السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / الأدب المنتفض / سيكولوجية الاستحمار!

سيكولوجية الاستحمار!

بقلم د رلى فرحات 

كتاب “النباهة والاستحمار” لعلي شريعتي هو رسالة فكرية عميقة يتناول فيها مفهومين متناقضين: النباهة، أي الوعي الفردي والاجتماعي، والاستحمار، الذي يشير إلى التجهيل المتعمد وتضليل الشعوب. وكيف يمكن للأنظمة أو القوى المهيمنة أن تستغل أدوات الثقافة والإعلام والدين لإشغال الناس بقضايا سطحية وتافهة، مما يبعدهم عن التفكير في قضاياهم الجوهرية، مثل الحرية، العدالة، والتغيير.
يرى شريعتي أن الاستحمار له وجهان:
1. الاستحمار الجلي: وهو القهر المباشر أو الخداع الواضح.
2. الاستحمار الخفي: وهو أخطر، حيث يتم التلاعب بالعقول من خلال التوجيه غير المباشر لإبعاد الناس عن دورهم في الإصلاح والتقدم.
الرسالة الأساسية للكتاب هي دعوة الناس إلى النباهة الفكرية وإلى فهم عميق لقضاياهم المصيرية، مع مقاومة أي محاولة لجعلهم أدوات طيّعة في يد السلطات أو القوى التي تسعى للهيمنة عليهم.

أما اليوم فنحن أمام موضة جديدة (ترند) هي سيكولوجية التحمرن مع كل الاحترام للحمار ولذكائه ولصبىره.

تكمن هذه السيكولوجية بالإدعاء بالفهم (سيكولوجية الاستعراض) (وشوفوني ما في حدا مثلي، وأنا يلي بعملو ما حدا بيقدر يعملو)
تهديدات الكيان الغاصب من كل حدب وصوب وإجرامه لا يوفر حجر أو شجر او بشر وهو يقتل ويشرذم ولا يعري أي أهمية للقوانين والمواثيق الدولية حتى أنه يضرب بدون رحمة سيارات الاسعاف والإنقاذ والدفاع المدني ومحيط المستشفيات بل يعبث في المقابر وينشر قبور الموتى وينتهك الحرم.. ويقوم بتدمير المساجد والمراقد المقدسة ويعبث في الكنائس ويسخر من المقدسات.
فوق كل هذا نرى جموعا غفيرة من الناس تتجمهر لتصوير مبنى مهدد بالإستهداف ومنهم من يتجلى الذكاء في دماغه (هذا إذا كان في رأسه دماغ)، يفتح مظلته كي تقيه شر الشظايا المتناثرة، أيعقل هذا !
وهناك من كان يسارع لتوثيق تدمير مبنى من على شرفة متزله في الطابق العاشر، فهوى إلى الأرض من شدة عصف الإنفجار.
بل والأضرب من هذا كله شاب يضع نرجيلته على الرصيف يترقب الاستهدافات ويعلق نجوما على أكتافه جزاء لصنيعه. كيف لا وهو الإعلامي الأول (الله يبعد الحسد) يلتقط الفيديوهات التي توثق مآسي الناس… كم أنت سخيف!
بالإضافة إلى هذا كله، تصوير الأطفال بحجة الأنشطة التفريغية لتحسين صحتهم النفسية والتقاط الصور معهم لتوثيق الإنجازات العظيمة! ما هذه العظمة التي تبنى على دموع الإنسانية وتجريحها، لا تنسوا الأطفال أحباب الله ولهم حرمتهم الخاصة وعليكم مراعاة ذلك. شكرا لكل ما تقدمونه واتقوا الله في إمرأة هنا وشيخا هناك وطفلا حائرا بعيدا عن كل مقومات الأمان…

قال الإمام علي ع: لو كان الفقر رجلا لقتلته!
سيدي، ماذا كنت لتفعل لو أن هذه المساطر كانت على زمانك؟ ورب الكعبة حلالا فيها مشانق في الساحات لتكون عبرة لمن اعتبر .

با شعب لبنان العظيم استيقظوا من هذا الثبات، والله إن مواقع التواصل الإجتماعي قد أذهبت عقولكم واحتلت رشدكم وأضاعت صوابكم، عودوا إلى وعيكم فأنتم مدمنين على قيد التبجح بالإيمان.

“إنّ مشاهد العبثية التي نراها اليوم ليست سوى دليل على أننا بحاجة ماسة لإعادة بناء الوعي الجمعي. هذا الوعي يبدأ من إدراك خطورة الانشغال بالقشور على حساب الجوهر. علينا أن نكون أدوات للتغيير لا أدوات للعبث، أن ننشر الوعي بدلاً من المآسي، وأن نحول وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات للتضامن الحقيقي لا التفاخر الزائف.

لبنان الذي نعرفه ونحبه يستحق منا أكثر من ذلك. إنه يستحق شعباً واعياً متماسكاً يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. ربما تكون الحرب قد كشفت عيوبنا، لكنها أيضاً فرصة لإعادة بناء أنفسنا، لنصبح شعباً يعرف قيمة الحياة والسلام، ويُقدّر حجم المسؤولية تجاه الأجيال القادمة.

لنستيقظ ونُدرك أن كل فعل نقوم به يمكن أن يكون طوق نجاة أو رصاصة طائشة في قلب الوطن. الخيار بين أيدينا.”