله لن تعود الحرب…
لا يوجد حتى هذه اللحظة خطة، لأن الطريق البري عبر سورية مقفلة، لكن لا سمح الله إن عادت الحرب، يقينا فإن العراق سوف يفتح ذراعيه مرة اخرى لأهله وإخوانه اللبنانين…
–ما الدروس والعبر من تجربتك المميزة مع النازحين…؟
علمتني هذه التجربة أن نكون أخوة في الغربة، وعرفتني إلى عائلة كبيرة من الإخوة اللبنانيين والعراقيين، وعلمتني أن الحياة هي لحظة ولا يمكن للمرء أن يأخذ معه سوى عمله الصالح…
–هل من تقصير لبناني رسمي تجاه النازحين إلى العراق..؟ وما دعوتك للسلطات اللبنانية؟
لا أستطيع القول إن الدولة اللبنانية أدت كل حقوق النازحين، فقد كان هنالك تقصير، لكن وزير النقل اللبناني الأستاذ علي حمية وسعادة سفير لبنان في العراق الأستاذ على حبحاب، كانا معنا ٢٤/٢٤ للوصول لأفضل حلول، وفعلوا كل ما بيدهم…
-ما دعوتك العاجلة إلى السلطة اللبنانية؟
أدعو السلطة اللبنانية إلى أن ترسل طائرات مجانية لإجلاء اللبنانين الذين لا يزالون موجودين في العراق، خصوصا أن الإجلاء العراقي هو طائرة واحدة يوميا، فيجب تكثيف هذه الطائرات لعودة الجميع في اسرع وقت….
–ما الجهات الرسمية والدينية التي أدت دورا مميزا في إغاثة اللبنانيبن؟
الجهات الرسمية والدينية العراقية على رأسها سماحة السيد السيستاني بفتواه المقدسة، ورئيس الوزراء العراقي الأستاذ محمد شياع السوداني الذي كان له الدور الأكبر في اغاثة هؤلاء الناس، فضلا عن العتبات المقدسة وكل مراجع العراق والفصائل الشعبية، خصوصا حشدنا المقدس…
-اللبنانيون من مختلف الطوائف شعروا أن أخا عراقيا كبيرا احتضنهم… ما تعليقك على ذلك؟
دائما العراقي هو الأخ الحنون والكريم، فلا يسعني إلا القول لهذا الأخ: شكرا شكرا شكرا…
-ما عدد الوافدين اللبنانيين إلى العراق.. وهل شكل هذا العدد الكبير عبئا على الشعب العراقي؟
اللبنانيون الذين وصلوا إلى العراق طوال أيام الحرب ل ٦٦ هم تقريبا ٣٢ الف لبناني، أكيد لم يكونوا عبئا، فالذي يستقبل ٢٣ مليون زائر بالأربعينة المقدسة يستطيع أن يستقبل بضع آلاف…
-ما أنواع الخدمات التي قدمها العراق للوافدين…؟
الخدمات التي قدمت للضيوف: أولا نقلهم من سوريا الى العراق مجانا / تأمين مساكن لهم/ طبابة/ تعليم / جميع مستلزمات الحياة من مواد عينية و مادية اي كل ما يحتاجه الانسان ليعيش عيشة كريمة…
ـلوحظ انك هاتفك لم يتوقف لخدمة الوافدين… ومع ذلك كنت تشعرين بالسعادة… لماذا؟
الهاتف وما أدراك ما الهاتف؟ فعلا ٢٤/٢٤ كنت ولا زلت أتابع الاتصالات بكل محبة، الحمد لله الذي وفقنا لخدمة الناس… لماذا؟ لان أهل البيت والعصمة علمونا أن السعي لقضاء حوائج المؤمنين فيه من الأجر الذي لا يعد ولا يحصى، ونحن نطمع بهذا الأجر من الله عز وجل، وبنظرة كريمة من سيد الشهداء وهذه أمانة… سيد شهداء الأمة في أعناقنا، وإن شاء الله نكون على قدر الأمانة…
–ما الكلمة الأخيرة التي توجهينها للمقصرين بلبنان ولدولة العراق الشقيق؟
أقول للدولة اللبنانية: هؤلاء الناس هم يحملون الجنسية اللبنانية, وهم لبنانيون أبا عن جد، اسعوا لعودتهم، ففي يوم من الأيام أنتم بحاجة لهم…
وكلمتي للعراق: شكرا شكرا للعراق مرجعية وحكومة وشعبا…
أوجه طلبا لأهلنا العراقيين دولة وشعبا، انظروا اليوم الى مستضعفي الشيعة في سوريا… فقد نزحوا إلى بلد لم يخرج من الحرب بعد، واصلا هو مدمر اقتصاديا قبل الحرب، انظروا إليهم نظرة كريمة بعطفكم، وأنا وفريق العمل مستعدون ايضا للعمل على توصيل مساعدتكم لاهلكم السورين في لبنان…