الجمعة , فبراير 21 2025
الرئيسية / قصة وسرد / “أنا أمّك حين تضيق عليك الجموع

“أنا أمّك حين تضيق عليك الجموع

بقلم د.خلود عبد النّبي ياسين*/ لبنان

“يقضي الإنسان عمره باحثًا عن الدّهشة، قد ينجح، وقد يموت حاملًا معه هذا الأرق”.
كانت تردّد هذه الجملة دائمًا حتّى فازت بشهقة حضوره.. إنّها فتاة تؤمن بلذّة البهجة الأولى، بارتعاش حوار غير مفهوم، تؤمن بشخص يجرّب الغوص في تفاصيل وجهها من دون أن تشعر، بشخص يتفحّص براءة ضحكتها الطّفوليّة، تؤمن بقدرة أحدهم أن يُنسيها الوقت معه، أن يخترع الدّهشة ولو للحظات مسروقة من جدار الزّمن.. منذ اللّحظة الأولى للقائهما، أحسّت بجمال اسمها، حيث نطقه كرشفة بنّ معتّق، فصار لاسمها نكهة مختلفة. لم يكن يعلم أنّها كانت قبل لقائه تطلّ على الحياة من نافذة أسفل القلب، تتفقّد أحداثها من بعد. كانت دائمة الارتجاف، تنتظر يدًا قادمة من البعيد تربّت على قلقها، حتّى رقّ قلبها لكلماته وكأنّها تسمع أجمل الأغنيات. كانت تحاول أن تشرح له بالسّكون والسّكوت ما يعجز عنه الكلام، لكنّ قلبها قام بالشّرح، فتشبّثت بقلبه الصّادق كطفلة تلاحق رائحة أمّها في الأماكن الغريبة.
في ذلك اليوم، قال: أنّها تمتلك قلبًا دافئًا، فضحكت، هل يذكر تلك الابتسامة الّتي مرّت على استحياء؟ ربّما يجهل سببها، لكنّها ابتسمت لأنّه لم يدرك البرد الّذي في أعماقها، وكأنّها أرادت أن تشرح له أنّها تبحث في عينيه عن معطف كلمة من عناق، وأنّ نظرته علقت في ثقب الزّمن.. ليته يعلم أنّ وجهه نزل على كومة الشّكّ في صدرها فصار يقينًا، وكأنّها معه أدركت معنى العناق للخيالات العابرة، وليته يعلم كم يؤلمها الحزن الغريب الّذي يطفو على معالمه التّائهة، فتدعوه للقاء على حافّة وقت قد يجيء، لتخبره بسرّ صغير، أنّها سرقت من شاله خيطًا في لقائهما الأوّل، فصنعت منه أرجوحة لأحلامهما، وحاكت به شالًا يقيها برد غيابه، وتركت ما تبقّى من الخيط لترتق به جرحًا عميقًا ينزف في القلب.. فليته يحبّها كما لو أنَّه سيفقدها غدًا، ويظلّ يحبّها كما لو كانت على وشك النّفاذ.. كم تشتاقه على الرّغم من القلق الّذي يسكنها! لذا؛ كتبت له على أوراق العمر تعويذة تحميه، مفادها: “أنا أمّك حين تضيق عليك الجموع”… ومضت تنتظر اللّقاء..
*د.خلود عبد النّبي ياسين*/ لبنان