كتبت المهندسة زهية عبدالله (مهندسة معمارية ومتخصصة في التنظيم المدني) – لبنان-
التكتيكات الإستيراتيجية في الشرق الأوسط بين موازين القوى
الصراع بين من يرسم التّاريخ ومن يصنعه -أهم السيناريوهات
لا شكّ في أن تدحرج الأمور بعد 7 اكتوبر أصبح أكثر تعقيدا وعنفا فبين مؤيّد ومعادي للقضية الفلسطينية وكأن كل من يدافع عن فلسطين هو معاد للسامية ,تحول الجدال اليوم إلى ما هو اوسع من القضية الإسلامية وسعي إسرائيل الى تحقيق مكاسب استيراتيجية نظرا لفشلها في الجبهة الجنوبية وإحساسها بأن الوقت أصبح مناسب لتحقيق إنجازات إقليمية فهي لم تنسى الجبهة الغزاوية وفشلها في القضاء على حماس واسترجاع المختطفيين واستحداث منطقة عازلة تفصل غزة عن حدودها السابقة لفلسطين المحتلة ولكنها تحاول تحقيق إنجازات وطموحات تكون أكبر من الفشل في السنة الماضية ما يعيد ماء وجهها ويخفف من المعارضة الدّاخلية.
لا شكّ ان 7 أكتوبر كان نقطة محورية مهمة قلبت الموازين والتكتيكات بصورة فجائية وأظهرت وجه إسرائيل المخفي الذي لم يبقى على كما بدأ فعلا فقد بدأ على أنه كيان يفاوض على السلام مقابل الأرض. اليوم ومع إعتلاء نتنياهو زمام الامور أصبح التفاوض على السّلام مقابل السلام وكأن الارض أصبحت من المسلمات المعترف بها. إسرائيل اليوم هي أكثر عدائية وأكثر عنفا خاصة على أن نتنياهو يعتمد مبدأ الوثيقة الإستيراتيجية لتأمين الدولة التّي وضعها المحافظون الجدد سنة 1996 والتي من اولى أهدافها هي التفاوض على السلام مقابل السلام وان كف ّ الاذى من الكيان هو الخلاص للشعوب الموجودة وبالتالي قد تبث العنف أكثر والحزن أكثر حتى تحصل هي على مقومات السلام. تنص هذه الوثيقة على أهمية دور الولايات المتحدة في تأمين الكيان الصهيوني وهذا ما تسعى اليه اليوم من محاولة إغماس امريكا في الصراع مع ايران وتحاول بطريقة ما ربط محور الممانعة بالأنظمة الشيوعية الشرقية وإقناع الولايات المتحدة أن حربها في الشرق الأوسط يجر لها منافع إقليمية ويجعلها تبث رسائل مباشرة وواضحة للصين وروسيا. ما بالخلاصة يرجع القطبية الأحادية المركزية لأمريكا ويؤمن رفاهية لشعبها وتبقى هي السّيد الأكبر للعالم هذا ما لا طالما سمعناه يتردد على الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وتزيد الولايات المتحدة بقولها أن لا شيء يقف أمام إرادتها. لا شك أن اسرائيل قادرة على إستدراج ادوات الولايات المتحدة في المنطقة لتحقق أهدافها,ولكن هل ستنجح فعليا إسرائيل في ادخال أمريكا الحرب؟ وبالتالي هكذا نكون نحن نقف على مشارف حرب إقليمية أو حرب عالمية ثالثة في ظل هذا السّكوت العالمي حول أفعال الكيان الصهيوني.
تسعى إيران بالمقابل الى ضبط النّفس وعدم جرّ المنطقة الى صراع إقليمي من شأنه أن يدخله في دوامة ضبابية معتمة فهي أدركت أن خسارتها للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هي ضربة مباشرة لها وان اسرائيل أوجدت الفرصة في الانتقال إليها ومحاولة لإفشال مصالحها في الشرق الاوسط واستفزازها بصورة مباشرة فهي اليوم وحيدة امام هذا الحشد العالمي الهائل من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ومعاداة الخليج للفرس ومشروع التّشيّع في المنطقة كما انغماس روسيا في حربها مع أوكرانيا ودخول الدّول الأوروبية مؤخرا في الحرب ومحاولات جدية في إشعال جبهة الصين في صراعها في الجنوب. هذا ما جعل المناخ أكثر جاذبية للعدو الصهيوني وجعله ينتقل للجبهة اللبنانية واضعا إخضاع إيران من أهم أهدافه وأعلاها. وهكذا فالحل الامثل لإيران لحماية أرضها وشعبها أن تسعى في المفاوضات وردّ القضية على ما كانت عليه منذ البدأ وهو القضية الإسلامية الفلسطينية. ومن هنا تراهن إسرائيل والولايات المتحدة على هذا الخيار للتمادي أكثر فأكثر وتحقيق مكاسب جديدة وطموحات قديمة. وقدّ جاء الرّد الإيراني الفجائي ب 250 صاروخ الغير متوقع وعلى الرغم من عدم الاذية الكبيرة الا أن ايران إستقصدت أن توصل رسائل بإمكانيتها الضرب في عمق إسرائيل كتهديد بعدم التّصعيد. فهل إسرائيل إرتدعت فعلا؟ اذا ادنا ان نرسم صورة مستقبلية هنا فلا زالت السيناريوهات ضبابية حالما تتكشف نوايا الكيان والولايات المتحدة في الافعال المقبلة وبناءا على شكل واسلوب ردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية ستسير الأمور وتظهر الصور للمستقبلية.
تحاول إيران بصورة اساسية تفادي الحرب أولا ولكن توصل رسائل واضحة انها جاهزة لكل السيناريوهات, وهكذا هي اليوم قبل الرد الإسرائيلي تحاول ردّ القضية إلى أصلها وبدايتها وهي قضية 7 أكتوبر والقضية التي يلتم جميع المسلمين تحت راياتها وهذا ما حاولت منذ البداية ولا زالت من خلال دعوة الدّول الإسلامية للتكاتف في سبيل إسناد فلسطين وقضيتها وعلى هذا الأساس تتفعل ادواتها في المنطقة.
ليست الامور تبدو دائما كما تظهر ببساطتها فهي قدّ بدأت من شرارة صغيرة (7 اكتوبر اليوم المعهود) الذي أقدمت المقاومة الاسلامية على خلخلت أمن إسرائيل وكشفت استهتار الكيان وقدرتها الهجومية عليه, وبالتالي تحاول إسرائيل إرجاع الأمور الى النصاب الذي تهوى والذي كانت تعمل عليه في الفترات السابقة. فهل 7 إكتوبر سيكون السبب المباشر للحرب العالمية الثالثة وان هنالك أسباب غير مباشرة جرّت الأمور الى الحرب الواسعة؟ لقد كنا سابقا ننفي أي خطر في الحرب الشاملة طالما الولايات المتحدة وايران لا يريدان الحرب ولكن إسرائيل ترى أن الظروف ملائمة في إخضاع ايران وستسعى بصورة جدية الى إغماس الدوليتيين في الصراع وبذلك يضق ناقوس الخطر.
إن مقتل السيد حسن نصر الله أعطى الصهاينة لحظات نشوة جعلتها ترتقي الى الطغيان وإحساسها بقدرتها الى المضي بالأهداف الإقليمية دون أن تنسى الجبهة الفلسطينية في غزة فقامت وأدعت بالعلن أنها ستعيد ترتيب الشرق الاوسط بما يتلائم مع مصالحها في حين اتدعت أمريكا أنها سلطة الرب على الارض والطّغيان سيزيد شيئا فشيئا دون رادع.
ومن جهة أخرى قد نرى أن الطّغيان أو الإفساد الاكبر في الأرض والذي سيكون أهم حليف للمقاومة فالظلم والطغيان والتعديات المتتالية قدّ يشد العصب مجددا لحركات المقاومة فتحظى بالدّعم المادي والبشري والمالي. كما سنشهد أشكال وأحجام متنوعة للمقاومة ليس بضرورة بأسمائها الفعلية كحماس أو حزب الله لربما سيكون هنالك تحركات كثيرة ساندة وداعمة تناهض وتردع وتقاوم أي مشهد من مشاهد العنف والإحتلال والظلم مثل العصيان والمظاهرات والمقاومة الشعبية وغيرها…
من أهم السيناريوهات الموجودة:
من جهة الكيان الصهيوني, سيزيد من عنفه وإجرامه أكثر فأكثر في ظل الصمط العالمي ولا سيما العربي أو الإسلامي فستسعى إلى تحقيق أهداف قديمة كانت ترجوها وتعمل عليها اذ أحست أن ساعة الصفر حانت لتحقيق الاهداف الاستيراتيجية بصورة سريعة.
ستغيب الولايات المتحدة عن المشهد حتى إنهاء الإنتخابات في شهر نوفمبر وتدافع المرشحين على مساعدة اسرائيل وقد يكون السيناريو الأسوء نجاح ترامب في الإنتخابات الاكثر جنونا والاكثر جرءة في إحداث الصراعات وشن الحروب.
بالنسبة لجبهة لبنان ستشتدّ الامور أكثر ويزداد الشحن والضغط الطائفي على الحزب مع سعي الدولة الى تهدئة الامور بين الحزب والطائفة المسيحية بحيث يقف الحليف السني الى جانب المقاومة الذي يرى دائما ان وجهته الاولى هي التخلص من العدو وأن حربه مع بني يهود أزلية. وسيزداد العدوان عليه في المساعي في المفاوضات ومراهنة العدو على أن لبنان سيسعى للحل الديبلوماسي.
أما بالنسبة لحركات المقاومة في فلسطين سيكون بطش وطغيان الكيان الصهيوني عليهم كبير من مجازر وتخطي جميع الحدود والخوف الاكبر هو التعدّي على المسجد الاقصى في ظل هذا السّكوت والتشتت العالمي من جهة و سيكون حليفهم الأهم من جهة أخرى بحيث سيكون محركا أساسيا للضغط على إسرائيل دوليا وشعبيا وستحقق المقاومة إنجازات مهمة في ضعضة الامن القومي لإسرائيل ولطالما كانت تحلم بهذا الإنجاز. فإنخراط نتنياهو في هذا الوقت في رسم صورة جديدة للشرق الاوسط ورسم خطط واستيراتيجيات ذات سقوف عالية لن يستطيع ان يسيطر على كل التّفاصيل التّي ستراها المقاومة ثغرات لها لتحقق منها إنجازاتها إن إحسنت التكتيك وقدّ تضعضع من خلالها الأمن القومي للكيان الصهيوني مرارا وتكرارا الذي يشكل الخاصرة الاضعف للشعب اليهودي. هذا الشعب الذي يعلم بكينونة نفسه أنه مستوطن وليس المالك الفعلي للأرض ما قدّ يؤدي الى ضعضعت البنية الإجتماعية عنوة عن الازمة الإقتصادية المتواجدة في اسرائيل. فهدف المقاومة ليس مكاسب إستيراتيجية بل إضعاف المحتل وخلخلة منطوماته لإسترجاع حقوق الفلسطينيين. لا يمكننا ان ننسى ان المقاومة هي حركة لا تشبه الأنظمة والجيوش هي أقل عددا وأكثر ليونة وتكيفا مع الظروف وبالتالي نشوء حركات متكاثرة حول الكيان قدّ يكون نقطة قوة وفرصة مهمة للشعب الفلسطيني الذي سيقدم تضحيات في الفترة القادمة وقد يزيل مشروع التّطبيع لفترة مهمة. الكثير يعلم أن الصراع غير متكافئ ولم ينئ لمرحلة الحرب لأنه ليس صراع بين دولة وأخرى هو صراع بين دولة وحركات مقاومة ولكن العنصر الجديد الذي يدخل الحرب لأول مرة هو الذّكاء الإصطناعي وهو حليف إسرائيل فكيف ستتشكل في المستقبل موازين القوة؟ وكيف ستسير الامور؟
نحن على مشارف الحرب الشاملة إن دخلت الولايات المتحدة الحرب بعد شهر نوفمبر وكل يعلم أن الأوضاع خطيرة وهي على مشارف الهاوية وخاصة أن اسرائيل في هذه المرحلة لم تحدد أهداف فعلية لها وجعلتها مفتوحة كما يتناسب الظروف ومعطيات الصراع معلنتا بذلك بدايتها للحرب. فأي مكسب ستحصل عليه في ظل هذا التخابط والتداخل؟ هل ستشتاح غزة وتفرض منطقة عازلة؟ أو ربما ستقضي على الضفة وتحقق خطة الجنرالات؟ أو تشتاح جزءيا او كليا لبنان محققة بذلك مكسب التوسع؟ أو قدّ تقضي على المشروع النووي الإيراني وتبقى هي ذو صاحبة السلاح النووي الاوحد في المنطقة؟ لربما سيكون هذا الطغيان الكبير هو ذروة الكيان وتبدأ بالإنهيار السريع والتدريجي. كلها احتمالات اليوم مفتوحة وواردة والنتائج ستكون تبعا للفعل وردات الفعل في المنطقة.
وهكذا يتجلى الصّراع بين من يحاول أن يرسم التاّريخ ويتكتك إستيراتيجيا في توسع الكيان الصهيوني ومن يصنع التّاريخ ويحقق بطولات وإنجازات جديدة معززا دور المقاومة وضعضعة وإضعاف العدو.
زهية عبدالله (مهندسة معمارية ومتخصصة في التنظيم المدني) – لبنان- ١٠-١٠-٢٠٢٤