الجمعة , فبراير 21 2025
الرئيسية / غير مصنف / أحببت فقيرا..

أحببت فقيرا..

بقلم زينب مكي

داليا

من أنواع الإبتلاء شخص ليس من نصيبك، ليس قدرك، لكنه يسكن داخلك.
ترعرت في منزلٍ كل ما اطلبه أجده، انا وحيدة أهلي ، مدللة كثيرا…
شاء القدر و أحببت فقيرا، تعلقت به لدرجة الجنون، نسيت معارضة أهلي و عشقته بالرغم من معرفتي أنه لن يكون لي يوماً.
فالإبتسامة التي كان يرسمها على وجهي و معاملته الطيبة تجاهي بيّنو لي أن السعادة لا تقاس بالمال، و أن الحب بحاجة للجهاد في سبيله، فكان حبنا حديث الساعة دائما، داليا المدللة الغنية التي لم تقبل بأحد قط، قد اصبحت لبؤة مروضة عند عاصم الميكانيكي الفقير…
بعد مضي سنتين على قتالنا و جهادنا و مجابهة اهالينا من اجل حبنا، تعبنا من النضال ، بالأصح هو الذي استسلم في الحرب و جعلنا نخسر …هنا انتهت قصة ” مجنون داليا ” . مرت ايام و انا أتمنى أن يسرقني من أهلي، من مدينتي، من نفسي…ليته خطفني من سجن الانتظار و هرب بي لصّا جريئاً في وضح النهار، لكن! لكنه ليس جريئاً؟!
انتظرته كثيراً و لم يأتي، حينها قرّرت أن أبدأ حياتي من جديد، فما كان عليّ الاّ أن اعتذر و أطلب السماح من أهلي و ذنبي الوحيد أني عشقت فقيراً و حاربت من أجله لكنه ” بخعني ”
مرّت سنة و انا لم أرَه و لم أسمع عنه و منه خبراً، تخرجت من جامعتي و بدأت بالعمل فوراً، بعد شهرين أصبحت أنا و زميلي في العمل سراج، مقرّبين جدا، فهو شاب جميل و جذّاب و غني،أحببنا بعضنا حتى أتى الى قصرنا و طلب يدي ، فتزوجنا.
وصلتني عدّة رسائل من عصام أنه لا يحتمل وجود شخص غيره بحياتي و أنه سينتقم مني، لكني لم أهتم.
بعد مرور أربع شهور على زواجنا، اختلف دوام عملنا بسبب زواجنا، فأصبح دوامي صباحاً و دوام سراج بعد الظهر.
كان نهار الأربعاء، استيقظت متأخرة ، فذهبت الى العمل أقود السيارة مسرعة، و إذ بشخص يقفز أمام سيارتي عن قصد و بكامل ارادته، فصدمته ووقع على الأرض، تملّكني شعور الخوف ، ارتعبت من أن يكون قد مات، نزلت من السيارة فرأيت عاصم ممدّداً على الطريق مضرجاً بدمائه، التمّت الناس و أتت الإسعاف، وصلنا الى المستشفى و هو فاقد النبض، فما كان على الطبيب الّا اخبارنا بأننا فقدنا المريض، انهارت اعصابي و بدأت أبكي ” يا مجنونة يا قاتلة يا مجرمة، بأي حق قتلتي لي ابني ” سمعت أمه تتلفّظ بتلك الكلمات الثقيلة و هي تقترب مني فقامت بصفعي على وجهي قائلة ” الله لا يسامحك ”
غصّيت و كأن هناك من يخنقني، أنا لست مذنبة ، هو من قفز أمامي…اعتقلوني الشرطة و دخلت السجن بحكم ثلاث سنوات، أنا بالعقد العشرين من عمري أصبحت قاتلة و مذنبة. تبرّأ منّي أهلي ، أما زوجي المثقّف الذي أحببته و وثقت به، طلّقني دون أن يسمعني حتّى.ها قد انتقم مني بالفعل، فأنا في السجن لوحدي دون دعم عائلتي، قد جعلني آثمة في عيون الناس …
خرجت من السجن وحيدة، دون أهل ، دون زوج، دون مال…و أنا أردّد ” كن معي يا الله ”
ذهبت الى البحر، فليس لي مكان أقصده، أصبح المقعد الخشبي هو ملجأي الوحيد ، و في يوم من الأيام رأيت شاب أسمر جميل ، طويل القامة، ينظر إليّ و كأنه لأوّل مرّة يرى امرأة أمامه، اقترب منّي رويداً رويداً، و طلب مني اذن الجلوس على مقعدي،قال لي :-” أيتها الجميلة ، يا ذات العينين الزرقاويتين، ما خطبك؟
-عفواً لكنّي لا أريد التكلم
-أنظري، أنا مخرج سينمائي أُدعى أدهم، كنت أبحث عن بطلة لفيلمي الجديد و قد رأيتك صدفة، ووجدت فيكِ كل مواصفات البطلة المطلوبة، أنا أعرض عليكِ عمل و أتمنى قبولك!
-لكن لست خبيرة في التمثيل
-لا عليكِ، فقط وافقي
-سأقبل”
قبلت بالتأكيد، فأنا أريد عمل بأسرع وقت ممكناً ، حتى لو كان مؤقتاً.
قصدنا (المول) و اشترى لي أثقل الثياب و الأحذية و أفخمها،و بعثني الى صالون تزيين النساء، فقاموا بقص شعري ، و قد بدوت آية في الجمال،عملنا أيام و شهور، و النتيجة هي نجاح الفيلم و اكتساب جمهور كبير أحبني و أحب ما قدّمت.
أحب أدهم عفويتي و طيبة قلبي،فهو صدّق أنني مظلومة و لست آثمة، أنا بعيونه ملاك صغير بريء،متُّ فيه و في حنانه، اهلي هم أقرب الناس لي و تخلّوا عني، أما أدهم فكان السند و الإحتواء.تزوجنا و قمنا باحتفال كبير تكلمت عنه كل الجرائد و المجلات و قنوات التلفاز…
بعد عدة شهور، سمعت أن أبي بحاجة إلى كلية،شاورت زوجي بموضوع التبرع بكليتي لإنقاذ حياة أبي و ابعاد الخطر عنه،لكنه لم يتقبّل الفكرة من خوفه عليّ و بأن أهلي لا يستحقون تلك التضحية،فما كان عليّ الا اقناعه و الاصرار على قراري،لأن مهما حصل فهو يبقى والدي،و رضا الله من رضا الوالدين.
أخيرا وافق على قراري،فذهبت مسرعة قاصدة المستشفى الذي يخلد فيها، و قمت بكل الاجراءات و أعطيته كليتي!
بعد عدة أيام رحت الى غرفته و قلت له:”قليلة عليك، فوالله يرخصلك القلب و الروح”
هنا عرف أن ابنته و مدللته داليا،تبرعت له بكليتها ،اخذ يجهش في البكاء و يصرخ لأعلى صوته طالبا مني السماح، و أمي أخذتني في حضنها تشتم رائحتي تارة و تقبلني تارة اخرى،حضنتها و بكيت شوقا لها و عتابا عليها، ثم ركضت الى سرير أبي ووضعت رأسي على صدره لأستمع الى دقات قلبه ، مرددة:” سلامة قلبك يا عيون داليا ”

رغم كل الظلم الذي عانيته، اعتدت أن أقابل الاساءة بالغفران، و أن أدير خدي الأيسر لمن يصفع الأيمن، فتعلمت أن المظلوم يخسر إن لم يكت في جوهره أجمل من الظالم.

#زينب_حسان_مكي