السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / طرائف ونوادر / هكذا سرقت إسرائيل صحن الحمص اللبناني= حرب الحمص بين لبنان وإسرائيل..!

هكذا سرقت إسرائيل صحن الحمص اللبناني= حرب الحمص بين لبنان وإسرائيل..!

بقلم الدكتور وسام خليل
أستاذ في قسم الفنون والآثار – الجامعة اللبنانية

هكذا سرقت إسرائيل صحن الحمص اللبناني
حرب الحمص بين لبنان وإسرائيل…تفضح ادعاءاتهم

على مدار بضعة أشهر، قرعت طبول حرب الحمص بين لبنان وإسرائيل. استطاع لبنان في أكتوبر 2009 أن يسجل أكبر رقم قياسي لأكبر صحني حمّص وتبولة في العالم. لم يجف الزيت بعد عن صحن الحمص اللبناني عندما كسر الإسرائيلي من جديد الرقم لصالحه. اليوم يقوم لبنان بتحضير “أكبر حمّص” في الكفاءات.
ليس بكسر الأرقام القياسية لأكبر صحن حمص سنبرهن للعالم أنه لبناني، هناك طريقة علمية تاريخية يمكنها أن تظهر أنه ليس ابتكارا إسرائيليا، ونتيجة لذلك سيصبح بإمكان الجمهورية اللبنانية أن تربح دعوة تسجيله بصفته طبقا لبنانيا.
ما هي بالتحديد قصة طبق الحمّص؟ ولماذا يسرق الاسرائيلي الطبق؟
لا بد لنا هنا من أن نستعرض ولو بشكل سريع تاريخ ولادة دولة اسرائيل الحديثة التي قامت بعد موجات هجرة واسعة من أوروبا وأمريكا نحو فلسطين، كانت قد بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر. أريد أن أشدد هنا على فكرة أن كل مجموعة دخلت فلسطين حملت معها تقاليدها. فمثلاً، حمل اليهود الروس تقاليد مجتمعهم الى بلد الاستقبال الجديد، فأدخلوا معهم طبعاً مأكولاتهم اليهودية/الروسية. وكذلك فعل البولونديون والأمريكان والمغاربة الخ، فأصبحت دولة الاحتلال هذه مكوّنة من لغات وحضارات وحتى أطباق مختلفة. وكل ما يجمع بينهم هو الانتماء الى دين معيّن، الدين اليهودي.
يبدو أنه كان من الأسهل للإسرائيلي عدّ بعض الأطباق المشرقية طبقه الوطني من أن يأخذ طبقاً بولوندياً أو ألمانياً ويجعله طبقاً وطنياً إسرائيلياً. ومن هنا بدأت في خمسينيات القرن المنصرم عملية الاستيلاء شيئاً فشيئاً على طبق متوسطي مشرقي فلسطيني بامتياز؛ ألا وهو الفلافل. قام الإسرائليون بحملة اعلامية واسعة بلغت حدّ تأليف أغنية شعبية تتكلم على الإرتباط الوثيق بين الإسرائيلي و…الفلافل! هذا الواقع ليس بالأمر الجديد على البشرية. فكل شعب أو مجموعة أو وطن بحاجة الى أبطال، إلى نشيد وطني، إلى تاريخ، وأيضاً الى أغاني فلكلورية وطبعا الى أطباق وطنية. لا يمكن لدولة أن تقوم من دون شهداء أسّسوا لوجودها وبقائها، كما لا يمكن لها أن تقوم من دون تقاليد. فإن لم يكن أو ليس هناك تقليد مشترك، فأسهل الشرور يكون باختراع التقليد أو سرقته! فكانت اذاً عملية الإستيلاء على الفلافل وتحويله الى طبق اسرائيلي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الإسرائيلي كان وما زال يريد بشتى الطرق أن يتبنى أو يظهر هوية مشرقية. وبهذه الطريقة استولى الإسرائلييون على الحمّص.
يتحجّج الاسرائيلي بقوله إن الحمص مثل الخبز: لا أحد يستطيع أن يدّعي أنه اخترع الخبز وكذلك لا يستطيع اللبناني أن يجزم أنه اخترع هذا الطبق. صحيح أن اللبناني لا يستطيع أن يبرهن على أنه ابتكر الحمص بالطحينة، ولكننا نستطيع أن نبرهن للعالم أن الوصفة المسوّقة اليوم عالمياً هي لبنانية وأوّل من سوّقها في العالم هم اللبنانيون.
لنرجع قليلاً في الزمن، ونفصّل تاريخ هذا الطبق، ولكن قبل القيام بذلك تعالوا نتفحّص تاريخ كل مكونات الطبق لمعرفة مصدرها.
– الحمص: أصل هذه النبتة من آسيا الغربية، وهي مدجّنة منذ سبعة آلاف عام.
– الطحينة: وهي مستخرجة من السمسم. أصل السمسم من وادي الهندوس (الهند). هناك ذكر لزيت السمسم في النصوص البابلية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد. وقد تمّ العثور أيضا على بذار السمسم داخل قبر الفرعون المصري توت عنخ آمون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
– الحامض: أصله من جنوب شرق آسيا. وهو مذكور في الصين منذ الألف الثاني قبل الميلاد. أدخله العرب حوض البحر المتوسط وأوروبا.
– الثوم: زُرع الثوم في المشرق وفي بلاد الرافدين منذ الألف الثاني قبل الميلاد. كان الثوم شائع الاستعمال عند الاغريق والرومان.
فاذاً كل المواد المكوِّنة للطبق موجودة في المشرق منذ الألف الثاني قبل الميلاد باستثناء الحامض. ولا بد من التذكير أن أكثر المأكولات التي يدخلها الحامض اليوم، كانت تُحضّر قديماً بعصير الحصرم أو دبس الرمّان. حتى الآن مثلاً يتم تحضير الحمص أو التبولة في كثير من القرى اللبنانية باستعمال دبس الرمّان أو عصير الحصرم.
بعد هذه الجولة السريعة على تاريخ مكوّنات طبق الحمّص، لنقم بجولة سريعة على المصادر والمراجع التاريخية بغية التفتيش عن ذكر الحمص في التاريخ. أقدم وصفة حمص وجدتها تعود الى الألف الأول ق.م. في مصر الفرعونية. الوصفة الفرعونية: حمص – ثوم – خل أبيض – طحينة – كمّون – كزبرة – سمّاق – ملح – ماء. باستثناء الكمّون والكزبرة والسمّاق، الخلطة الفرعونية شبيهة بعض الشيء بالخلطة التي نعرفها اليوم. أما الخل الأبيض فهو لإعطاء الحموضة الضرورية للطبق ويحل اذا مكان الحامض. نجد أيضا وصفة قريبة من الوصفة الفرعونية تعود الى الحقبتين الأيوبية والمملوكية، وكانت تسمى “حمص كسا” ومكوناتها هي: حمص– خل – حامض – طحينة – كراوية – كزبرة – نعناع – بقدونس – فلفل – زنجبيل – فستق – سذاب – طيب – زيت.
ولكنني استطعت أن أجد الوصفة اللبنانية كما نعرفها ونسوّقها اليوم مذكورة في “دليل لبنان” الذي يعود الى آخر القرن التاسع عشر(نجد منه ثلاث طبعات، أحدثها يعود الى عام 1906 وقد طُبعت في بعبدا) وهي الخلطة التي اعتمدتها شركة قرطاس اللبنانية في العام 1959، لتعليب الحمص وتسويقه وتصديره عالمياً. وفي جميع كتب الطبخ (اللبنانية والأمريكية) التي تعود الى اربعينات وخمسينات القرن العشرين نجد ذكر الحمص اللبناني بالوصفة التي نعرفها اليوم.
الخلاصة أن طبق الحمص يرجع بحسب المعلومات والوثائق المتوافرة بين أيدينا إلى الألف الأول قبل الميلاد. مكوناته موجودة ومعروفة في المشرق منذ القدم؛ وهي للتذكير ليست أوروبية ولم يأت بها أو يدخلها اليهود الى الشرق. لا نعرف ما اذا كان المصريين القدامى هم من اخترع الطبق أو أنهم نقلوه وأدرجوه ضمن أطباقهم، وإنما ما نستطيع تأكيده هو أن الخلطة المسوّقة حالياً في العالم موجودة ومعروفة في لبنان وجبل لبنان بالأخص، أقلّه منذ نهاية القرن التاسع عشر، أي قبل عشرات الأعوام من ولادة دولة اسرائيل الحديثة. خلطة الحمص المسوّقة عالمياً هي لبنانية ومعروفة لبنانياً، ونحن من عرّف الغرب عليها. بالطبع لا يمانع أي مواطن لبناني في الوعي أو اللاوعي من وجود أو ابتكار خلطة أردنيّة أو حلبيّة، كما ليس لدى اللبناني من مانع من أن يقوم عدوه الإسرائيلي بتناول الحمص والتلذذ بطعمه. ولكن على العدو أن يقبل أنه قبل ابتكار وولادة دولته وقبل أن يعرف حتّى بوجود الطبق، كان اللبناني يتناول هذه الوجبة ويقوم بتسويقها.
يمكننا نحن اللبنانيين أن نفتخر بالنجاح العالمي الذي ناله الحمص اللبناني، ولكن قبل أن نكونه دعونا أوّلاً ندافع عن وصفتنا و”نحصّل حقّنا”. أريد هنا أن أحيي العمل الذي قامت به وزارة السياحة وبلأخص حملة تصنيع أكبر صحن حمص من أجل كسر الرقم القياسي من جديد. أقترح اذا ان نضم الى هذه الاستراتيجية السياحية العمل العلمي والتاريخي. أدعو هنا جميع المعنيين بالدفاع عن هذه القضية (وزارة الثقافة ووزارة السياحة وغرفة الصناعة) بتنظيم محاضرة تضم جميع العاملين، الناشطين والباحثين في هذا المجال من أجل طرح كل المعطيات العلمية، ووضع استراتيجية بهدف تبيان أن الحمص لبناني، وليس اسرائيليا، وبهدف إعلام الرأي العام اللبناني والعالمي بالنتائج.
صحتين!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.