السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / واحة الشعر والخواطر / تفاصيل عميقة لن تنتهي

تفاصيل عميقة لن تنتهي

بقلم رشا علي

(تفاصيل عميقة لن تنتهي)

تخيفني يا أمي عقارب السّاعة إذ ما أخطأت وقتها.
تخيفني فكرة النهايات والطرق الوعرّة غير المنتهية،
السّماء الغاضبة، الأرض الجرداء المنتظرة حنينًا.
البحر العميق الجائع إلى المزيد من الجثث..
تخيفني كثيرًا كثيرًا يا أمي
وتخيفني أيضًا فكرة النوم بلا صحو،
الابتسامات الزائفة والوداعات المتتالية..
التعلق..
الانتشار كجدري في جسدٍ هو بالأصل منهك.
كل الأشياء باتت تخيفني
الحنين إلى الأشخاص.. الشوق ، الحبّ، الانتظار، الإهمال، الاهتمام..
الفراق أو الافتراق عنوةً.
العزلة يا أمي ولذعة الماضي
و لأنّني أنثى مصابةٌ بداء التاريخ أحاول مِرّارًا أن أشرب الماضي نخبًا للمستقبل لكنّي لا أستسيغ طعمه المرّ..
أعبث بتفاصيله وطعمه وسحره ليغدو ماضياً محرّفًا من كل شيء ماعدا ندوبه الموجعة.
أحاول كثيراً أن أُقلّمَ أظافر النسيان فتغافلني وتنمو سريعًا لتغتال جسدي الصغير وتنال منه.
أحاول ألّا ألتفت.. ألّا أضعف.. ألّا أضيع
وألّا أرَى حقيقة الأشياء
لكن الطريق مظلمٌ يا أمي وأنا أحتاج نورًا
أحتاج ذاكرةً صدئة.. مهترئة من ملح الأيام فلا تقوَى ولا تستذكر.
أحتاج صوتك الّذي يصفر كالرّيح فيّ.
أحتاج عناقًا طويلاً يفقدني عذرية الصمت والوحدة..
أحتاج ماءً حُلوًا ينبت جذوري اليابسة.
أحتاج خوفًا (لا يخيفني)
تفاحًا كتفاح الطفولة..
وردًا وشجرًا وضجيجًا وأراجيح..
الأراجيح يا أمي وصوت الطفولة وحلم البدايات
أحتاجها كلّها كي أنجو..
كلّها كي أنجو…