بطاقتي الرابعة والسبعون بعد النكبة
2022-05-15
الأدب المنتفض
793 زيارة
بقلم الأستاذ رائد حمادة
بطاقتي الرابعة و السبعون بعد النكب
نعم…نعم أخي القارئ هذا أنا إبن النكبة و حفيد المطرود من أرضه، نعم يا صديقي سأعيد حديثي و أكرر. أعلم أنكم سئمتم من تكرار حديثي عن نكبتي، أدرك أنكم حفظتم عن ظهر قلب قصتي و مأساتي. و لكني يا أخي لا زلت أنزف و آلامي لا تخففها بنادول الأنروا، و جرحي تزداد تقرحاته نكبة تلو نكبة حتى أمست جراحي أربع و سبعون ورماً خبيثاً و آلاف القبور و مئات المجازر و عشرات الخيبات. خيمتي أمست بالية عتيقة ممزقة، فإستبدلتها بالزينكو و الخشب حتى أكلت نار الصيف من سمار جلدي فإزداد سواد بشرتي و لكن ليس أكثر من سواد عيشتي. بنيت الحجر في مخيمي و طليت جدرانه بالألوان الزاهية لعلي أخفف من عتمتي و مصائبي و لكن هيهات أن يفارقني همّ اللجوء و ألم الانكسار…
نعم أخي القارئ، أنا أيضاً اقرأ أفكارك…نعم لقد هاجر أبي و أخي إلى أوروبا، لكن مراكب الموت سرقت أبي و تركت أخي في منافي الأرض يبحث عن ذاته…و لكنه للأسف لم يجدها.
لن أحدثكم بعد اليوم عن جاري الذي قدّم فلذات كبده الخمسة على درب التحرير، و لا عن خالتي التي ترملت بعد أن ترك لها زوجها الشهيد سبعة أطفال و بندقية فارغة و كوفية مضرجة بالدماء، و لن أذكركم بأبي أسير معتقل أنصار الذي خرج من المعتقل و القمل يستوطن شعره و الجرب يجتاح جسده. و لن أخبركم عن أمي ذات الأطفال الثلاثة المتنقلة بهم بين الركام و تحت القصف حافية. و هل تروني أحدثكم عن مجزرة تل الزعتر أو مجازر صبرا و شاتيلا، لا لن أحدثكم بعد اليوم عن أختي المغتصبة و لا عن خالتي الحامل المبقور بطنها بساطور…
أخي القارئ، لا تآخذني وإسمع شكوتي, أنا أسيرالحرية منذ قرن الاعقدين، أنا المتنقل كالغجر باحثاً عن هويتي بين أروقة الأمم، و كل عام يجددون بطاقة نكبتي و يضيفون أحد أبنائي على كرت الإعاشة و ينصحوني بتحديد النسل و يمنحوني بضع حبيبات من موانع الحمل كي لا نتكاثر فنندثر، لعلهم يريدوننا أن ننقرض ونمسي كالديناصورات فتصبح حكايتنا أسطورة لا يصدقها عاقل و لا يرويها حكيم…
أيها العالم و الأمم خذوا ما شئتم و كيفما شئتم و لكن أعيدوا لي بيارة جدي و شجرة الزيتون و فرن الطابون…