السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / أدب الدول المتتابعة بين إشكالية التسميات والمؤثرات العامة

أدب الدول المتتابعة بين إشكالية التسميات والمؤثرات العامة

 

بقلم أ.د. أنور عبد الحميد الموسى

من المحاضرة1

أدب الدول المتتابعة بين إشكالية التسميات والمؤثرات العامة

    ناقش بعض الباحثين تاريخ الأدب العربي فی عصوره المختلفة، وقسّموه إلى أقسام… وهو تقسیم استشراقي يستلهم دورة الحضارة الغربية: عصر النشأة، وعصر الترجمة، وعصر الإبداع الفكري، وبعد ذلك عصر الجمود والانحطاط، ثم یلیه عصر النهضة الحدیثة المتميزة بالإبداع والابتکار، وطبعا المتّسم بتأثره بتكنولوجيا غربية والتغریب والرؤیة الفکریة الغربیة، وهم عدوا العصرين المملوكي والعثماني من عصور الانحطاط، كما رأوا أن عصر النهضة بدأ باحتلال نابليون لمصر سنة 1798م… فهل هذا التحقيب أو التصنيف صحيح وسليم؟ وما التسميات التي أطلقت على أدب الدول المتتابعة؟ وما إشكالياتها؟ وما المؤثرات العامة في أدب هذه الدويلات؟ وهل الأدب كان فيها منحطا؟

التسميات والحدود الزمنية

    من العسير تحديد أطوار الأدب في عصر الدل المتتابعة بسنوات معينة، نظرا إلى تداخل بعضها ببعض… ويمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في كل حقبة من حقب ذلك العصر، وهي، فضلا عن العهد الفاطمي:

أ‌. العهد الزنكي 521-579هـ/1126-1183م.

ب. الفاطمي…

ج. العهد الأيوبي 579-648هـ/1183-1250م.

د . العهد المملوكي 648-922هـ/1250-1517م.

ه . العهد العثماني 922-1213هـ/1517-1798م.

    …ونواجه تسميات أخرى، كالعصر المغولي

     وهذه التسمية تبدأ بسقوط بغداد والخلافة العباسية بيد المغول العام 656هـ حتى العام 923ه… وهذه التسمية تصطبغ باسم الغزاة… وأطلق شوقي ضيف تسمية “عصر الدول والإمارات” على الحقبة الممتدة بين العام 334هـ (بدء العهد البويهي) حتى العام 1213ه (ودخول نابليون مصر)…

    أول من استخدم تسمية “عصر الدول المتتابعة” محمد حسن المرصفي، والتسمية نفسها استخدمها نعيم حمصي في كتابه: “نحو فهم جديد منصف لأدب الدول المتتابعة وتاريخه”…

عـــــصــــور الاجــتــرار

    هناك من يطلق على حقبة حكم المماليك والعثمانين، فضلا عن اسم عصور الانحطاط، تسمية الاجترار في الأدب… وتبدأ باستلاء المغول على بغداد 656هـ / 1258م والقضاء على الخلافة العباسيه فيها، وتنتهي بدخول نابليون الأول إلى مصر العام 1213ه/ 1797

    وهناك من يقسم هذه العصور-متجاهلا دويلات أخرى كالأيوبية- الى قسمين: العصر المملوكي، ويبدأ من سقوط بغداد سنه 656هـ / 1258م، إلى استيلاء العثمانين على القاهره 923هـ /1517م، والعصر العثماني: يبدأ منذ ذلك التاررخ، وينتهي باستيلاء نابليون على مصر العام 1213هـ/1798م…

    هذا هو الإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهو موطن حكم هذه الدول، وهو بلاد الشام ومصر، في المقام الأول، وبعض أرجاء الجزيرة العربية كالحجاز واليمن غيرها.

    بناء على ذلك، فإن أدب الدويلات يطلق على النتاج الأدبي الذي ظهر خلال ضعف الخلافة العباسية وانهيار الخلافة العثمانية… وله غير تسمية…

 كالتركي أو العثماني، أو المملوكي، أو المماليك ومن عاصرهم من ذوي السلطان، أو عصر الانحدار…

إشكاليات التسمية والموقف منها

    هناك إشكالية تثار حول تقسيم العصور الأدبية زمنيا… نظرا إلى تداخلها من جهة، ومفهوم التناص الذي يخرق الحدود والأفكار المنعزلة من جهة أخرى…

    هناك أسباب جوهرية حملت العديد من الدارسين والمؤرخين على تسمية هذا العصر “بعصر الانحطاط؛ معممين التسمية على كل الدويلات بلا وجه حق، وكان الأجدر بهم التخصيص لا التعميم… لأن النصوص الركيكة لم تكن هي القاعدة… ولعل من تلك الأسباب:

  ضعف القدرة على التوليد والابتكار في الحياة الأدبية، وفساد ملكة اللغة العربية، وتردي اللغة الفصحى…

    ويعد الشعر زمن الانحطاط الأكثر تأثرا بتسلط المماليك الأعاجم على الحياة السياسية، فبعد أن ولت الخلافة العباسية، وأصبح البلاط خاضعا لسلاطين المماليك الذين لا يحسنون إلا لغة العنف والبطش، كان من الطبيعي أن تخمد قرائح الشعراء وتنطفئ جذوة المشاعر الصادقة، وتضمحل ملكة الخيال، وتتهافت المواهب والقدرات الشعرية وتهب مهب الرياح.

    وهكذا أصبح عصر المماليك كما يدعي المنتقدون المعممون، صناعة لفظية بعد أن كان قريحة فطرية، وقلما نبغ شاعر ليشتغل بغير الشعر، وابتذلت الصناعة الشعرية، وتعاطى لها أناس لقضاء ساعات الفراغ، وكثر الناظمون من الباعة وأرباب الحرف كالخياطين والنجارين وغيرهم.

   إن الحقبة الواقعة بعد سقوط بغداد المسماة بعصر الإنحطاط، مقولة مهمة فی الأدب العربي، وهي بحاجة ماسة لتكثيف الجهد العمیق والعمل والتحلیل الدقیق… کما تستوجب إعادة الكثير من الدراسة والتمعن…

   ومن المفترض علینا أن نعي هذا العصر وعيا صحيحا، وأن ندرسه درسا منهجيّا أکادیمیا لنناقش عناصره وندرس مؤثراتها الإيجابية والسلبية… ومن المستحسن أن نناقشه مناقشة دقيقة ودراسة عميقة؛ ليلقى الأدب العربي في هذا العصر حقه العلميّ الأكاديميّ من البحث والدراسة حتى يتبين لنا حق الأدب في هذا العصر الذی أدى دوره بشكل ممتاز؛ لأن المناقشة والبحث بالنظرة الفاحصة المدقّقة المتبصرة تلغي مثل هذا الحكم، ویتبيّن أن هذا العصر لیس منحطا ومنحدرا؛ بل مزدهرا ومنبهرا أیضا.     

    علی کل حال، نتکلم هنا على عصر أدبه متهم بأنه: “سطحي المضمون من دون العمق في التفكير أو جدة في الرؤية، بل يكاد يكون اجترارا لما سبق من معان، وسيطرت العجمة والركاكة على لغة الإبداع، وشاع اللحن فيها شيوعا فاضحا، وصار للعامية الشعبية نفوذ وسلطان كما لا يوجد في أدبه نصوص قوية محكمة متمتعة بعناصر الخيال يمكن أن يشار إليها فتجذب النقاد والمتذوقين. لهذا العصر، أدب تقريري جافّ مباشر فلا خيال فيه ولا تحليق في تصوير المشاعر والأفكار، وإن وجد شيء من الخيال، فهو تقليدي جزئي مبتذل، كما أنه أدب شكلي ومبدعوه يهتمون باللفظ على حساب المعنى”.

    إن الأدب العربی فی هذا العصر، شغل حيزا مهمّا من تاريخ الأدب، ولكنه مع هذا الأمر الخطیر مع الأسف، اتّسم بالانحطاط… وهذه التسمية وصمة عار لقّب بها… وتناسى مطلقوها مفاهيم التناص والتأثر والتأثير في النصوص والآداب..

    “إن ما أتحفّظ تجاهه، وأري فيه شيئا من التجنّي والإجحاف، وعدم تحرّي الدّقة، هو تعميم تسمية (عصر الانحطاط) على المدة ما بين عامي (1258 و1798) وشموليّتها، حتّي باتت تشمل كلّ المرافق، وتوسم العصر بميسم التخلّف والجدب والخمول… فبات مفزعة يتحاشاها الدّارسون. وألقت هذه التسمية بثقل ظلّها على هذا العصر، فأعرض عنه الباحثون”.

    “ما أراه، أنّ صورة عصر الانحطاط هذا، لم تكن كما رسخت في عقول النّاس، صورة يغشاها الظلام الدّامس. إنّما لاح لنا في هذا اليمّ القاتم، المشحون بمظاهر التخلّف ووجوه الانحطاط، جزر لألاءة تذكّرنا على الأقلّ بمنائر السّلف، إن لم تتخطّها…”

     والجمود أو السبات والثبات والركود… في رأي د. خالد يوسف، وإن لا يشكّل خطوة إلي الأمام، فهو على الإطلاق ليس تراجعا إلي الوراء.

    والحقيقة أنّ الانحطاط السياسي هو علّة العلل التي جرجرت بأذيالها الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي والفكري… ولا بدّ من أن يحدث هذا تدنيّا في الجمالية، وجفافا في الأريحيّة، وإغراقا في التكلّف والصناعة. ومن عجائب الأمور أن تلقي اللّغة العربيّة كلّ هذه الأهوال التي ذكرتها، ثمّ تصمد حيّة قويّة قرونا من الزّمن، عزلاء لا قوّة سياسيّة تسندها، ولا سطوة أدبيّة مستجدّة، تجعلها مرهوبة الجانب. لم تندثر شأن غيرها من اللّغات الأخري التي اندثرت وبادت!

مؤثرات عامة….

لعل معالم العهد الزنكي والعهد الأيوبي والعهد المملوكي متقاربة… أكثر من معالم العهد العثماني؛ ومن هذه المعالم أن اللغة العربية ظلت لغة رسمية للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع أن أصولهم غير عربية، ولغاتهم الأصلية غير عربية. أما في العهد العثماني، فقد غدت التركية لغة الدولة الرسمية، وبها تكتب المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسية، وتدرّس في المدارس، ويتحدث بها كثير من المثقفين والحكّام، ثم تأتي العربية في المقام الثالث، والدولة العثمانية لا تحاربها، ولا تقف عقبة في وجه من يسعى إلى تعلمها؛ لأنها لغة القرآن والإسلام…. يضاف إلى ذلك أن السلاطين العثمانيين استولوا في مصر والشام على خير ما في خزائن كتبهما، كما أخذوا إلى العاصمة اسطنبول خيرة علماء العربية ومهرة الصناع والحرفيين… وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام باللغة العربية، وتفشي اللحن والعامية والجهل والأمية…

    واهتم الزنكيون والأيوبيون والمماليك بإنشاء المدارس، وحث الطلبة على العلم، ورصد المكافآت المغرية للمبرزين، وتكريم العلماء، وتوفير المناخ الطيب لإنتاجهم، وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس، والمساجد في عهدهم مواطن للعلم والدرس إلى جانب كونها للعبادة. وقد عرف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بولعه بإنشاء المدارس المنظمة، وعمارة المساجد، حتى إنه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك…

    وبذّ صلاح الدين الأيوبي سلفه نور الدين في الإنفاق على التعليم وإنشاء المدارس الكثيرة في مصر والشام، وقد وصف ابن جبير، في رحلته، هذه المدارس، ووجدها قصوراً أنيقة، ومن أحسن مدارس الدنيا منظراً.

    وسار خلفاء صلاح الدين على سنته، فابتنوا مدارس كانت كل منها تنسب إلى بانيها، مثل: الظاهرية والصاحبية والعادلية والأشرفية والناصرية، وحتى نساء بني أيوب شيدن عدداً من المدارس، كان منها «الشامية» و«الخاتونية»، وكذلك فعل كبار تجار العصر.

    جاء عصر المماليك، وراح الحكام يتنافسون في إنشاء المدارس، حتى إن ابن بطوطة عجب من كثرتها، وذكر أنه لا يحيط بحصرها لكثرتها. وذكر من هذه المدارس: الظاهرية والمنصورية ومدرسة السلطان حسن، والسلطان برقوق، والمؤيد شيخ، وسواها.

    أما في العصر العثماني فقد انقطع إنفاق الدولة على هذه المدارس كلها، ولم يبن الحكام مدارس جديدة، إنما تركوا الحبل على الغارب، فذوت تلك المدارس وأخذ عددها يتناقص يوماً بعد يوم. وحلت محلها كتاتيب صغيرة تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب… كما تعلِّم القرآن الكريم وتجويده، حتى إذا أوغل الحكم العثماني في الزمن، سيطر الجهل على البلاد العربية المحكومة، وصار من النادر وجود من يحسن القراءة والكتابة فيها.

    وفي عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ازداد عدد العلماء والشعراء والكتاب والمؤلفين زيادة كبيرة لأسباب، منها: هرب العلماء والأدباء من شرقي العالم الإسلامي إلى مصر والشام في إثر اجتياح التتار، وهرب العلماء والأدباء من غرب العالم الإسلامي (الأندلس) إلى مصر والشام، بعد اجتياح الإسبان للدولة الأندلسية المسلمة، والاستقرار الأمني الذي تمتعت به بلاد مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك، ورعاية حكامها للعلماء والأدباء، وتوفير المناخ العلمي والحياة الكريمة لهم مع الإجلال والاحترام.

    وكان من نتيجة هذه العوامل أن استطاع العلماء تعويض المكتبة العربية الإسلامية بعض ما ضاع منها حرقاً أو إتلافاً أو سرقة، وكانوا في تأليفهم يعتمدون على ما وصل إليهم من العصور السابقة، فينبرون إلى تصنيفه وترتيبه وتدوينه في كتب جامعة تقرب من الموسوعات.

   وكثرت في هذا العصر الشروح والذيول والحواشي، حتى سمي بعصر التحشية. لكن هذه الحقبة الخصبة نسبياً لم تستمر في عهد العثمانيين، وإنما اتخذ الشعر والتأليف مسارا آخر، فيه من العقم أكثر مما فيه من الخصب. وكان لديوان الإنشاء، في عهد الأيوبيين والمماليك، أثر بالغ في النهضة العلمية، وازدهار الثقافة، نظرا إلى ما كان فيه من إغراءات، وحوافز، وحين أبطله العثمانيون وأحلوا التركية في الدواوين محله، تدهورت الثقافة، وانعدمت الحوافز، وساءت الكتابة بوجه عام.

مجمل القول: مؤرّخو الأدب عند تحديد العصور الأدبيّة بحدود زمنيّة، واهمون؛ فالأحداث على جلالها لا تقوي على مسح المخزون الثقافي والفكري والمعرفي عند الشعوب، بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى أجيال متعاقبة، وأحداث متوالية، وتجاذب مستمرّ وعنيف بين ما كان وما هو كائن وسيكون. وقد يبقي، وإلي الأبد، الماضي استمرارا في الحاضر… ما نتحفّظ تجاهه، ونرى فيه شيئا من التجنّي والإجحاف، وعدم تحرّي الدّقة، فهو تعميم تسمية (عصر الانحطاط) على الحقبة ما بين عامي (1258م و1798) وشموليّتها، حتّي باتت تشمل كلّ المرافق، وتوسم العصر بميسم التخلّف والجدب والخمول… فبات مفزعة يتحاشاها الدّارسون. وألقت هذه التسمية بثقل ظلّها على هذا العصر، فأعرض عنه الباحثون.

 

المصدر: كتاب إشكالية التناص والانحطاط في أدب الدول المتتابعة، للد. أنور الموسى، بيروت، دار المواسم، ط1، 2017

 

 

 

المحاضرة 1

 

  • الأهداف

 

*تعريف العصر…

 

**مناقشة تسمياته…

 

***توضيح المؤثرات العامة…

 

****إبداء الرأي في التسميات وإشكالياتها