بقلم المحامي المتدرج: أ. بسام حسن الشريف
•ثقافتا الموت والحياة•
أظهرت على السطح في الآوانة الأخيرة بروبغاندا مصدرها الغُرف المُظلمة، مصطلحي ثقافة الموت والحياة، وتصدرت الشاشات العريضة وإنتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي كالنار في الهشيم، وباتت تتناقلها الألسن الناقلة لا العاقلة من دون إدراك كُنهها ومغزاها.
يتوهم بعض من يملكون ناصية الفكر والكلمة العربية والفرنكوفونية… بفضل الإرساليات الأجنبية في مطلع القرن الماضي، أنهم بإستحواذهم على المعرفة والثقافة والدرجات العلمية الأكاديمية العليا، وبمحبتهم للمسرح والفن والموسيقى بأطيافها المتنوعة، وبتبنيهم للحياة الغربية بكل مندرجاتها وطقوسها، وبإيمانهم بالحرية المطلقة والليبرالية، أنهم إرتقوا وأصبحوا بمصافي الكائن المدرك والعالم والراقي والمتفوق.
هذه بعض سمات من يطلقون على أنفسهم محبي “ثقافة الحياة”، السؤال الذي يطرح نفسه بصورة مقابلة، هذا المجتمع الآنف الذكر، هل ستقوده هذه الثقافة إلى التسامح الزائد والضعة والضعف إذا ما تعرض لغزوة غازي أو لعدوان سافر؟! وهو عالم علم اليقين، أن لا الفن الرفيع ولا الموسيقى الغربية والشرقية لتنقذه من براثن ومخالب الأعداء ولا نُبله الزائد ولا حياديته الخيالية لتنقذه، إلا ردع العدوان و الدفاع عن النفس والاستمرارية للبقاء سواء (ديمغرافياً وجغرافياً)، هل سينقلب الإنسان الراقي والمتفوق والنبيل من مُحب للحياة إلى محب للموت إذا ما دافع عن نفسه وأرضه وشرفه؟!
في المقلب الآخر، إن ثقافة الموت، هي ثقاقة الموت ليس من أجل الموت بحد ذاته، بل هي الفناء والذوبان والإرتقاء إلى الملكوت الأعلى، بُغية بقاء وحماية أجيال صاعدة على هذا التراب، وهؤلاء الذين يُدرجون ضمن هذه الخانة، هم من أهل المعرفة والحكمة وحملة أعلى الدرجات العلمية، ويعشقون الحياة كسائر بني البشر، ويحبون الأدب والموسيقى ويصولون ويجولون في كل بقاع الأرض وأصقاعها، لكنهم لا خيار لهم سوى التصدي والصمود والبقاء بظل تقاعس القوى النظامية والإقليمية والتركيبة العالمية الخادمة لمِلة صغيرة جداً، تاريخها ناصع بالبداوة والجاهلية ومُتمثلة بقتلة الأنبياء والرُسل والشهداء والأبطال.