العالم العربي… الواقع والمستقبل!
2020-05-15
مقالات
671 زيارة
بقلم الأستاذ د. حسين الغور *
العالم العربي – الواقع والمستقبل
يسود العالم العربي اليوم واقع غير طبيعي من عدم التطابق بين الحكام من جهة والشعوب الثائرة من جهة أخرى. فالفكر السياسي لم يرافق الأحداث، ومواقف الحكومات لم تتوافق مع تطور الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية.
ونتيجة لذلك، استمر الزعماء العرب حتى الحقبة الأخيرة على الأقل في إصرارهم على رفض الواقع. ذلك أن الشعور المضخم بالسيطرة الناجم عن سنوات الحكم المستمرة منذ عقود وغياب المطالبة الحقيقية بالتحديث والتغيير جعلهم يستبدلون العمل العقلاني الفعال بأدوات القتل والتنكيل والسجون المتنقلة.
وبدلا من قبول التغيير واقعا سياسيا وأيديولوجيا قائما على مشاركة الأحزاب والنخب في الحكم، اتجهوا الى محاربته سياسيا وعسكريا متمسكين بمواقف رافضة للحرية والديموقراطية وحق الشعوب في اختيار مستقبلها.
وانه لمن مهازل الدهر أن الحكام العرب لم يقدموا التنازلات الا لإسرائيل عندما اعترفوا بواقع الدولة اليهودية في قمة فاس عام 1982 مراهنين على عامل القوة والوقت. فتلك المعادلة مستمرة منذ زمن حيث أمنت استمرار العديد من الحكام العرب لعشرات السنين في سدة الحكم. غير أن مطامع الحكام نمت في هذه الفترة نموا كبيرا وازدادت طموحاتهم وتصلبت آراؤهم بسبب القوة وانعدام التوازن، وإيمان صبياني بعدم قدرة الشعوب على الانتصار وأخذ زمام المبادرة.
لم يكن فشل العرب في مواجهة الواقع واللحاق بركب الشعوب العامل الوحيد في الفوضة الحالية، ولكن اختلاف الظروف ما بين الأمس واليوم، حيث يغيب صراع المعسكرين الشرقي والغربي، وتحضر تكنولوجيا الاتصالات لتضيء عتمة المجتمعات، وتكسر حاجز الخوف وتعمم الصور القاتلة للأنظمة.
على أن الأهم والأبعد من ذلك، ما تتعرض له أمتنا العربية والإسلامية من حملة شرسة لم تتعرض لمثيلها من قبل. فقد تجمع الأعداء حولها من كل حدب وصوب. وباسم الحرية والديموقراطية، جمعوا كل أمم الأرض للاستفادة من الوعي العربي وكسب ما يمكن من الثروات العربية تحقيقا لقول كبيرهم، إنتهزوا الفرصة.
والحرب على أمتنا اليوم، كما نرى، حرب خبيثة ماكرة في أساليبها وميادينها بين حرب فكرية وثقافية وغزو إجتماعي وسياسي وإقتصادي. والشواهد كثيرة في هذا المجال من المغرب والبوليساريو، والجزائر والأمازيغ، والسودان ودارفور، ومصر وحماية الأديان، الى أفغانستان وباكستان والحرب على الارهاب.
مع الأسف، تلك هي الصورة الصادقة الناطقة عن واقعنا المؤلم. أمة تكالبت عليها الأمم، وترامت تنهش جسدها لئام الدول، نزعت شوكتها وهيبتها من قلوب الذين انقضوا على أطرافها، يفترسون الأمة الطريحة دون أن يجدوا مقاومة تذكر.
وهكذا، فإننا نواجه نمطا تواتر تكراره في التاريخ، مأساة شعوب محاصرة ومهجرة في أوطانها، يتآمر عليها العالم، ويحكمها زعماء قصيروا البصيرة فلا يدركون الواقع والمتغيرات، مليؤون بالكراهية والطمع والكبرياء المصطنع الذي يعميهم عن مواجهة الواقع، فضلا عن كونهم أقل شجاعة من أن يصنعوا التغيير.
وإن كان الحل سيأتي قريبا، وهذا احتمال يزداد حدوثه مع مرور الوقت، فلن يكون ذلك إلا عندما تبدأ كل الشعوب العربية باستعمال ما لها من وسائل للضغط على حكوماتها. وكذلك عندما يبدأ الحكام بالعمل على رزنامة الشعوب. من هنا تأتي أهمية معالجة واقع هذا العالم ومستقبلاته الفكرية والثقافية والسياسية والتي يمكن تلخيصها بالديمقراطية التي ما زلت حتى تاريخنا هذا مستبعدة عربيا.
في خضم التحولات الكبرى التي شهدها العالم، سواء على المستوى الدولي او الإقليمي، وبالرغم من تعاظم الحركات التحررية في العديد من الدول الغربية، ما زال العالم العربي يرزح تحت وطأة الانظمة التسلطية التي تعمل على قمع الشعوب وافقارها، ما يجعلها فريسة للجهل والقهر والتسلط. ومع انعدام أي تواجد لديمقراطية متكافئة وعادلة ولصيغة متكاملة وممكنة لحل معضلة الحكم من خلال جعل الحاكمين خاضعين لإرادة الشعوب، ستبقى العبثية متسلطة على واقع عالمنا العربي. ما نحتاجه اليوم هو مشروع ديمقراطي نهضوي يكون نواته النخب الثقافية والوطنية التي يكون من مهامها توفير نية سليمة تسعى الى إيجاد صيغة متكاملة وممكنة لإدارة الحكم وإنهاء العبثية المسلطة على واقع عالمنا العربي. وهذا لن يتحقق الا بالنضال والمثابرة المتتالية حتى يتم إيصال هذا المشروع وجعله امرا واقعيا لا رجعة فيه.
وقد لا تسنح فرصة كهذه الا لمدة قصيرة بإعتبار أن قوة اندفاع الحكام العرب الى الحكم المسلح سيدفع الشعوب الى المزيد من التصلب والإنخراط في نهج التغيير والتحديث. وهكذا تصبح جميع هذه العروش في المرحلة الأخيرة من زمن الأوهام القاحل.
*الكاتب
أ.د. حسين الغور
أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية حائز على درجة الدكتوراه من فرنسا. أدير حالياً مختبر أبحاث ولدي العديد من المنشورات في أشهر المجلات العالمية. ينصب اهتمامي على القضايا الوطنية والقومية وخاصة الفلسطينية ولدي العديد من المقالات