السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / الأدب المنتفض / الاتفاق الهش!

الاتفاق الهش!

الإتفاق الهش

بقلم المحامي الأستاذ بسام الشريف 
عادةً ما يُتفق بين المتحابين بصورة سلمية على بنودٍ لإتفاق يكون مُرضٍ عادة بكافة مُندرجاته لطرفي العلاقة المعنيَن. بينما بحالة الحرب الوجودية الضروس، وما أسفر عنها من توقيع إتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل يوم الأربعاء بتاريخ 27\11\2024، توضّح على مر الأيام والتُجربة أن الكيان العنصري البغيض برمته، لا يحترم لا الوعود ولا العهود التي قطعها، بدليل مندوبهم لدى الأمم المتحدة الذي مزق ميثاقها بوقاحة وجهاراً، وضف إلى ذلك رئيس حكومتهم أفرد من المحفل الدولي عينه خريطة الشرق الأوسط الجديد أي إسرائيل الكُبرى- إسرائيل العُظمى، وفصلها وشرحها بين معادٍ لمشروعه صَنفه محور الشر ونعته بالشؤم والظلام الدامس والإرهاب، لمجرد وقوفه سداً منيعاً أمام أهدافه، وفي المَقلب الآخر ذكر المحور المؤيد له، والموافق على مشروعه، ووصفه بالحمل الوديع والمُحب للسلام والطرب والفن والزجل والموسيقى والفنون الجميلة، وأعطاه وصف المحورالراقي الclass   و”العاقلين والمهذبين”.
هذا ما يؤكد المؤكد، أن سيكولوجية هذا العدو، وتجربتنا معه، نجزم من خلالها أن إيديولوجيته توسعية صرفة، وأنه لا يُذعن لا لقرار دولي، ولا يرضخ لهيئات الأرض والأكوان كلها، لذلك لايؤمن جانبه ولا جيرته. وفي تفنيد للإتفاق بصورة موجزة نرى أن كفة الميزان هي بصالح الصهيوني، نرى خروقاته ماضيةً قُدماً من خطف وإستهداف المدنيَن العُزل المحايدين، ومن جهة أخرى نستشف من مهلة الستين يوماً للإنسحاب من القرى الأمامية أنها نقطة ضعف فتحت من خلالها شهية العدو للبقاء، وربما للإستقرار، ومن يمنع من توسعه وتمدده بعد تفكيك البنية الفوقية والتحتية للضيع المتاخمة، وما زاده من جرأة وإقداماً هو ضرب كل المنشآت العسكرية السورية، وتوغله بداخلها بفرقة زجل وموسيقى دون “ضربة كف”.
لا بل أكثر من ذلك، إن نقطة حق الدفاع عن النفس هي موضوعة لكلا الطرفين، هذا بند قاسٍ ومجحف من جهتنا، بحيث إن المقاومة لديها عدة إعتبارات داخلية، بإعتبارها تضرب ألف ألف حساب في الرد على هذا التقدم والتوغل الحاصل والإنتهاك للبنود، في المقام الأول تأخذ بعين الإعتبار عودة نزوح أهل الجنوب بعد ما عانوه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هنالك فريق وازن أساساً وأصلا ضد فكرة قتال إسرائيل، ومُتربص لأي فعل أو حركة مقاومة قد حصلت أو ستحصل تحت شعار “جرنا على الحرب”، وهو سعيد ضمنياً بما مُنيت به المقاومة. وهنالك عامل ثالث يحسب له حساب، أن الجيش اللبناني المُمسك بزمام الأمور ما بعد الليطاني جنوباً، وبصورة عامة إلى أي مدى قادر وعازم ومُصمم على لجم إسرائيل، وكلنا يعلم مدى ضعفه لمواجهة حرب كلاسيكية بظل قدرته التسليحية المحدودة نسبياً أمام جيش الدفاع الإسرائيلي. وإن اللجنة المُشكلة للإشراف على تطبيق القرار1701 هي مُنحازة وغائبة ومُغيبة عمداً ونائمة ولن تستيقظ من سباتها العميق، إلا عندما تقع الواقعة، وستُفرغ العديد من الأوراق والمحاضر والحبر في تسجيل الإنتهاكات من جانب واحد معلوم، وهذا سقفها وحدودها “باش كاتب”.
في حين أن إسرائيل مُطلقة اليد في البر والسماء، وربما البحر قريباً، مُستغلة عدم الإجماع من كل لبنان على إمتلاك العقيدة الدفاعية عن الوطن، وعدم إعتبار إسرائيل عدو لدى نصف النسيج اللبناني.
بناءً على ما تقدم، إن هذا الإتفاق ركيكٌ وهش ببنوده، وهنالك طرفٌ كل العالم بأسره معه، وفريق ليس لديه سوى بندقيته وإيمانه، صابر يده على زناده، لكن متريث إلى أبعد الحدود، وهنالك بعض الأسئلة تُطرح في هذا السياق، من سيدافع عن أهل الجنوب بظل التقاعس الواضح من قبل السلطات الرسمية؟ وهل تمتلك أساساً هذه السلطات النية للقتال والإرادة؟ هل قادر الجيش اللبناني على لجم العدو وضبطه من تفلته؟ من سيسلح الجيش؟ وهل من سيسلحه سيشترط عليه مسبقاً عدم قتال إسرائيل؟ إذا ما واجه الجيش وقصر بالقيام بواجباته، هل سيكون الجميع خلف المقاومة والشعب للدفاع عن حدود لبنان إذا ما بقيت إسرائيل بعد الستين يوماً تمعن بالبقاء داخل الأراضي اللبنانية أو إذا ما قضمت وهضمت أراضٍ إضافية خارج خط الليطاني؟
إن تمسك نصف اللبنانين على ما يبدو بتطبيق القرار 1701 هو خير شاهد حي ودليل على أن هدفه حماية إسرائيل لا حماية لبنان والجنوبيين، وتأمين لها الطريق والسبيل اليسير للحصول بالسلم على ما لم تجرؤ وتستطيع تحقيقه في الحرب. الإشكاليات الآنفة الذكر، جوابها معلوم وواضحة السقف والأفق، على الشعب اللبناني العاقل المُدرك الوقوف خلف جيشه ومقاومته، ولا خيار لنا في هذه البقعة الجغرافية سوى النضال للبقاء والصمود أمام هذا المد اليهودي التوراتي التوسعي الجارف، الواضح وضوح الشمس في كبد النهار.