السبت , أبريل 19 2025
الرئيسية / غير مصنف / الشعر العربي في صدر الإسلام وموقف الإسلام منه

الشعر العربي في صدر الإسلام وموقف الإسلام منه

موقف الإسلام من الشعر في صدر الإسلام من المحاضرة2

بقلم أ.د. أنور عبد الحميد الموسى

الأهداف

  • ذكر أغراض الشعر في صدر الإصلام

  • مقارنة حالة الشعر بين الجاهلية والاسلام

  • توضيح موقف الإسلام من الشعر

  • شرح موقف الشعراء من الإسلام

  • شرح مقولة الشعر وسيلة إعلامية…

  • تقسير آية والشعراء يتبعهم الغاوون…

  • شرح أغراض الشعر… ومضامينه

  • تعريف الشاعر المخضرم…

  • ذكر خصائص الشعر…

تمهيد

يقول الله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿224﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴿225﴾ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴿226﴾ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿227﴾.

    فقوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ؛ يَعْنِي الْكُفَّارَ يَتْبَعُهُمْ ضُلَّالُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ… ذكر أنه كَانَ الشَّاعِرَانِ في الجاهلية يَتَهَاجَيَانِ؛ فَيَنْتَصِرُ لِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا فِئَامٌ مِنَ الناس، فأنزل الله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ.

    ولَمَّا نَزَلَتْ: “وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ”، جَاءَ بعض الشعراء إلى رسول الله وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ حِينَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّا شُعَرَاءُ، فَتَلَا النَّبِيُّ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، قَالَ «أَنْتُمْ»، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً، قَالَ: «أَنْتُمْ»، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا، قَالَ: «أَنْتُمْ»…

الآيات السابقة تدل على أن الإسلام لم يحرم الشعر بالمطلق… وهنا تطرح الأسئلة الآتية: ما أغراض الشعر في صدر الإسلام؟ وما موقف الإسلام من الشعر؟ وما موقف الشعراء من الإسلام؟ وكيف تحول الشعر إلى وسيلة إعلامية؟ وما الأثر الإسلامي في الشعر؟ وهل أصيب الشعر بالركود…؟

أغراض الشعر في صدر الإسلام

    هجر الشعراء الأغراض التي تتنافى وتعاليم الإسلام؛ كالغزل الفاحش والفخر الكاذب، والهجاء المقذع…ومن استمر على الهجاء كالحطيئة، حبسه الخلفاء وزجروه… وكذلك بطل الكلام في الخمر ووصفها، والميسر وفتيانه، والجزور التي ينحرونها، وتملق الناس بالمدح، وصيد الوحش وطرده… وغير ذلك مما كان يعده المسلم عبثا ولهوا..

    وكان كثير من الأغراض شديد الصلة بحياة العرب في الجاهلية؛ كالخمر والميسر، وحياة البطولة والصراع، والأخذ بالثأر، والرغبة في الانتقام، والتشبيب والاستهتار، والفجور في الحب… ومن أجل ذلك، كان فيها أجود أشعارهم… ولعل هذا ما يفسر مقولة إن الشعر “ضعف في صدر الإسلام”…واقتصر شعراء هذا العصر على النظم في الأغراض والمضامين الآتية:

1-الدعوة إلى الإسلام ومبادئه، ومناضلة خصومه، وكان من أشهر الذائدين عن الدعوة ورسولها حسان بن ثابت (60 ق. هـ- 54هـ)، وكعب بن مالك (27ق.هـ-50هـ)، وعبد الله بن رواحة… وكان من شعراء المشركين الذين حاربوا الإسلام والرسول بشعرهم: ابن الزبعري، وضرار بن الخطاب، وأبو سفيان، وهبيرة بن أبي وهب (27ق. هـ-50هـ)، وأبو عزة الجمحي.

2-هجاء أعداء الدعوة في عصر النبوة، وهجاء ذوي الديانات الزائفة بعد عصر النبوة…

3-رثاء من استشهد في الغزوات والفتوحات، ومن قتل من الخلفاء والصحابة…

4-الفخر والتباهي بالانتصارات على جيوش الروم والفرس، ومدح شجاعة المسلمين وأبطالهم…ووصف المعاقل والحصون وآلات القتال والحيوانات التي لم يشاهدها المسلمون من قبل كالفيلة التي حارب الفرس عليها العرب، ووصف جبال الثلج… وسفائن البحر… وغير ذلك مما ملئت به كتب المغازي والفتوح… وتكثر في هذه القضايا الأراجيز…

5-الحكمة التي تأثرت بثقافة القرآن والدين، والتجارب الكثيرة التي أفادها المسلمون من الحياة، كقول الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه    لا يذهب العرف بين الله والناس

    ويقول كعب بن زهير:

من دعا الناس إلى ذمه    ذموه بالحب وبالباطل

6-المدح، ومن أشهر شعرائه حسان والنابغة الجعدي وكعب بن زهير والحطيئة… وفي هذا الفن يبدو أثر الإسلام جليا في معانيه وألفاظه…

    ومن بديع شعر حسان في مدح الرسول قوله:

أغَرُّ، عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ  خَاتَــــــمٌ    مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَـــــدُ

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلــى اسمهِ،    إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ  أشْهــَدُ

        ونظم الشعراء أيضا في الوعظ والزهد… والدعوة إلى تقوى الله، متأثرين في ذلك بالإسلام.

  • فئات الشعراء

    على العموم، يمكن تصنيف الشعراء في تلك الحقيبة ضمن الفئات الأربع الآتية:

1-فئة سكتت عن قول الشعر، ووجدت في النص القرآني تعويضا عن الحياة الفنية؛ نظرا إلى إعجازه وروعة بيانه…

2-فئة أدت دورا إعلاميا معاديا للدعوة…

3-فئة (كحسان وكعب) أدت دورا إعلاميا مؤيدا للدعوة… واستعان شعراؤها بالقيم الإسلامية والجاهلية على حد سواء…

4-فئة من الشعراء أسلموا، بيد أن قيم الإسلام لم تتغلغل في نفوسهم، أو فلنقل: إن نفوسهم لم تبرأ من عاداتها… وعاشت على هامش المجتمع الجديد… أمثال أبو محجن الثقفي (شاعر الخمرة)، وحُميد بن ثور الهلالي (شاعر الهوى والغزل).

  • موقف الشعراء من الإسلام

    لم يكن موقف الشعراء في صدر الإسلام من الدين الجديد واحدا؛ فهناك من دافع عنه دفاعا شديدا، وهناك من عارضه معارضة بغيضة… ويكفي أن نشير إلى أن الدعوة الإسلامية، ووجهت بمقاومة عنيفة من العرب، ولا سيما زعماء مكة؛ لأن الحياة الجديدة التي دعا إليها الإسلام تتعارض ومصالحهم ومكانتهم التي استمدوها من سيطرتهم على الكعبة… فالدين الجديد، يدعو إلى المساواة والعدالة… بين الناس غنيهم وفقيرهم… ولذا؛ فإن هؤلاء الزعماء، من خلال مقاومتهم الدعوة… يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم…

    وكان الشعراء أحد الأدوات التي استخدمها هؤلاء الزعماء في محاربة هذه الدعوة، فانطلق مشركو قريش يحرضون شعراءهم على الرسول (ص)، فانبرى الأخيرون ينظمون القصائد والمقطوعات المفعمة بهجاء الرسول والدين…

    …والشعراء بأنفسهم كانوا يدافعون عن القيم التي نشأوا عليها؛ ولا سيما قيمة “الحرية” التي تخولهم التعبير عما يريدون بلا ضوابط وقيود؛ ولذا؛ كان من الصعوبة بمكان أن يتقبلوا فكرة جديدة، ونمطا جديدا من الحياة.

    فكأني بالشعراء، كانوا يقاومون الرقابة التي ستفرض عليهم… فما دام الإسلام يدعو إلى التوحيد بين القبائل، فلا يبقى مجال لكي تعيش كل قبيلة بمجتمع خاص… يكون ملجأ للشعراء يحتمون به، ويمجدون خصوماته وبطولاته… ولذا، انبرى الشعراء إلى الأهاجي التي كان لها دور سلبي في تقديم صورة مشوهة عن النبي والإسلام؛ آية ذلك، أن القبائل في الصحراء، والبعيدة من مكة والمدينة، كانت تصلها تلك الأشعار الناقلة للمصادر المشوهة عن الإسلام… فكادت تلك الأشعار تقف سدا منيعا أمام الدعوة وعمل الدعاة…

    ولعل ذلك ما يفسّر نعت الرسول بالشاعر، ونفي القرآن صفة الشاعرية عن الرسول … آية ذلك، أن الشعر كان له الأثر الكبير في نفوس العرب، وكانت له قدرة هائلة على تحريك عواطف الجماعة…

    وفي المقابل، انبرى الشعراء المسلمون، يلبون دعوة نبيهم إلى الذود شعرا عن حياض الدين الجديد… فالرسول أدرك الدور الإعلامي للشعر آنذاك… ومن ذلك، كان موقفه من شعراء الأنصار وتشجيعهم…، وكان تحريضه لحسان بن ثابت وكعب بن مالك، وعبدالله بن رواحة في الرد على عبدالله بن الزّبعري وضرار بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وأبي سفيان وغيرهم من شعراء قريش المشركين…

    ولعلّ هذا ما يفسّر إيثاره لحسان، وتشجيعه لكعب بن زهير الذي كان أهدر دمه، بعد أن انحاز إلى الدعوة والدين…

  • الإسلام يتخذ الشعر وسيلة إعلامية

    يعد الشعر وسيلة إعلامية مهمة في صدر الإسلام، استغله المشركون استغلالا كبيرا في حربهم على الإسلام؛ فهجوا الرسول وأصحابه… وتعرضوا لأعراض المسلمين وعقائدهم…

    ولم يتخذ الرسول دور المتفرج على تلك الهجمة، بل استنفر الشعراء المسلمين لرد تلك الحرب النفسية والإعلامية… فتقدم إليه كل من عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسان… فاستمع إلى شيء من أشعارهم، ثم وزع الأدوار الإعلامية عليهم في ضوء ما يحسنه كل واحد منهم… فقال لابن رواحة: “أنت شاعر كريم”؛ أي لا تحسن الهجاء… وقال لابن مالك: “وأنت تحسن صفة الحرب”؛ أي الإعلام الحربي…

    وقاد حسان الحملة الإعلامية للدعوة الإسلامية في مهدها، فحقق نجاحا باهرا… من خلال الرد على هجاء المشركين، ودوره في دفع بعض القبائل والشعراء إلى اعتناق الإسلام…

    يذكر بعض دارسي الأدب أن الشعر في هذا العصر قد أصيب بالضعف والركود… وفي هذا الكلام شيء من الخطأ وشيء من الصواب… فوصفه بالضعف كلام غير صحيح؛ لأنه مبني على خلط بين الضعف من جهة، وبين اللين والسهولة مــن جهة أخــرى؛ فالإسلام صادف في العرب قلوبا قاسية فألانها، وطباعا جافية فرققها… ومن ثم أصبح الشعراء يختارون من الكلمات ألينها، ومن الأساليب أسهلها، وابتعدوا من الألفاظ الجافة الغليظة؛ والتراكيب الوعرة… فشعر حسان في الجاهلية والإسلام خير شاهد على ما نقول…

    أما وصف الأدب بالركود… فيعود إلى أسباب عديدة؛ منها:

 1-انبهار العرب ببلاغة القرآن… وامتلاء نفوسهم بعقيدة الإسلام وآدابه…

2- سقوط منزلة الشعراء لتكسبهم بالشعر، وخضوعهم في سبيل العطاء للممدوحين؛ وبذلك علا شان الخطابة، وانخفض شأن الشعر؛ خصوصا بعد أن صارت الخطابة هي الوسيلة الطيعة المرنة لنشر دعوة الإسلام.

3-هناك نفر من الشعراء الذين ظلوا على الشرك من أمثال عبد الله بن الزبعري، هجوا رسول الله، فأمر النبي بترك رواية شعرهم.

4-إن الإسلام حارب العصبيات، وحرم الخمر، وقاوم الهجاء القبلي المقذع والغزل الفاحش، ولم يشجع رحلات اللهو والقنص… وكل هذه الأمور كانت وقودا جزلا لشعلة الشعر…

أسلوب الشعر في صدر الإسلام

    يعد الشعر في عصر صدر الإسلام امتدادا لسابقه في العصر الجاهلي؛ لأن شعراء هذا العصر هم أنفسهم شعراء العصر الجاهلي؛ ولهذا كانوا يسمون بالمخضرمين؛ إلا أن هذا لا يمنع أن يكون قد حدث شيء من التغيير في أسلوب الشعر ومعانيه…

    أما أسلوب الشعر في هذا العصر، فقد اختلف بشكل يسير عن أسلوب الشعر الجاهلي؛ من خلال تأثره بأسلوب القرآن وأسلوب الحديث، وتأثره بعاطفة المسلم الرقيقة… فالورع والتقوى ومخافة الله أوجدت أسلوبا يبتعد من الجفاء والغلظة والخشونة التي هي من سمات الشعر الجاهلي؛ ولذا، أصبح الشاعر الإسلامي يختار الألفاظ اللينة، والتراكيب السهلة الواضحة التي تؤدي المعنى بشكل دقيق…

    أما أوزان الشعر وأخيلته ونظام القصيدة… فقد بقيت على ما كانت عليه في العصر الجاهلي؛ لأن مثل هذا التغيير يتطلب وقتا ليس بالقصير…

    أما معاني الشعر؛ فقد اختلفت بشكل كبير عن معاني الشعر الجاهلي الذي لم يكن يقف عند حد معين أو فكر محدد… ومن ثم أصبح الشاعر في هذا العصر يختار من المعاني ما يخدم الإسلام ويدعو إليه، مستقياً معظم هذه المعاني من القرآن والحديث…. ولكن من غير المقبول القول: إن معاني الشعر الإسلامي قد انفصلت انفصالاً تاماً عن معاني الشعر الجاهلي؛ لأن الأدب الجاهلي هو المصدر الثالث من المصادر التي يستقي منها الأدب الإسلامي أفكاره وأساليبه… ولهذا؛ فان المعاني التي أهملها الشعر هي المعاني التي نفاها الإسلام، فلم تعد صالحة للبقاء؛ كالشعر الذي يدعو إلى العصبية والغزل الفاحش والهجاء المقذع والمدح الكاذب ووصف الخمر

     لقد فهم موقف القرآن من الشعر خطأ (أنه معاد للشعر بالمطلق)؛ ولكن من الواضح أن ذلك الكلام كان يعني لونا معينا من الشعر؛ كشعر العصبية والهجاء…

    ومع ذلك، يعدُّ الشعر في عصر صدر الإسلام امتدادًا للشعر في العصر الجاهلي، إلاّ أنه حدث شيء من التغيير في أسلوبه ومعانيه:

أسلوب الشعر:

  • تأثَّر بأسلوب القرآن والحديث.

  • تأثَّر بعاطفة المسلم الرقيقة.

  • رقَّتْ ألفاظه وسهلت تراكيبه.

 -ثانيًا: معاني الشعر:

    اختلفت كثيرا عن معاني الشعر الجاهلي؛ ولكنها لم تنفصل عنها انفصالاً تامًا. فقد تغيرت معاني المدح والرثاء والفخر والهجاء والغزل بتغير مفاهيمها، والقيم التي اعتمدت عليها، فلم تعد قبلية…

    ومن الموضوعات التي جدت في الشعر في عصر صدر الإسلام:

1-شعر الدعوة ونشر عقيدة الإسلام.

2- شعر وصف الفتوحات الإسلامية وأماكن الجهاد.

3-الشعر السياسي؛ حيث وضعت في عصر صدر الإسلام بذوره الأولى.

4-التغني بالقيم الإسلامية والإسلام؛…

-معاني الشعر وأساليبه وألفاظه

    تأثرت معاني الشعر تأثرا جليا بالإسلام والقرآن والقيم الإسلامية وسيرة الرسول والخلفاء… ولذا، ليس غريبا أن تعكس دلالات تاريخية واجتماعية ونفسية… فأخذ يغلب عليها:

-العمق والدقة والفهم والاستقصاء، وترتيب المعاني والأفكار.

-ظهور المعاني الإسلامية، والعاطفة الإسلامية…

-التأثر بالقرآن الكريم والحديث تأثرا واضحا في الأسلوب والأداء والألفاظ…

-هجر الحوشي والغريب والمبتذل…

-تردد الكثير من الألفاظ الإسلامية؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج والإسلام والجنة والنار…

-العناية بجمال السبك، وعذوبة الكلام، وانتقاء الألفاظ.

-كثرة الاقتباس…والتأثر بصور القرآن وبديعه وإعجازه…

  • الشاعر المخضرم

     يغلب أن يكون من عاش في صدر الإسلام مخضرما، إذ يغلب أن يكون قد أدرك الجاهبة والإسلام، أما الذين نشأوا في الإسلام، وتأدبوا بأدابه، وقالوا الشعر، متأثرين بالعوامل الجديدة التي نشأت مع الحياة الإسلامية، فهؤلاء إسلاميون.

    وهناك فريق آخر يطلق على شعراء صدر الاسلام الى قيام الدولة الاموية مخضرمين وإسلاميين على السواء.

 

نموذج لشاعر مخضرم

كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني

     شاعر مخضرم، تتلمذ في الشعر على يد والده، وحين رآه الأخير يقول الشعر مبكرا، منعه، خشية أن يأتي منه بما لا خير فيه، فيكون سبة له ولأسرته التي اشتهرت بالشعر… غير أن كعبا استمر… فامتحنه والده امتحانا شديدا، تأكد بعده من نبوغه ومقدرته الشعرية، فسمح له بالانطلاق فيه، فكان من المبرّزين، حتى إن الحطيئة وهو من هو في ميزان الشعر، رجاه أن يذكره في شعره… مات في حدود 662م.

     عندما ضخم أمر النبي والإسلام.. أرسل كعب أخاه بجيرا العام 628، يستطلع الدين الجديد… فآمن الأخير بالدين الجديد وبقي بالمدينة، فغضب كعب غضبا شديدا، فنظم أبياتا يوبخ فيها بجيرا على ترك دين الآباء، ويعرض بالرسول…

     وأرسل كعب الأبيات إلى أخيه، فاطلع عليه الرسول وأهدر دمه، فحثه أخوه على القدوم إلى الرسول معتذرا، فرفض… محتميا بقبيلته التي أبت عليه ذلك… فلما كثر الأعداء والشامتون… استجاب كعب لنصيحة أخيه، فقدم المدينة سنة 630م، وأتى الرسول وهو بين أصحابه في المسجد، فجلس بين يديه، ووضع يده في يد النبي، والنبي لا يعرفه، وقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير أتاك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه؟ أجابه: نعم. قال: فأنا كعب. فوثب رجل من الأنصار قائلا: دعني يا نبي الله أضرب عنقه، فكفه النبي عنه… وأنشده كعب حينئذ قصيدته “بانت سعاد”… ويقال إن النبي خلع عليه بردته حين وصل في الإنشاد إلى قوله: إن النبي لنور يستضاء به.

    ويدور مضمون القصيدة حول المدح والاعتذار، لكن الشاعر سلك مسلك الأقدمين، فتغزل بسعاد، وتحدث عن جمالها، وتشكى من هجرها ومواعيدها العرقوبية…

بانت سعاد فقلبي اليوم  متبول     متيم إثرهـــــا لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا     إلا أغن غضيض الطرف، مكحول

    ثم تخلص الى مدح النبي والإعتذار منه، ومدح المهاجرين من قريش…وبين كيف أنه استجار بأصحابه فما أجاروه…منتقدا الوشاة…

يسعى الوشاة جنابيها وقولهــم:    إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

….

كل ابـن أنثى، وإن طالت سلامته     يوما على آلة حدباء محمول

    وفي أثناء مدحه الرسول، وصف هيبته وسطوته… فهو نور يهتدى به، وسيف من سيوف الحق، تحف به عصبة من قريش دانت بالإسلام، وهاجرت من مكة في سبيله؛ إنهم شجعان، أباة…

نبئت أن رسول الله أوعدنـــي    والعفو عند رسـول   الله مأمول

مهلا: هداك الذي أعطاك نافلة القرآن، فيه مواعيظ    وتفصــــيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة،  ولــم    أنب، وإن كثرت في   الأقاويـل

لقد أقوم مقاما لو يقوم   بــــه   أرى وأسمع ما لو يسمع  الفـيل

لظل يرعد إلا أن يكون لــــه    من الرسول بإذن الله   تنويــل

إن الرسول لنور يستضاء   بــه    مهند من سيوف الله  مسلــول

في عصبة من قريش  قـال قائلهم    ببطن مكة لما أسلموا:    زولوا

زالوا، فما زال أنكاش  ولا كشف،    عند اللقاء، ولا ميل معازيــل

شم العرانيـــن أبطال لبوسهـم    من نسج داود في الهيجا سرابيل

…………………….

    وإذا ما وازنا بين هذه القصيدة وأخرى جاهلية، نلاحظ أن معانيها بمعظمها شائعة، استوحى فيها صاحبها القيم الجاهلية….

    ويلاحظ تأثر الشاعر بوالده في الحكم: كل ابن أنثى… واعتنى، شأن الأوسيين، بتتبع المعاني (وصف أخلاق سعاد….)، فضلا عن تأثره بالنابغة الذبياني… والإسلام (القدر)…

الخلاصة

    صنَّف الإسلام الشعر والشعراء إلى فئتين: فئة ضالة وشعر فاسد، وأخرى مهتدية وشعر جيد؛ فشجع  الشعر الجيد, وحارب الفاسد من مناهج الشعراء…

    وقد أدرك الإسلام قيمة الكلمة الشعرية؛ فاتخذ الشعر سلاحاً من أسلحة الدعوة، وعدَّه نوعًا من أنواع الجهاد…وكان النبي يستمع إليه ويشجع الجيد منه، ويثني عليه….قال في الشعر: “إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة

    وقد أدرك الإسلام قيمة الكلمة الشعرية، وشدة تأثيرها…؛ ولذا كان النبي يشجع الشعر الجيد المنطوي على مثل عليا، وكان يستمع إليه ويعجب بما اشتمل عليه من حكمة… فلما استأذن حسان في الرد على المشركين أذن له، وقال: “اهجهم…”… وكان يستزيد الخنساء من الشعر فيقول”هيه هيه يا خناس”… وهكذا كان الصحابة… فقد اقتفوا أثر الرسول، فما نفع من الشعر أو حسن، قبلوه… وما كان فيه ضرر أو قبح نبذوه وحاسبوا عليه.

      ….باختصار، الإسلام وقف من الشعر موقفا وسطا… وما يقال عن الشعر يقال عن بقية فنون الأدب الأخرى.

المصدر:

كتاب الحضارة والأدب في صدر الأسلام والعصر الأموي، للد. أنور الموسى، بيروت، دار المواسم، ط1، 2020

المطلوب

1-تلخيص المحاضرة بنحو صفحة

2-مشاهدة الروابط الأتية

https://www.youtube.com/watch?v=jyHWkZpULl0

https://www.youtube.com/watch?v=txponrQNm60

حسان

https://www.youtube.com/watch?v=T2lZe8LiHF4

ابن رواحة

https://www.youtube.com/watch?v=JO49Va2veEA

https://www.youtube.com/watch?v=4rzrFnNR_as

بانت سعاد