الجمعة , فبراير 21 2025
الرئيسية / غير مصنف / القصر الوصل والفصل في البلاغة العربية

القصر الوصل والفصل في البلاغة العربية

 إعداد د أنور الموسى

القصر في البلاغة العربية

تعريفه وأهميته: القصر لغة: الحبس والإلزام؛ يقول الله تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾[1]، واصطلاحا: هو تخصيص شيء بشيء[2] بطريق مخصوص، فهو ضرب من ضروب الإيجاز الذي هو أعظم ركن من أركان البلاغة؛ إذ إن جملة القصر في مقام جملتين؛ فقولك: ما كامل إلا الله، تعادل قولك: الكمال لله، وليس كاملا غيره… كما أن القصر يحدد المعاني تحديدا كاملا، ويكثر ذلك في المسائل العلمية وما يماثلها… وهو أسلوب من أساليب توكيد الجملة…

فالقصر إذًا، هو إثبات الحكم للمذكور في الكلام، ونفيه عما عداه، بإحدى الطرق الآتية[3]:

  • توسط ضمير الفصل: محمد هو الرسول.
  • تعريف المسند بأل: خير الأمور الوسط.
  • النفي والاستثناء: ما خالق إلا الله، وما محمد إلا رسول؛ فقد قصرنا محمدا على الرسالة؛ فـ”محمد” هو المقصور، فيما “رسول” مقصور عليه…
  • إنما؛ ووجه إفادتها القصر تضمنها معنى لا وإلا؛ نحو: إنما العرب أوفياء، والشاعر المتنبي…
  • فالمقصور في الجملة الأولى هو “العرب”، والمقصور عليه “أوفياء”؛ فقصرنا العرب على الوفاء…
  • العطف: ويكون بـ “لا” أو “بل” أو “لكن”؛ نحو: الأرض متحركة لا ثابتة؛ فقد قصرنا الأرض على الحركة، فالأرض مقصور و”متحركة” مقصور عليه…
  • تقديم ما حقه التأخير: إياك نعبد؛ حيث قصرنا العبادة على الله، فالمقصور عليه مقدم: إياك، والمقصور نعبد… ونحو: لله ما في السموات والأرض…

 

-القصر باعتبار الحقيقة والواقع قسمان: حقيقي وإضافي:

  • القصر الحقيقي: هو ما كان التخصيص فيه بحسب الحقيقة والواقع؛ بحيث لا يتجاوز المقصور المقصور عليه إلى غيره على وجه الحقيقة أو الادعاء. نحو: لا خالق إلا الله؛ فقد قصرنا الخلق على الله؛ فالقصر حقيقي؛ لأن الخلق يختص بالله ولا يتعداه إلى غيره.
  • القصر الإضافي: هو ما كان التخصيص فيه بحسب الإضافة إلى شيء آخر معين بالنسبة إلى جميع ما عداه، نحو: ما خليل إلا مسافر؛ فإنك تقصد قصر السفر عليه بالنسبة إلى شخص غيره كمحمد… وليس قصدك أنه لا يوجد مسافر سواه؛ إذ الواقع يشهد ببطلانه… ونحو: ما زيد إلا شجاع…

 

-القصر باعتبار طرفيه: يقسم إلى نوعين:

  • قصر صفة[4] على موصوف: مثاله في القصر الحقيقي: لا خالق (صفة) إلا الله (موصوف)… وفي الإضافي: لا زعيم إلا سعد؛ فزعيم صفة، وسعد موصوف…
  • قصر موصوف على صفة: ومثاله في القصر الحقيقي: ما الله إلا خالق كل شيء؛ فالله موصوف، وخالق صفة… وفي القصر الإضافي: ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل…

 

-القصر الإضافي وحال المخاطب:

  • قصر إفراد: إذا اعتقد المخاطب الشّركة بين شيئين فأكثر، نحو: إنما الله واحد، ردا على من اعتقد أن الله ثالث ثلاثة…
  • قصر قلب: إذا اعتقد المخاطب عكس الحكم الذي تثبته: ما سافر إلا علي، ردا على من اعتقد أن المسافر خليل لا علي. فقد قلبت عليه اعتقاده وعكسته.
  • قصر تعيين: إذا كان المخاطب يتردد في الحكم: كما إذا كان مترددا في كون الأرض متحركة لا ثابتة، فتقول له: الأرض متحركة لا ثابتة…

 

الوصل والفصل في البلاغة العربية

 

قيل لأبي علي الفارسي: ما البلاغة؟ قال: معرفة الفصل من الوصل. فالوصل هو العطف بين جملتين أو أكثر بوساطة الواو؛ من أجل إشراك الجملة الثانية أو التالية في حكم الجملة الأولى… واقتصر الأمر على الواو؛ لأنها الوحيدة من حروف العطف التي لا تفيد إلا مجرد الربط، وتشرك ما بعدها لما قبلها في الحكم، بخلاف بقية الحروف؛ فـ”ثم” مثلا تفيد الترتيب مع التراخي، والفاء تفيد الترتيب مع التعقيب…

 

-مواضع الوصل:

  • إذا قصد إشراك الجملتين في الحكم الإعرابي: محمد يقول ويفعل….
  • إذا اتفقت الجملتان خبرا أو إنشاء: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا…
  • إذا اختلفت الجملتان خبرا وإنشاء، وأوهم الفصل خلاف المقصود، كقولك وأنت تسأل عن صحة صديق لك: هل شفي سعيد؟ فإذا كان الجواب: لا. شفاه الله؛ فهو مصيب؛ لأنه فصل بين الجملتين كون الأولى خبرية والثانية إنشائية (دعاء)، ولكن إذا فهم خلاف المقصود، وجب الفصل، فيقال: لا وشفاه الله.

 

-مواضع الفصل:

-إذا كان بين الجملتين اتحاد تام؛ كأن تكون الثانية توكيدا للأولى أو بدلا منها أو بيانا لها… نحو: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا (توكيد)، أمدكم بما يعملون، أمدكم بأنعام وبنين (بدل)… ما هذا بشرا، إن هذا إلا ملك كريم (الجملة الثانية تحتمل التوكيد والتبيين).

-إذا كان بين الجملتين تباين تام، كأن تختلفان خبرا وإنشاء، أو كأن لا تكون بينهما مناسبة ما: لا تدن من الوحش، يأكلك. (الجملة الأولى إنشائية والثانية خبرية؛ لذا وجب الفصل)… ونحو: كفى بالشيب واعظا. صلاح الإنسان في حفظ الوداد (لا مناسبة بين الجملتين…).

-إذا كانت الثانية جوابا لسؤال مذكور أو مقدر في الجملة الأولى؛ نحو: كيف أنت؟ قلت: عليل… أو نحو قوله تعالى: ﴿وما أبري نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء﴾، هنا السؤال مقدر في الجملة الأولى: لم لا تبري نفسك؟…

[1] سورة الرحمن: 72

[2] الشيء الأول: هو المقصور، والثاني: المقصور عليه. ففي جملة: ما شوقي إلا شاعر، المقصور هو شاعر، والمقصور عليه شوقي.

[3] الطرق كثيرة؛ أشهرها ستة…

[4] الصفة في القصر هي غير النعت في النحو…