مقالات سيكولوجية في الحياة والمجهول والنظرية الخاطئة والتضليل
بقلم الكاتبة الدكتورة رلى فرحات -لبنان
حين يفقد الإنسان شغفه بالحياة، تنطفئ تلك الشرارة التي تمنحه طاقة للاستمرار، فتغدو الأيام متشابهة، والأفق مليئاً بالضباب. الخيارات تصبح محدودة، وكأن الروح باتت أسيرة دائرة مغلقة، تدور حول ذاتها دون أن تجد منفذاً نحو النور. تتحول الأنشطة اليومية إلى مجرد روتين جامد، خالٍ من الإبداع أو الهدف، وكأن كل ما حولك فقد لونه وملمسه ورائحته العطرة.
لكن، حتى في أعمق لحظات الضباب، يمكن للشغف أن يعود، كالشمس التي تخترق السحب الكثيفة. قد يتطلب الأمر لحظة تأمل صادقة مع النفس، أو تغييراً صغيراً في العادات، أو ربما فرصة جديدة أنت تصنعها تعيد تعريف الهدف والمعنى. ففي أعماق الجمود، يكمن دائماً بذرة جديدة تنتظر أن تُسقى بالأمل لتزهر من جديد وتُغذى بالإيمان القادر على قلب الموازين. إيمان بالله الخالق مدبر الأمور القادر على كل شيء، وإيمان بالذات الذي هو مفتاح للبدء من جديد رغم كثافة الضباب وشدة الآلام.
رُلى فرحات
08-12-2024
المجهول: بين الخوف واليقين
لطالما أثار المجهول في نفوس البشر شعورًا مزدوجًا بين الخوف والترقب. لكن، هل هو حقًا مجهول كما نعتقد؟ أليس المستقبل انعكاسًا لما نبنيه اليوم بأيدينا، من أفكار ومشاعر وسلوكيات، تنبثق من قناعاتنا وتجاربنا؟
ربما المجهول ليس إلا مرآة لما غرسناه بوعي أو بدون وعي. فكل فكرة زرعناها وكل فعل قمنا به هو أشبه ببذرة تنمو بصمت لتصبح حقيقة غدنا. لكن لماذا نخشى هذه الحقيقة؟ ربما لأننا نميل إلى تجاهل قدرتنا على الربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. وربما لأن الإعتراف بالحقيقة يحمل معه الألم والغصة.
العقل الجمعي كثيرًا ما يجرنا إلى أنماط تقليدية ونماذج مكررة، مما يحد من قدرتنا على التفكير النقدي والتأمل العميق. نسير أحيانًا وفقًا لما يُملى علينا، غير مدركين أننا بذلك نفقد نعمة التفكر والتخطيط بعيد المدى ونصبح مرآة للآخر نفقد معها هويتنا الذاتية.
أن تعيش اللحظة هو مفهوم جميل بحد ذاته، لكن إذا لم يكن متوازنًا مع قراءة الماضي واستشراف المستقبل، فإنه يفقدنا معنى التراكم والتجربة. اللحظات ليست منفصلة، بل هي خيوط تشكل نسيج الحياة.
ربما الحل يكمن في أن نوسّع آفاقنا ونتعلم من التاريخ لا باعتباره قصصًا تُروى للمتعة وإثارة النشوة والتباهي على الأطلال، بل كنوافذ على الحكمة التي تراكمت عبر الأجيال. بذلك، يمكننا أن نستبدل لحظات النشوة العابرة برؤية أعمق وأبعد، تجعلنا أكثر يقينًا وثباتًا أمام المجهول.
وعليه، لا يمكننا أن نهمل مرجعيتنا الإيمانية، فهي البوصلة التي تضمن لنا وضوح الرؤية واستقامة المسار. في ظل التحديات والصراعات الفكرية، يبرز دور التمسك بالدستور الإلهي بعيدًا عن ضجيج الأصوات التي تدّعي الإصلاح، لكنها في الواقع تسلبنا حريتنا وتحولنا إلى بيادق في الخطوط الأمامية وتدفعنا نحو مسارات مظلمة، ثم تسير بنا إلى المجهول، والغريب أننا نبتسم … وهذا موضوع آخر
إن كان هناك درس جوهري نتعلمه من المجهول، فهو أنه ليس عدوًا نخافه، بل فرصة نعد لها بعقل واعٍ وقلب مخلص.
رُلى فرحات
10-12-2024
[
*النظرة الخاطئة وتداعياتها على النفس*
إنّ النظرة الخاطئة للأمور ليست مجرد انحراف بسيط في فهم الواقع، بل هي معضلة نفسية وإجتماعية قد تترك بصماتها العميقة على الفرد والمجتمع. وكما يقول المثل: “ما كل ما يلمع ذهباً”، فإن مظهر الأشياء غالباً ما يخدعنا، ويدفعنا لتبني قناعات أو إتخاذ قرارات على أسس غير صحيحة.
تتأثر نظرتنا للأمور بعوامل عديدة منها التربية، العقائد، المعتقدات، والمجتمع الذي نعيش فيه. هذه العوامل قد تساهم في صياغة رؤيتنا، لكنها أيضاً قد تخلق ما يشبه “الضباب” الذي يعوق وضوح الفهم. فنحن، في كثير من الأحيان، ننقاد للنمط الاجتماعي السائد خارجين عن التفكير العميق أو التحليل المنطقي. ننساق خلف القاعدة التي تقول “قام الملك، سقط الملك”، ونتبنى أفكاراً بدون أن نتساءل عن حقيقتها.
لكن عندما تحين لحظة الحقيقة، ويُزال النقاب عن الواقع، نجد أنفسنا أمام صدمة قوية. تتكشف الأمور على غير ما كنا نتصوره، ونشعر بخلل عاطفي ونفسي كبير. هذا يحدث لأننا في أعماقنا كنا ندرك الحقيقة، لكننا رفضناها تحت تأثير العقل الجمعي الذي يملي علينا قناعات لا تنبع من ذواتنا.
الخطورة تكمن في أن هذا الإنقياد الأعمى يفقدنا إستقلاليتنا الفكرية. فحين نسمح للآخرين، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، بتحديد رؤيتنا، نصبح مثل قطيع يقتاده راعٍ قد لا يمتلك من مهنة الرعي إلا الإسم. هذا الإنقياد يفقدنا فرصة إستخدام عقلنا، ويفوت علينا فرصة تقييم الأمور بموضوعية.
لذلك، فإنّ التصدي لهذه المشكلة يتطلب منا الوعي بأهمية التفكير المستقل والتحليل الموضوعي. علينا أن نتعلم كيف ننظر للأمور من زوايا متعددة، وكيف نبتعد عن التحيزات والتأثيرات الخارجية. فلكل منا نظرته وفكره وإستراتيجيته، وهذه الأدوات يجب أن تكون حاضرة عند إتخاذ أي قرار أو تبني أي فكرة.
في النهاية، حياتنا ليست مرآة لما يعتقده الآخرون، بل هي إنعكاس لرؤيتنا الذاتية للأشياء. وكلما كانت هذه الرؤية مبنية على أسس صحيحة وواضحة، كانت قراراتنا أكثر صواباً ونفوسنا أكثر إستقراراً.
رُلى فرحات
09-12-2024
تكلمنا سابقا عن سيكولوجية الحرب النفسية، سيكولوجية التحمرن، سيكولوجية التجهيل وغيرها الكثير. وكلها تندرج تحت عنوان عريض “حرف البوصلة عن اتجاهها المنطقي وتظليل الحقيقة، إن لم يكن إخفاؤها”. المعضلة تكمن بأن السيناريو ينص على إخفاء الحقيقة، نعم صحيح لا إشكال بذلك، إنما أن تُخفى بذات اليد التي تُطالب بها فهذا أمر جنوني بل هو الموت بعينه.
كلنا تابعنا ما تيسر من نقل مباشر وغير مباشر لمشاهد مصورة من التحرير وكسر القيود والمناشدة بالحرية بل والتهليل لما أسموهم اليوم، “أبطال فاتحون”، وهم ذاتهم كانوا بالأمس القريب قتلة مبدعون، فهل هناك عاقل يقبل بهذا المجون؟!!
لا يجب أن يغيب عن بالنا أبدا أن الممثل ومهما ارتدى ليناسب مجريات الدور، يبقى يخدم المستلزمات الرئيسية لتأدية هذا الدور حتى وإن اختلفت أو تبدلت المشاهد، تبقى الصورة الأساسية “البوصلة” والتي للأسف تُحرّف عن موضعها أمام عيوننا ونحن نترنح في نشوة المشهد، نمشي مع الماشي ونقول: يارب عين، هذا ابتلاء من الله، هكذا يريد الله، هذا إمتحان من الله، إلى آخره..
هل من الممكن أن تتركوا شماعة الله للحظة وتتفكروا بمجريات الأحداث؟ هل تستطيعون مشاهدة المقطع أكثر من مرة بالبصيرة وليس بالنظر؟!! الله جميل لا يأتِ إلا بالخير. نحن مَنْ ننسج الشرور ونلبسها عباءة التقوى لتكون وسيلة للسيطرة ولتحقيق مآربنا الشخصية واحتياجاتنا الأساسية، واهمين أننا بخير.
فعلا ألا يستوقفكم هذا المسلسل الطويل الذي تمتد حلقاته إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، بل إلى عهد خاتم الأنبياء، حقيقة يصل إلى أول الخلق حيث نصف الشر قتل نصف الخير، والحلقات مازالت تتوالى… لن أعود إلى العهد القديم، بل يكفي تعالوا نُقرّب الصورة على ما يجري منذ ما قبل الربيع العربي، وأي ربيع هذا؟ وأي زهور تفتحت؟ وأي شذا فاح؟ !!!!
التفاصيل ذاتها وإن اختلفت المشاهد، والمفاصل نفسها وإن اختلفت الطرق، وتبقى الأداة واحدة تخدم أصحاب الجلالة. هؤلاء هم من يحفظون التاريخ ويدرسونه من كل الجهات والنواحي، وهم أيضا من يغيروا كتابات هذا التاريخ، وهم كذلك من يصنعونه على مقاس تطلعاتهم لعقود قادمة، ويسخرون كل شيء لخدمة أهدافهم: الدين، التربية، الإقتصاد، الأمراض، العلوم، … وحتى الطبيعة بكل مافيها على سطحها وفي باطنها… وهنا سؤال: هل تغيرات المُناخ طبيعية؟ وهل حقا هذا فقط بسبب الإحتباس الحراري؟! هل كل زلزال هو صرخة من جوف الأرض ناجمة عن تكسر طبقات صخورها صدفة؟ رجاء لا تجيبونني بآيات من القرآن، ولا ينصوص من رجال الدين، إذ أنا لا أعمم، أنا فقط أشير وإن القاصد للحقيقة سيفهم حتما.
ونعود إلى المقاطع المصورة المضحكة المبكية التي تستثير عاطفة المشاهد وتسعى إلى تجميد فكره وتحويله تحويلا جذريا عن الصورة الحقيقة للمشهد. المبكي فعلا أن نركز على موضوع ولا أقول أنه لا يستحق ذلك، لكننا نُساق بطريقة تُعمي أعيننا عن المشهد الكبير الحقيقي الذي يُصار إلى تنفيذه بسلاسة وهدوء وبنشر الأرز والورود وبضحكات تعلو أزيز الرصاص، والأدهى تناقل أخبار قتل العلماء والرواد والمفكرين … بصيحات التبريكات والعظمة.. شعوب لا أدري ماذا أقول.. الصمت أبلغ لغات الكلام!!!
سيكولوجية تسطيح العقول بل الإنتحار الجماعي خدمة للكاتب وكُرمى لعيني المخرج… صراحة يستحقون كل تقدير بمعزل عن ما ينزلونه بنا من بلاءات ومآسي وآلآم، إنهم أذكياء جدا ويسيرون قدما في حلقات المسلسل، يحورون الأحداث ويبنون الخلفيات، يختلقون مشهدا وهميا جذابا، ليستثيروا به عصبيتنا الكاذبة وقوميتنا المنافقة، فيحولوا أنظارنا عن المشهد الرئيسي ويُسخروننا لتحقيق أهدافهم واحدا تلو الآخر، ونحن نكتفي بربط من هنا وربط من هناك بتفاصيل وعلامات وأرقام وألوان، هي بعيدة كل البعد عن حقيقة المشهدية.
لن أقول إن غدا لناظره قريب، ولن أقول غدا يذوب الثلج ويبان المرج، فكم من غد أصبح حاضرا، وكم من مرج بان وأشرق ونحن مازلنا نرفض الحقيقة ونتغنى بآلآم الجهل، بل ونفاخر بها على الرقعة الوحيدة “مواقع التواصل الإجتماعي” المُتاحة لنا بإذن من المخرج والتي تلقفناها واحتضناها بصورة أدهشت المخرج وخياله وحتى توقعاته، إذ حولتنا إلى عبيد مسيرين ومربوطين بلجام الكاتب المبدع وإليه طائعين، آمين.
رُلى فرحات
13-12-2024