الجمعة , فبراير 21 2025
الرئيسية / الأدب المنتفض / هل شعر الشاعر الأندلسي وغيره تقليدي مسروق أم ابن التناص؟!

هل شعر الشاعر الأندلسي وغيره تقليدي مسروق أم ابن التناص؟!

أ. د. أنور الموسى 

تذكر بعض الكتب والأبحاث أن شعر يحيى الغزال تقليدي، سواء في الغزل أو الهجاء أو الزهد… ويعتمد المنتقدون على نماذج وأغراض تعود إلى العصور الجاهلية والأموية والعباسية…

ومن وجهة نظري، إن هناك تعجلا في هذا الحكم… فالشاعر لم يسرق ممن سبقه من الشعراء، بل تأثر بالقديم وهذا أمر طبيعي… بالأفكار متشابهة عند البشر، ولها علاقة باللاوعي الجمعي…

فمن الطبيعي أن يلجأ الشاعر إلى مضامين وصور وإيقاعات مألوفة… فحين يتغزل مثلا سيلجأ إلى صور تخال أنها مسروقة ولكنها موجودة في مخيلة اي إنسان، كتشبيه الحبيبة بالقمر والقد بالغصن… لكن الأسلوب عند كل شاعر يختلف… ولذا الأولى أن نقول إن شعر الشاعر يخضع إلى مبدأ التناص لا التقليد أو السرقة الشعرية، فبفضل التناص يصبح النص لوحة فسسيفسائية من الاقتباسات، والتناص قدر كل نص، وهذا الاقتباس قد يكون دينيا أو أدبيا أو تراثيا… فما هو التناص؟

مفهوم التناص يشي بأن “كلّ نص هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى”، ويشمل هذا التعريف في حقيقته المصطلحين معاً وعملهما، فأيّ نصّ جديد تشكيل من نصوص سابقة أو معاصرة وردت في الذاكرة الشعرية تشكيلاً وظيفيّاً، بحيث يغدو النص الحاضر خلاصة لعدد من النصوص التي امحت الحدود بينها، وكأنّها مصهور من المعادن المختلفة المتنوعة الأحجام والأشكال، فيُعاد تشكيلها وإنتاجها في أحجام وأشكال مختلفة، بحيث لا يبقى بين النّص الجديد وأشلاء النصوص السابقة سوى المادة وبعض البُقع التي تومئ وتشير إلى النّص الغائب، وإذا توخينا التقسيم الدقيق في هذا التعريف فإننا نجده يتضمّن في داخله النص الحاضر والنص الغائب وعملية التناص، أو تشكيل النص الحاضر من النصوص الغائبة تشكيلاً وظيفيّاً “كل نص= النص الحاضر”، “هو امتصاص وتحويل= عملية التناص”، “لكثير من نصوص أخرى= النصوص الغائبة”، ونفهم من هذا التعريف أن التناص يلغي الملكية الخاصة للنص والأجناس الأدبية والمناهج اللاّ نصية؛ فهو يلغي الملكية الخاصة للمؤلف، فالتناص عمل نصوصي آلي حتمي (كل نص امتصاص وتحويل)…
فالتناص عملية متكرّرة بالضرورة، وكلّ نصّ جديد يولد من رحم نصوص قديمة، ثم يتحوّل النّص الجديد بدوره إلى رحم لولادة نصوص أخرى، ومن هنا يتضمّن التناص مقولة “موت المؤلف”، ثم إنّ هذه النصوص ليست من جنس واحد بالضرورة، لأن التعريف السابق لا يحدّد ذلك، فقد يكون النص الغائب شعريّاً أودينيّاً أو تاريخيّاً، أو من التراث الشعبي، أو سوى ذلك، ولذلك فإن مصطلح التناص يقول بتداخل الأجناس الأدبية وسواها، أو يذهب إلى إلغائها، وما دام التناص امتصاص نصوص سابقة وتحويلها إلى نصّ حاضر، فإن العملية لغوية خالصة، ولذلك فإن النص الغائب يلقي الضوء على النص الحاضر لفهمه وتأويله، ومن هنا فإن النص يفسّر النص…